• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

ثم انزوى الحق

وراء السقيفة:
بأي حق كان؟
وكيف كانت البيعة؟
وبالخصوص، كيف تعاملوا مع أهل بيت النبي المصطفى لأجل البيعة؟
هذا ما يتناوله - بإيجاز - هذا الفصل...
فمما لا يغيب على من لديه أدنى اطلاع على التاريخ الإسلامي أن بيعة السقيفة قد تمت، ولما يجهز بعد جثمان رسول الله الطاهر...!
وفي ساعة كان الإمام علي، وبنو هاشم، وجمع من المهاجرين والأنصار ينهمكون بهذا الواجب...!
وجاء البراء بن عازب، فضرب الباب على بني هاشم، وقال: يا معشر بني هاشم بويع أبو بكر!
فقال بعضهم: ما كان المسلمون يحدثون حدثا نغيب عنه، ونحن أولى بمحمد.
فقال العباس: فعلوها ورب الكعبة.
وكان المهاجرون والأنصار لا يشكون في علي (1).
وتخلف عن بيعة أبي بكر قوم من المهاجرين والأنصار، ومالوا مع علي بن أبي طالب، منهم:
العباس بن عبد المطلب، والفضل بن العباس، والزبير بن العوام، وخالد بن سعيد، والمقداد بن عمرو، وسلمان الفارسي، وأبو ذر الغفاري، وعمار ابن ياسر، والبراء بن عازب، وأبي بن كعب (2).
ثم إن أبا بكر تفقد قوما تخلفوا عن بيعته عند علي كرم الله وجهه، فبعث إليهم عمر، فجاء فناداهم وهم في دار علي، فأبوا أن يخرجوا، فدعا بالحطب!
وقال: والذي نفس عمر بيده، لتخرجن أو لأحرقنها على من فيها.
فقيل له: يا أبا حفص، إن فيها فاطمة!
فقال: وإن (3)!!!
فأتى عمر أبا بكر، فقال له: ألا تأخذ هذا المتخلف عنك بالبيعة؟
فقال أبو بكر لقنفذ - وهو مولى له -: اذهب، فادع لي عليا.
فذهب إلى علي، فقال له - علي -: ما حاجتك؟
فقال: يدعوك خليفة رسول الله.

فقال علي: " لسريع ما كذبتم على رسول الله "!
فرجع، فأبلغ أبا بكر الرسالة، فبكى أبو بكر طويلا!
فقال عمر - الثانية -: لا تمهل هذا المتخلف عنك في البيعة.
فقال أبو بكر لقنفذ: عد إليه، فقل له: خليفة رسول الله يدعوك لتبايع.
فجاءه قنفذ، فأدى ما أمر به، فرفع علي صوته، فقال: " سبحان الله، لقد ادعى ما ليس له ".
فرجع قنفذ، فأبلغ الرسالة. فبكى أبو بكر طويلا..
ثم قام عمر، فمشى معه جماعة، حتى أتوا باب فاطمة، فدقوا الباب.
فلما سمعت أصواتهم، نادت بأعلى صوتها: " يا أبت، يا رسول الله، ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب، وابن أبي قحافة؟! ".
فلما سمع القوم صوتها، وبكاءها، انصرفوا باكين، وكادت قلوبهم تنصدع، وأكبادهم تنفطر، وبقي عمر! ومعه قوم!
" وبقي عمر، ومعه قوم ".
فأخرجوا عليا، فمضوا به إلى أبي بكر..
فقال له: بايع.
فقال: " إن أنا لم أفعل فم؟ " قالوا: إذن والله الذي لا إله إلا هو، نضرب عنقك!!
فقال: إذن تقتلون عبد الله، وأخا رسوله ".
قال عمر: أما عبد الله فنعم، وأما أخو رسول الله فلا!!
وأبو بكر ساكت!
فقال له عمر: ألا تأمر فيه بأمرك؟
فقال: لا أكرهه على شئ ما كانت فاطمة إلى جنبه!!
فلحق علي بقبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصيح ويبكي، وينادي: (ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني) (4).
إقرأ إلى هنا وتعجب، فما أعظمها من جرأة!
مرة.. جرأة على بيت علي وفاطمة، وإضرام النار حوله، أو هدمه كما قال آخرون (5)!
تلك الجرأة التي سجلها حافظ إبراهيم - شاعر النيل - في أبيات يعجب قارئها مرتين: مرة من هول المشهد، ومرة من موقف الإنسان الشاعر تجاهه، حيث يقول في قصيدته العمرية:
وقولة لعلي قالها عمر * أكرم بسامعها أعظم بملقيها
حرقت دارك لا أبقي عليك بها * إن لم تبايع، وبنت المصطفى فيها!!
ما كان غير أبي حفص بقائلها * أمام فارس عدنان وحاميها!!! (6)
بل أعظم بها من مصيبة، وأعجب لها من جرأة.
ومرة:
في إنكار حقيقة لا تخفى على أحد من المسلمين، بل حتى المشرك والمنافق كان يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد آخى عليا، وقال له: " أنت أخي في الدنيا والآخرة " (7).
فكيف أنكرها من كان علمه بها علم اليقين؟!
إقرأ إلى جنب هذا ما أوصى به رسول الله عليا، بقوله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي: " أنت أخي، وأنا أخوك، فإن ذاكرك أحد فقل: أنا عبد الله وأخو رسوله، لا يدعيها بعدك إلا كاذب " (8).
ثم هل تعجب ممن ينكر حقيقة جلية كهذه إن هو أنكر ما هو أخطر منها، كأمر الولاية؟ الولاية التي أقر بها فيما بعد حتى عمرو بن العاص وهو يقود الحرب على علي في صفين! إذ قدم على معاوية رجل من همذان، يقال له (برد) فسمع عمرا يقع في علي عليه السلام، فقال له: يا عمرو، إن أشياخنا سمعوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: " من كنت مولاه فعلي مولاه " فحق ذلك، أم باطل؟
فقال عمرو: حق، وأنا أزيدك: أنه ليس أحد من صحابة رسول الله له مناقب مثل مناقب علي (9).
ومرة:
في الجرأة على قتل علي بن أبي طالب! وهو هو، وهم أدرى بمقامه!
،، إذن والله الذي لا إله إلا هو نضرب عنقك،، ،، وأبو بكر ساكت، فقال عمر: ألا تأمر فيه بأمرك؟
فقال: لا أكرهه على شئ ما كانت فاطمة إلى جنبه،، ترى، إن لم تكن فاطمة آنذاك إلى جنبه، فماذا؟!
أقول هذا، وأترك الحكم لكم..
ثم لماذا كان عمر وراء كل ذلك؟
الجواب تعرفه عن أبي السبطين عليه السلام، في القصة ذاتها:
إذ يقول: ثم إن عليا كرم الله وجهه أتي به إلى أبي بكر، وهو يقول:
" أنا عبد الله، وأخو رسوله ".
فقيل له: بايع أبا بكر.
فقال: " أنا أحق بهذا الأمر منكم، لا أبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي، أخذتم هذا الأمر من الأنصار واحتججتم عليهم بالقرابة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وتأخذونه منا أهل البيت غصبا؟!
" نحن أولى برسول الله حيا وميتا، فأنصفونا إن كنتم تؤمنون، وإلا فبوءوا بالظلم وأنتم تعلمون ".
فقال له عمر: إنك لست متروكا حتى تبايع.
فقال له علي: " إحلب حلبا لك شطره، واشدد له اليوم أمره، يردده عليك غدا " (10).

ومع الزهراء عليها السلام

فبعد ما سمعت بما حل بسيدة النساء، من إضرام النار، واقتحام الدار وإيذاء علي أمام عينيها، وإفزاع بنيها بين يديها...
وصرختها وتظلمها: " يا أبت، يا رسول الله، ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب، وابن أبي قحافة "!..
وبعد ذاك، كانت قضية فدك، وميراثها من أبيها صلى الله عليه وآله وسلم (11)..
قال اليعقوبي: وأتته فاطمة تطلب ميراثها من أبيها، فقال لها: قال رسول الله: إنا معشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة.
فقالت: أفي الله أن ترث أباك، ولا أرث أبي؟
أما قال رسول الله: " المرء يحفظ في ولده " (12)؟! ورغم أنها عليها السلام قد أشهدت عليا والعباس، وأم أيمن على حقها في هذه الأرض (13)، إلا أن الأمر قد انتهى عند ذلك الحد، ولم يتجدد له ذكر إلا بين أهله، حتى رجعت إليهم في عهد عمر بن عبد العزيز، ثم في عهد المأمون.
وقد ثبت عن أمير المؤمنين عليه السلام في كتاب له إلى عامله على البصرة الصحابي عثمان بن حنيف الأنصاري، قوله: " بلى، كانت في أيدينا فدك من كل ما أظلته السماء عليها فشحت عليها نفوس قوم، وسخت عنها نفوس آخرين، ونعم الحكم الله ".
قال ابن أبي الحديد: شحت أي بخلت، وسخت أي سامحت وأغضت، وليس يعني ها هنا بالسخاء إلا هذا، لا السخاء الحقيقي، لأنه عليه السلام وأهله لم يسمحوا بفدك إلا غصبا وقسرا (14).
ثم ما زالت فاطمة عليها السلام غضبى عليهما حتى توفيت (15)..
وحدث أنهما جاءا يوما يلتمسان رضاها!
فقالت لهما: " نشدتكما الله، ألم تسمعا رسول الله يقول: رضا فاطمة من رضاي، وسخط فاطمة من سخطي، فمن أحب فاطمة ابنتي فقد أحبني، ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني؟ ".
قالا: نعم سمعناه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
قالت: " فإني أشهد الله وملائكته أنكما أسخطتماني وما أرضيتماني، ولئن لقيت النبي لأشكونكما إليه " (16).
ترى هل كان صلى الله عليه وآله وسلم يريد بقوله هذا لفاطمة أن يمنحها من الدلال ما يمنحه الملوك لبناتهم؟ أم أراد أن يهبها ما لا يناله غيرها من حطام الدنيا وزينتها؟
أليس هو صلى الله عليه وآله وسلم الذي أبى لها أن تتخذ خادمة في بيتها، وأوصاها بدلا من ذلك بهذه التسبيحات المعروفة بعد كل صلاة!
ألم يكن صلى الله عليه وآله وسلم قد استنكر عليها عقدا كان نصيبها من سهم الغنائم، وقال لها: " نحن أهل البيت اختار الله لنا الآخرة "!
فماذا بقي من هذا الحديث الشريف " رضا فاطمة من رضاي " ونظائره غير أنه صلى الله عليه وآله وسلم أراد من ذلك أن يبين لنا وجوه تعبدنا، ومعالم ديننا، ويرسم لنا معالم الصراط المستقيم، فوضع لنا معايير ومقاييس نميز من خلالها الحق عن غيره، ونلتمس وراءها سبيل النجاة؟
وهذا هو معنى التعبد والطاعة والولاء، أن نلتمس رضاه صلى الله عليه وآله وسلم فيما أمرنا به، فنلتمس رضا من كان رضا رسول الله في رضاه وسخط رسول الله في سخطه.
والأمر هنا هكذا تماما، وليس خلافا شخصيا لنقف عنده على الحياد.
نعم، إنه بيان وبرهان يهدينا إلى معرفة مواضع رضا رسول الله، ومواضع سخطه، وفي أمر كهذا ليس هناك موضع للحياد.
ثم أرأيت أنه صلى الله عليه آله وسلم قد قال هذا الحديث ونظائره وهولا يدري ماذا سيجري بعده لفاطمة؟ لقد أخبرها وزوجها عليهما السلام بما سيصيبهما بعده من الأثرة والأذى، وحتى وفاتهما (17). إذن قد قال ذلك وهو صلى الله عليه وآله وسلم يدري بما سيحصل بعده لأهل بيته خاصة وكفى بها موعظة.
وبعد فقد هجرته فاطمة عليها السلام فلم تكلمه حتى ماتت، ودفنها علي عليه السلام ليلا! ولم يؤذن بها أبا بكر، وقد مكثت بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ستة أشهر (18).
قال البيهقي فغضبت فاطمة، وهجرته فلم تكلمه حتى ماتت، ودفنها علي ليلا، ولم يؤذن بها أبا بكر، قالت عائشة: فكان لعلي من الناس وجه حياة فاطمة، فلما توفيت فاطمة انصرفت وجوه الناس عنه عند ذلك.
قال معمر: قلت للزهري: كم مكثت فاطمة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟
قال ستة أشهر.
فقال رجل للزهري: فلم يبايعه علي حتى ماتت فاطمة؟
قال: ولا أحد من بني هاشم (19).
عقيدتها في الخلافة:
أما عقيدة الزهراء عليها السلام في الخلافة فتكشفها هذه الحادثة الشهيرة، وهذا نص ابن قتيبة فيها، قال: وخرج علي كرم الله وجهه يحمل فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على دابة ليلا في مجالس الأنصار تسألهم النصرة.
فكانوا يقولون: يا بنت رسول الله، قد مضت بيعتنا لهذا الرجل، ولو أن زوجك وابن عمك سبق إلينا قبل أبي بكر ما عدلنا به.
فيقول علي كرم الله وجهه: أفكنت أدع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بيته لم أدفنه، وأخرج أنازع الناس سلطانه؟!
فقالت فاطمة: ما صنع أبو الحسن إلا ما كان ينبغي له، ولقد صنعوا ما الله حسيبهم وطالبهم (20).
وإن خالطك الريب في شئ من هذا فأعد النظر في بيانات أمير المؤمنين المتقدمة لترى أنها قد جاءت مصاديق حية لهذه القصة:
كقوله عليه السلام: " وطفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذاء، أو أصبر على طخية عمياء ".
وقوله: " فنظرت فإذا ليس لي معين إلا أهل بيتي، فضننت بهم عن الموت، وأغضيت على القذى، وشربت على الشجا.. ".
وغيرهم أيضا دعا..
لم يقتصر النداء بهذا الأمر، والدعوة إليه على علي وفاطمة عليهما السلام، بل ساهم فيه عدد كبير من أصحاب رسول الله وسادة المهاجرين والأنصار، وليس أحد ممن اعتصم مع علي عليه السلام فلم يبايع إلا وله فيه مواقف وكلمات.
ولم يتوقف الأمر هاهنا، ولم ينته كل شئ بمجرد أنهم بايعوا لأبي بكر..
بل ما زال عقيدة تبيت في الصدور، تنتظر يوما تتنفس فيه..
وقد حصل هذا غير مرة، وأينما وجد أصحابه الفرصة السانحة، وإن طال العهد، وتعاقبت السنون، ومضى رجل بعد رجل، حتى وجد بعضهم فرصته في أيام خلافة عثمان بن عفان..
ومن ذاك: كلام صادق اللهجة أبي ذر الغفاري..
إذ وقف خطيبا بباب المسجد النبوي الشريف، فنادى في الجمع، قائلا: أيها الناس، من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا أبو ذر الغفاري، أنا جندب بن جنادة الربذي..
(إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين * ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم).
محمد الصفوة من نوح، فالأول من إبراهيم، والسلالة من إسماعيل.
والعترة الهادية من محمد.. إنه شرف شريفهم، واستحقوا الفضل في قوم، هم فينا كالسماء المرفوعة، وكالكعبة المستورة، وكالقبلة المنصوبة، أو كالشمس الضاحية، أو كالقمر الساري، أو كالنجوم الهادية، أو كالشجر الزيتونية، أضاء زيتها، وبورك زبدها..
ومحمد وارث علم آدم وما فضل به النبيون..
وعلي بن أبي طالب وصي محمد، ووارث علمه..
أيتها الأمة المتحيرة بعد نبيها! أما لو قدمتم من قدم الله، وأخرتم من أخر الله، وأقررتم الولاية والوراثة في أهل بيت نبيكم، لأكلتم من فوق رؤوسكم، ومن تحت أقدامكم..
ولما عال (21) ولي الله، ولا طاش سهم من فرائض الله، ولا اختلف اثنان
في حكم الله إلا وجدتم علم ذلك عندهم من كتاب الله وسنة نبيه.
فأما إذا فعلتم ما فعلتم، فذوقوا وبال أمركم، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون (22).
المقداد بن عمرو:
ومن ذلك، كلام المقداد بن عمرو في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، جاثيا على ركبتيه، يتلهف تلهف من كأن الدنيا كانت له فسلبها!.
وهو يقول: واعجبا لقريش ودفعهم هذا الأمر عن أهل بيت نبيهم!
وفيهم أول المؤمنين، وابن عم رسول الله، أعلم الناس، وأفقههم في دين الله، وأعظمهم عناء في الإسلام، وأبصرهم بالطريق، وأهداهم للصراط المستقيم..!!
والله لقد زووها عن الهادي المهتدي، الطاهر النقي، وما أرادوا صلاحا للأمة، ولا صوابا في المذهب!
ولكنهم آثروا الدنيا على الآخرة، فبعدا وسحقا للقوم للظالمين (23).
وحتى معاوية:
وقد كتب إليه محمد بن أبي بكر رضي الله عنه كتابا، منه قوله مقارنا بينه وبين علي عليه السلام، قال فيه: وهو هو، السابق المبرز في كل خير، أول الناس إسلاما وأصدق الناس نية، وأطيب الناس ذرية، وأفضل الناس زوجة، وخير الناس ابن عم.
وأنت اللعين ابن اللعين، لم تزل أنت وأبوك تبغيان لدين الله الغوائل..
فكتب إليه معاوية كتابا، فيه: قد كنا وأبوك معنا في حياة نبينا نرى حق ابن أبي طالب لازما لنا، وفضله مبرزا علينا، فلما اختار الله لنبيه ما عنده، وأتم له ما وعده، وأظهر دعوته، وأفلج حجته، قبضه الله إليه، فكان أبوك وفاروقه أول من ابتزه وخالفه، على ذلك اتفقا واتسقا.
ثم دعواه إلى أنفسهم، فأبطأ عنهما، وتلكأ عليهما، فهما به الهموم، وأرادا به العظيم! فبايعهما، وسلم لهما، لا يشركانه في أمرهما، ولا يطلعانه على سرهما (24).
وهكذا، فكلما تهيأت الأسباب، وسنحت الفرصة ظهر من هذا الحق شئ، حتى بلغتنا أشياء يطول جمعها.

من الدلائل النبوة

وخلاصة ما جرى مع أهل البيت في هذا العهد يعطينا معالمها عدد ليس بالقليل من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، اخترنا منها هنا أربعة فقط لننتقل بعدها إلى العهد الآخر.
1 - أخرج الحاكم في المستدرك عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لعلي عليه السلام: " أما إنك ستلقي بعدي جهدا ".
قال: في سلامة من ديني؟
قال صلى الله عليه وآله وسلم: " في سلامة من دينك " (25).
2 - كان علي عليه السلام مريضا، وقد عاده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبو بكر وعمر معه، فقال أحدهما للآخر: ما أراه إلا هالكا!
فقال صلى الله عليه وآله وسلم: " إنه لن يموت إلا مقتولا، ولن يموت حتى يملأ غيظا " (26).
3 - وعنه عليه السلام قال: " إن مما عهد إلي النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن الأمة ستغدر بي بعده ".
وفي لفظ آخر: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لعلي " إن الأمة ستغدر بك بعدي " (27).
4 - عن علي عليه السلام، قال: " بينما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آخذ بيدي، ونحن نمشي في بعض سكك المدينة إذ أتينا على حديقة، فقلت: يا رسول الله، ما أحسنها من حديقة! فقال: لك في الجنة أحسن منها.
ثم مررنا بأخرى، فقلت: يا رسول الله، ما أحسنها من حديقة!
قال: لك في الجنة أحسن منها. ثم مررنا بسبع حدائق كل ذلك أقول:
ما أحسنها. ويقول: لك في الجنة أحسن منها..
فلما خلا له الطريق اعتنقني ثم أجهش باكيا.
قلت: يا رسول الله، ما يبكيك؟
قال: ضغائن في صدور أقوام، لا يبدونها لك إلا من بعدي " (28)!
* * *











____________
(1) تاريخ اليعقوبي 2: 124، ابن أبي الحديد 6: 21، الإستيعاب - بهامش الإصابة - 3:
550 - ترجمة النعمان بن العجلان.
(2) تاريخ اليعقوبي 2: 124، تاريخ أبي الفداء 2: 63، ابن أبي الحديد: 2: 49، 56 و 6: 11، وزاد في 1: 220 حذيفة، وابن التيهان، وعبادة بن الصامت، وتاريخ الطبري 3: 198، الكامل في التاريخ 2: 325، 331، تاريخ الخلفاء: 51 ولم يذكروا الأسماء.
(3) تاريخ الطبري 3: 198، الإمامة والسياسة 1: 12، العقد الفريد 5: 12، ابن أبي الحديد 2: 56، 6: 48، 20: 147، مروج الذهب 3: 77، تاريخ أبي الفداء 2: 64 أعلام النساء 4: 114 باختلاف في اللفظ.
(4) الإمامة والسياسة: 12 - 13، ابن أبي الحديد 2: 56 و 6: 11، الفتوح لابن أعثم 1:
13، أعلام النساء 4: 114 - 115، تاريخ اليعقوبي - مختصرا - 2: 126.
(5) تاريخ اليعقوبي 2: 126.
(6) ديوان حافظ إبراهيم 1: 82 " ط 1937 ".
(7) أنظر: سنن الترمذي 5: 636 / 3720، مسند أحمد 1: 230، مصابيح السنة 4: 173 / 4769، المستدرك 3: 14، جامع الأصول 9: 468 / 6475، أسد الغابة 2: 221 و 4:
16، 29، الإستيعاب 3: 35، الطبقات الكبرى 3: 22، مجمع الزوائد 9: 112، ابن
أبي الحديد 6: 167، الصواعق المحرقة: 122، تاريخ الخلفاء: 135، الترجمة لابن عساكر 1: 117 / 141 - 150، البداية والنهاية 7: 348، كنز العمال 11 / 32879.
(8) أخرجه أحمد بن حنبل في فضائل الصحابة 2: 617 / 1055، وسبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص: 22 وأثبت صحته.
(9) الإمامة والسياسة: 109.
(10) الإمامة والسياسة: 11، ابن أبي الحديد 6: 11، والفتوح: 1: 13 باختلاف يسير.
(11) جاء عن علي عليه السلام، وابن عباس، وأبي سعيد الخدري، أنه لما نزل قوله تعالى: (وآت ذا القربى حقه) دعا رسول الله فاطمة فأعطاها فدك.
أورده السيوطي في الدر المنثور 5: 273 - 274، قال أخرجه البزار، وأبو يعلى، وابن أبي حاتم، وابن مردويه. وأورده الحسكاني في شواهد التنزيل 1: 338 من سبعة طرق، والقندوزي الحنفي في ينابيع المودة: 119، والهيثمي في مجمع الزوائد 7: 49، وقال: فيه عطية العوفي، وهو ضعيف متروك.. والصحيح:
أن عطية العوفي كان صدوقا، هكذا قال العسقلاني في ترجمته إلا أنه رماه بالعلة التي لأجلها قالوا متروك، فقال: كان شيعيا!.. (تقريب التهذيب 2: 24 / 216). هذا وقد ورد الحديث عن غيره أيضا.
(12) تاريخ اليعقوبي 2: 127، الإمامة والسياسة: 14، أعلام النساء 4: 118 ابن أبي الحديد 16:
212.
(13) الإمام علي ومناوئوه للدكتور نوري جعفر: 216، وانظر ابن أبي الحديد 16: 216.
(14) ابن أبي الحديد 16: 208.
(15) صحيح البخاري 8: 266 / 3، وسيأتي ذكر المزيد من مصادره.
(16) الإمامة والسياسة: 13، أعلام النساء 4: 123 - 124.
(17) الأخبار في ذلك كثيرة جدا وسيأتي بعضها في محله بإذن الله.
(18) المستدرك 3: 162، تاريخ المدينة 1: 110، تاريخ اليعقوبي 2: 115، ابن أبي الحديد 16: 218.
(19) السنن الكبرى للبيهقي 6: 300، ورواه البخاري في الصحيح 5: 288 / 256 - باب غزوة خيبر - ومسلم في صحيحه 3: 1380 / 52 - كتاب الجهاد والسير - والطبري في تاريخه 3:
202، وابن أبي الحديد 6: 46، والجزري في جامع الأصول 4: 482، وابن الأثير في (الكامل في التاريخ) 2: 331.
ومن هنا يتضح أن هذا الأمر متفق عليه بين أصحاب السنن وأصحاب السير.

(20) الإمامة والسياسة 1: 12، ابن أبي الحديد 2: 47، 6: 13، أعلام النساء 4: 114.
(21) عال أي افتقر.
(22) تاريخ اليعقوبي 2: 171، وذكر أولها ابن قتيبة في (المعارف): 146.
(23) تاريخ اليعقوبي 2: 163.
(24) مروج الذهب 3: 12 - 13، وقعة صفين لنصر بن مزاحم: 118 - 120، ابن أبي الحديد 3: 188 - 189.
(25) المستدرك 3: 140 وقال: صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
(26) المستدرك 3: 139، الكامل في التاريخ 3: 387.
(27) المستدرك 3: 140 وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ابن عساكر في الترجمة 3: 148 / 1164 - 1168، دلائل النبوة 6: 440، تذكرة الحفاظ 3: 995، البداية والنهاية 7: 338 ابن أبي الحديد 6: 45، تاريخ بغداد 11: 216، كنز العمال 11 / 32997، الخصائص الكبرى 2: 235.
(28) مسند أبي يعلى الموصلي 1: 426 / 305، وصححه الحاكم في المستدرك 3 / 139، ابن أبي الحديد 4: 107، الرياض النضرة 3: 184، مجمع الزوائد 9: 118، المناقب للخوارزمي: 26، كنز العمال 13: 176 / 46533.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page