• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

بين الصحابة

الصحابة - رضي الله عنهم - بإيجاز

قال تعالى: (محمد رسول الله والذين معه:
أشداء على الكفار، رحماء بينهم تريهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطئه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما) (1).
أولئك رضي الله عنهم أجمعين وأرضاهم، وجزاهم عن الإسلام والمسلمين خيرا، وقد وعدهم الحسنى، فطوبى لهم وحسن مآب.
أولئك الذين نصروا الله ورسوله، وأحيوا دينه، وأقاموا دعائم دولة الإسلام، وأماتوا أركان الجاهلية..
أولئك الذين قال فيهم أمير المؤمنين عليه السلام مذكرا بفضلهم: " ولقد كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نقتل آباءنا، وأبناءنا وإخواننا، وأعمامنا، ما يزيدنا ذلك إلا إيمانا وتسليما ومضيا على اللقم (2) وصبرا على مضض الألم، وجد في جهاد العدو...
فلما رأى الله صدقنا أنزل بعدونا الكبت (3)، وأنزل علينا النصر، حتى استقر الإسلام ملقيا جرانه (4)، ومتبوءا أوطانه.
ولعمري لو كنا نأتي ما أتيتم ما قام للدين عمود، ولا اخضر للإيمان.
عود... " (5).
وقال عليه السلام مرة يصفهم ويذكر بعظيم منزلتهم، ويأسف على فقدهم:
" لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وآله، فما رأى أحدا يشبههم منكم!
لقد كانوا يصبحون شعثا غبرا وقد باتوا سجدا وقياما، يراوحون بين جباههم وخدودهم، ويقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم.
كأن بين أعينهم ركب المعزى من طول سجودهم. إذا ذكر الله هملت أعينهم حتى تبل جيوبهم، ومادوا كما يميد الشجر يوم الريح العاصف، خوفا من العقاب، ورجاء للثواب " (6).
وقال عليه السلام وهو يتحرق شوقا إليهم: " أين إخواني الذين ركبوا الطريق ومضوا على الحق؟
أين عمار؟ وأين ابن التيهان (7)؟
وأين ذو الشهادتين (8)؟ وأين نظراؤهم من إخوانهم الذين تلوا القرآن فأحكموه، وتدبروا الفرض فأقاموه، أحيوا السنة، وأماتوا البدعة، دعوا إلى الجهاد فأجابوا، ووثقوا بالقائد فاتبعوه " (9).
أولئك الذين بهم قام عمود الإسلام واشتد عوده (كزرع أخرج شطئه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه).
(رضي الله عنهم ورضوا عنه).
(أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون).
ولكن السؤال: هل كل من عاصر النبي صلى الله عليه وآله ورآه سيكون أبدا تحت ظلال هذه التزكية الربانية؟
وهل كل من صحب النبي صلى الله عليه وآله واستقام حياته معه، ستكتب له العصمة بعده؟
وإن لم تكتب له العصمة، فهل سيكون مغفورا له ما تأخر من ذنبه، غير ملوم على ما يصنع؟
الحكم لله تعالى، أولا:
وهو سبحانه القائل: (وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما) (10).
وهو جل ثناؤه القائل: (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما) (1).
فليس ثمة عصمة إذن، فمنهم من قد ينكث عهده، ومنهم من يفي.
وليس في المقام عفو وصفح عمن ينكث، بل (ينكث على نفسه).
وإنما اختص بالأجر العظيم من أوفى (بما عاهد عليه الله).
وهذا أمر لازم عقلا أيضا، فليس الذين ثبتوا بعد نبيهم والذين ارتدوا عن الإسلام سواء. ولا من أوفى كمن نكث.
(وما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسئ قليلا ما تتذكرون) (12).
أما فيمن مات على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلا ينكر أحد وجود طابور المنافقين، والمتخاذلين، وقد تحدث القرآن الكريم عنهم، وعنفهم في عشرات الآيات حتى أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ألا يصلي على أحد مات منهم، ولا يقم على قبره، وأمر هو صلى الله عليه وآله وسلم بهجرهم!
والحكم لرسوله، ثانيا:
وأحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هي الأخرى لا تمنح العصمة لكل من صحب النبي، ولا ترفع عنهم احتمال الخطأ، أو التقاعس عن الحق، بل حتى الانحراف والارتداد.
ومن ذلك: قوله المشهور في خطبة حجة الوداع: " فلا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض " (13).
ثم حديث الحوض المشهور الذي يخبر بعاقبة الكثير من الصحابة، وتناقلته كتب الصحاح بأسانيد عديدة، ومتون متشابهة، وإليك الحديث..
حديث الحوض:
أخرج البخاري عن موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا أبو عوانة عن مغيرة عن أبي وائل، قال: قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " أنا فرطكم على الحوض، ليرفعن إلي رجال منكم حتى إذا أهويت لأناولهم اختلجوا دوني، فأقول: أي رب أصحابي، فيقول: لا تدري ما أحدثوا بعدك " (14).
وأخرج أيضا عن يحيى بن كثير، عن يعقوب بن عبد الرحمن، عن أبي حازم، قال: سمعت سهل بن سعد يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: " أنا فرطكم على الحوض، من ورده شرب منه، ومن شرب منه لم يظمأ بعده أبدا، ليرد علي أقوام أعرفهم ويعرفوني، ثم يحال بيني وبينهم ".
قال أبو حازم: فسمعني النعمان بن أبي عياش وأنا أحدثهم هذا، فقال:
هكذا سمعت سهلا؟ فقلت: نعم.
قال: وأنا أشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته يزيد فيه، قال: " إنهم مني، فيقال: إنك لا تدري ما بدلوا بعدك " (15).
وأما مسلم فأخرج هذا الحديث من طرق عديدة، منها: عن أبي بكر ابن شيبة، وأبي كريب، وابن نمير، قالوا، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن شقيق، عن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " أنا فرطكم على الحوض، ولأنازعن أقواما ثم لأغلبن عليهم، فأقول: يا رب أصحابي! فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك " (16).
وأخرج الحاكم قوله صلى الله عليه وآله وسلم: " إني - أيها الناس - فرطكم على الحوض، فإذا جئت قام رجال، فقال هذا: يا رسول الله، أنا فلان، وقال هذا: يا رسول الله، أنا فلان. وقال هذا: يا رسول الله، أنا فلان.
فأقول: قد عرفتكم، ولكنكم أحدثتم بعدي ورجعتم القهقرى " (17).
وأخرج أحمد في عدة مواضع حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
" ليردن علي الحوض رجال ممن صحبني ورآني، حتى إذا رفعوا إلي ورأيتهم اختلجوا دوني، فلأقولن: رب أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك " (18).
وعن عبد الله بن رافع المخزومي، عن أم سلمة، قالت: فسمعته يقول:
" أيها الناس، بينما أنا على الحوض جئ بكم زمرا، فتفرقت بكم الطرق، فناديتكم: ألا هلموا إلى الطريق.
فناداني مناد من بعدي، فقال: إنهم قد بدلوا بعدك.
فأقول سحقا سحقا " (19).
وفي موطأ مالك: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لشهداء أحد:
" هؤلاء أشهد عليهم " فقال أبو بكر الصديق: ألسنا - يا رسول الله - بإخوانهم، أسلمنا كما أسلموا، وجاهدنا كما جاهدوا؟
فقال رسول الله صلى عليه وآله وسلم: " بلى، ولكن لا أدري ما تحدثون بعدي " (20).
أرأيت هذه الكلمة: " إنهم قد بدلوا بعدك "؟
ثم قاله صلى الله عليه وآله وسلم: " سحقا سحقا " لمن بدل بعدي؟
ولعله يصعب على المرء التصديق لأول وهلة - برغم ما قرأ من نصوص الكتاب الكريم، وصحيح الحديث الشريف - أن أصحاب النبي، والسابقين إلى الإسلام، الذين قضوا في نصرته عمرا طويلا، يميلون بعد النبي، ويبدلون ويغيرون!
ولأجل هذا سنذكر نماذج مما دار بينهم، وما طعن به بعضهم على بعض، لا لغرض النيل والشماتة، ولا لأجل الإنتصار والتباهي، فهذا كله بعيد عمن أيقن بالحق، وإنما كمصاديق فقط لما تقدم من نصوص، وليكون تمهيدا لبحث يأتي بعده، ولنعرف كيف نقرأ القرآن، ثم لنعرف الحق فنعرف أهله.
حديث الإفك:
من كان يا ترى أصحاب الإفك إلا رجالا من الصحابة! من المهاجرين والأنصار!
وفيهم نزلت آيات التهديد والوعيد تلك (21)، ثم فيمن يحذو حذوهم.
تقول أم المؤمنين عائشة: فأقبلت أنا، وأم مسطح - وهي ابنة أبي رهم ابن عبد المطلب بن عبد مناف، وأمها بنت صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق، وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب - حين فرغنا من شأننا نمشي، فعثرت أم مسطح، فقالت، تعس مسطح!
فقلت لها: بئسما قلت، أتسبين رجلا شهد بدرا؟!
فقالت: يا هنتاه، ألم تسمعي ما قال؟ فأخبرتني بقوله.
وكان أصحاب حديث الإفك هم: مسطح بن أثاثة، وهو من المهاجرين الأولين، وحسان بن ثابت، وهو من الأنصار، وعبد الله بن أبي.
وقد جلدهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جميعا (22).
المغيرة بن شعبة أيام معاوية:
وكان قد ولاه الكوفة عام (42 هـ‍) ثم عزله وولى عبد الله بن عامر بن كريز، فغاظ المغيرة ذلك، فعزم على شئ، فنادى غلامه: يا غلام، شد رحلي، وقدم بغلي.
فخرج، حتى أتى دمشق، فدخل على معاوية، فقال له بعد كلام بينهما:
يا أمير المؤمنين، كبرت سني، وضعفت قوتي، وعجزت عن العمل، وقد بلغت من الدنيا حاجتي، ووالله ما آسي على شئ منها إلا على شئ واحد قدرت به قضاء حقك، وودت أنه لا يفوتني أجلي وأن الله أحسن علي معونتي.
قال معاوية: وما هو؟
قال: كنت دعوت أشراف الكوفة إلى البيعة ليزيد ابن أمير المؤمنين بولاية العهد بعد أمير المؤمنين، فقدمت لأشافهه بذلك، وأستعفيه عن العمل.
فقال سبحان الله - يا أبا عبد الرحمن - إنما يزيد ابن أخيك، ومثلك إذا شرع في أمر لم يدعه حتى يحكمه، فنشدتك الله إلا رجعت فتممت هذا.
فخرج من عنده، فلقي كاتبه، فقال: ارجع بنا إلى الكوفة، والله لقد وضعت رجل معاوية في غرز لا يخرجها منه إلا سفك الدماء (23).
أرأيت هذه الفتنة الكبرى كيف وضع أساسها صحابي شهير، وهو ممن شهد بيعة الرضوان؟!
ثم بعد، أقام المغيرة عاملا لمعاوية على الكوفة يشتم عليا وأصحابه على المنبر حتى مات (24).
أرأيت هذه الطامة الكبرى!
بل الأعظم والأجل أن نجمع المغيرة هذا مع علي بن أبي طالب في آية السابقين الأولين، أو آية الفتح، أو سورة الحشر، ونظائرها!
وعمرو بن العاص:
ولما عزم معاوية الخروج على أمير المؤمنين أرسل إلى عمرو بن العاص وهو يومها في مصر، فدعا عمرو ابنيه: عبد الله ومحمدا فاستشارهما، فأما عبد الله فقال له: أيها الشيخ، إن رسول الله قبض وهو عنك راض، ومات أبو بكر وعمر وهما راضيان، فإنك إن تفسد دينك بدنيا يسيرة تصيبها مع معاوية، فتضجعان غدا في النار!
وأما محمد فقال له: بادر هذا الأمر، فكن فيه رأسا قبل أن تكون ذنبا!
فأنشأ عمرو يقول:
تطاول ليلي للهموم الطوارق * وخوف التي تجلو وجوه العواتق (25)
فإن ابن هند سائلي أن أزوره * وتلك التي فيها بنات البوائق (26)
فلما سمع عبد الله شعره، قال: بال الشيخ على عقبيه، وباع دينه بدنياه.
فلما أصبح دعا وردان مولاه، فقال له: ارحل يا وردان، ثم قال: حط يا وردان، فحط ورحل ثلاث مرات، فقال وردان: لقد خلطت - أبا عبد الله - فإن شئت أخبرتك بما في نفسك.
قال: هات.
قال: اعترضت الدنيا والآخرة على قلبك، فقلت: علي معه آخرة بلا دنيا، ومعاوية معه دنيا بلا آخرة، فلست تدري أيهما تختار.
قال: لله درك، فما أخطأت مما في نفسي شيئا، ثم قال: ارحل يا وردان وأنشأ يقول:
يا قاتل الله وردان وفطنته * أبدى لعمرك ما في الصدر وردان
فقدم على معاوية، وتذاكرا أمر القتال مع علي، فكان مما قاله معاوية:
ولكنا نقاتله على ما في أيدينا، ونلزمه قتل عثمان.
قال عمرو: واسوأتاه! إن الحق ألا يذكر عثمان لا أنا ولا أنت.
قال: ولم، ويحك؟
قال: أما أنت، فخذلته ومعك أهل الشام، حتى استغاث بيزيد بن أسد البجلي! وأما أنا، فتركته عيانا وهربت إلى فلسطين!
فقال معاوية: دعني من هذا، مد يدك فبايعني.
قال: لا، لعمر الله، لا أعطيك ديني حتى آخذ من دنياك.
قال معاوية: لك مصر طعمة.
فأنشأ عمرو يقول:
معاوي لا أعطيك ديني ولم أنل * به منك دنيا فانظرن كيف تصنع
فإن تعطني مصرا فأربح بصفقة * أخذت بها شيخا يضر وينفع
وما الدين والدنيا سواء، وإنني * لآخذ ما أعطني ورأسي مقنع
لكنني أعطيك هذا وإنني * لأخدع نفسي، والمخادع يخدع
حتى إذا حضرته الوفاة، قال: يا ليتني مت قبل هذا اليوم بثلاثين سنة، أصلحت لمعاوية دنياه، وأفسدت ديني، آثرت دنياي وتركت آخرتي، عمي علي رشدي حتى حضرني أجلي (27).
وسرعان ما يقفز إلى الذهن هنا موقف شبيه بهذا، وقد رد عليه القرآن الكريم، فقال: (آلآن وقد عصيت قبل...) (28).
ومعاوية من هو؟
بعد ما قرأنا أخباره نكتفي هنا بذكر أرقام وتعريف غاية في الإيجاز:
فهل تعلم أنه خرج على إمام زمانه الحق علي بن أبي طالب، هل تعلم من كان مع علي؟
كان معه سبعون بدريا!
وممن بايع تحت الشجرة كان مع علي سبعمائة رجل!
ومن سائر المهاجرين والأنصار أربعمائة رجل!
ولم يكن مع معاوية إلا النعمان بن بشير ومسلمة بن مخلد من الأنصار (29).
أذكر هذه الأرقام وقلبي يعتصر ألما إذ أستعين بها وبنظائرها للاستدلال على أحقية علي عليه السلام، وأن خصومة ليسوا على شئ!
أبعد علي نبحث عن أدلة وشواهد على الحق؟!
وبعد، فإن هذا الصحابي، وكاتب الوحي! هو الذي قتل الصحابيين:
حجر بن عدي الكندي، وعمرو بن الحمق الخزاعي صبرا لأنهما ردا على من سب عليا على منابر المسلمين!
وليتك تدري أن الذي سعى بهما وبأصحابهما إلى معاوية فكان سببا في قتلهم جميعا هو صحابي آخر، وقد عمل لمعاوية على الكوفة بعد المغيرة، وهو القائل لحجر بن عدي رضي الله عنه: أرأيت ما كنت عليه من المحبة والموالاة لعلي؟
قال: نعم قال: فإن الله قد حول ذلك بغضة وعداوة.
أورأيت ما كنت عليه من البغضة والعداوة لمعاوية؟
قال: نعم.
قال: فإن الله قد حول ذلك كله محبة وموالاة، فلا أعلمنك ما ذكرت عليا بخير، ولا أمير المؤمنين معاوية بشر!
إنه زياد بن أبيه، وقد كتب فيهم إلى معاوية: أنهم خالفوا الجماعة في لعن أبي تراب، وزروا على الولاة، فخرجوا بذلك عن الطاعة (30)!!
فأمر بقتلهم جميعا - وكانوا سبعة نفر - بمرج عذراء من بلاد الشام.
قيل: ودخل معاوية على عائشة، فقالت له: يا معاوية، ما حملك على قتل أهل عذراء، حجرا وأصحابه؟
فقال: يا أم المؤمنين، إني رأيت في قتلهم إصلاحا للأمة، وفي بقائهم فسادا!
فقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول " سيقتل بعذراء ناس يغضب الله لهم وأهل السماء " (31).
هل عجبت من دين هؤلاء؟
كلا، فإن الأعجب من ذلك ما نسمعه من وجوب حفظ كرامتهم، والترضي عليهم!!
وإنه لمن عظائم الأمور التي تستدعي بحق إعادة النظر في حقيقة الإيمان، أن يشك المرء بفسق هؤلاء، بل بوجوب البراءة منهم.
وهذه شهادة الحسن البصري: أربع خصال كن في معاوية لو لم يكن فيه إلا واحدة لكانت موبقة:
انتزاؤه على هذه الأمة بالسيف، حتى أخذ الأمر من غير مشورة، وفيهم بقايا الصحابة، وذوو الفضيلة.
واستخدامه بعده ابنه سكيرا، خميرا، يلبس الحرير، ويضرب بالطنابير، وادعاؤه زيادا، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " الولد للفراش، وللعاهر الحجر ".
وقتله حجرا وأصحاب حجر، فيا ويلا له من حجر! ويا ويلا له من حجر (32).
وأبو هريرة:
الذي دخل الإسلام أيام خيبر، فكان له من الصحبة عامان، ثم حدث بأحاديث لم يحدثها أحد غيره ممن صحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم منذ بعثته الشريفة، ولم يفارقه حتى وفاته صلى الله عليه وآله وسلم! لنرى ماذا قالوا فيه.
قال ابن أبي الحديد: قال أبو جعفر: وأبو هريرة مدخول عند شيوخنا غير مرضي الرواية. ضربه عمر بالدرة، وقال: قد أكثرت من الرواية، وأحر بك أن تكون كاذبا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم!
وروى سفيان الثوري عن منصور، عن إبراهيم التيمي، قال: كانوا لا يأخذون عن أبي هريرة إلا ما كان من ذكر جنة أو نار! (33) وروى أبو أسامة عن الأعمش، قال: كان إبراهيم صحيح الحديث، فكنت إذا سمعت الحديث أتيته فعرضته عليه، فأتيته يوما بأحاديث من حديث أبي صالح عن أبي هريرة، فقال: دعني من أبي هريرة، إنهم كانوا يتركون كثيرا من حديثه.
وقد روي عن علي عليه السلام، أنه قال: " ألا إن أكذب الناس - أو قال: أكذب الأحياء - على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبو هريرة الدوسي ".
وروى أبو يوسف، قال: قلت لأبي حنيفة: الخبر يجئ عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخالف قياسنا، ما تصنع به؟
قال: إذا جاءت به الرواة الثقات عملنا به وتركنا الرأي.
فقلت: ما تقول في رواية أبي بكر وعمر؟
فقال: ناهيك بهما!
فقلت: علي وعثمان؟
قال: كذلك، فلما رآني أعد الصحابة، قال والصحابة كلهم عدول ما عدا رجالا، ثم عد منهم: أبا هريرة، وأنس بن مالك!
وروى سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن القاسم، عن عمر بن عبد الغفار: أن أبا هريرة لما قدم الكوفة كان يجلس بالعشيات بباب كندة، ويجلس الناس إليه، فجاءه شاب من الكوفة فجلس إليه، فقال: يا أبا هريرة، أنشدك الله، أسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لعلي بن أبي طالب:
" اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه "؟
فقال: اللهم نعم.
قال: فأشهد بالله لقد واليت عدوه، وعاديت وليه!
وروت الرواة أن أبا هريرة كان يخطب وهو أمير المدينة، فيقول: الحمد لله الذي جعل الدين قياما، وأبا هريرة إماما، يضحك الناس بذلك!
وكان يمشي - وهو أمير المدينة - في السوق، فإذا انتهى إلى رجل يمشي أمامه ضرب برجليه الأرض، ويقول: الطريق الطريق، قد جاء الأمير، يعني نفسه!
قال: وقد ذكر هذا كله ابن قتيبة في كتاب (المعارف) (34) في ترجمة أبي هريرة، وقوله فيه حجة لأنه غير متهم عليه (35).
وقال ابن المسيب: كان أبو هريرة إذا أعطاه معاوية سكت، فإذا أمسك عنه تكلم (36)!
عبد الله بن الزبير - أميرا -:
ولما وقعت الفتنة بين عبد الله بن الزبير وعبد الملك بن مروان ارتحل عبد الله بن عباس ومحمد بن الحنفية بأولادهما ونسائهما حتى نزلوا مكة، فبعث عبد الله بن الزبير إليهما يبايعان، فأبيا، وقالا: أنت وشأنك، لا نعرض لك ولا لغيرك.
فأبى، وألح عليهما إلحاحا شديدا، فقال لهما: لتبايعن، أو لأحرقنكم بالنار!
فبعثا أبا الطفيل إلى شيعتهم بالكوفة، فانتدب أربعة آلاف، فدخلوا مكة، فكبروا تكبيرة سمعها أهل مكة وابن الزبير، فانطلق هاربا حتى دخل دار الندوة، وقيل وتعلق بأستار الكعبة، وقال: أنا عائذ بالبيت.
فمالوا إلى ابن عباس وابن الحنفية وأصحابهما وهم في دورهم وقد جمع الحطب فأحاط بهم حتى بلغ رؤوس الجدر، ولو أن نارا تقع فيه ما رؤي منهم أحد، فأخرجوهم، وقالوا لابن عباس: ذرنا نريح الناس منه.
قال: لا، إن هذا بلد حرام ما أحله الله إلا لنبيه ساعة، ولكن أجيرونا.
فخرجوا بهم إلى الطائف، فتوفي عبد الله بن عباس رضي الله عنه وأرضاه في مسيره ذاك (37).
- وقيل لعبد الله بن عمر: ألا تبايع أمير المؤمنين؟ يعني ابن الزبير.
فقال: والله ما شبهت بيعتهم إلا بققة، أتعرف ما الققة؟ الصبي يحدث ويضع يده في حدثه، فتقول له أمه: ققة (38).
سمرة بن جندب:
هو صاحب النخلة التي كانت في بستان الأنصاري، وكان يؤذيه، فشكاه الأنصاري إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فبعث إلى سمرة، فقال له:
" بع نخلك من هذا وخذ ثمنه ".
قال: لا أفعل! قال صلى الله عليه وآله وسلم: " فخذ نخلا مكان نخلك ".
قال: لا أفعل! فقال صلى الله عليه وآله وسلم: " فاشتر منه بستانه ".
قال: لا أفعل! فقال صلى الله عليه وآله وسلم: " فاترك لي هذا النخل ولك الجنة ".
قال: لا أفعل!! فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقطع نخله (39).
وكان سمرة من شرطة زياد، فاستخلفه زياد على البصرة، فأكثر فيها القتل، قال ابن سيرين: قتل سمرة في غيبة زياد هذه ثمانية آلاف!.
وقال أبو السوار العدوي: قتل سمرة من قومي في غداة واحدة سبعة وأربعين كلهم قد جمع القرآن (40)!
وتقدم ذكر وضعه الحديث في طعن علي عليه السلام، وقد كان سمرة يحرض الناس على الخروج إلى الحسين عليه السلام وقتاله (41)!
وروي عن أبي هريرة أنه قال: ما فعل سمرة؟ قيل له: هو حي.
قال: ما أحد أحب إلي طول حياة منه. قيل: ولم ذاك؟
قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لي وله ولحذيفة بن اليمان: " آخركم موتا في النار " فسبقنا حذيفة، وأنا الآن أتمنى أن أسبقه!
فكان سمرة بن جندب آخرهم موتا (42).
معاوية بن حديج (43):
له صحبة ورواية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (44).
وهو الذي تولى قتل محمد بن أبي بكر رضي الله عنه في مصر بعد أن تفرق عنه جيشه، فقبضوا عليه وقد كاد يموت عطشا، وأقبلوا به نحو الفسطاط فقال له معاوية بن حديج: أتدري ما أصنع بك؟ أدخلك جوف حمار، ثم أحرقه عليك بالنار.
فقتله، ثم ألقاه في جيفة حمار، ثم أحرقه (45).
فلما بلغ ذلك عائشة جزعت عليه جزعا شديدا، وجعلت تدعو على معاوية وعمرو بن العاص دبر الصلوات (46).
وماذا كان معاوية مع هذا؟ أسب الناس لعلي عليه السلام!.
قال الذهبي: حج معاوية ومعه معاوية بن حديج، وكان من أسب الناس لعلي، فمر في المدينة، والحسن جالس في جماعة من أصحابه، فأتاه رسول، فقال: أجب الحسن. فأتاه فسلم عليه، فقال له: أنت معاوية بن حديج؟
قال: نعم.
قال: فأنت الساب عليا رضي الله عنه؟
قال فكأنه استحيا. فقال له الحسن: أما والله لئن وردت عليه الحوض وما أراك ترده، لتجدنه مشمر الإزار على ساق، يذود عنه رايات المنافقين ذود غريبة الإبل، قول الصادق المصدوق (وقد خاب من افترى) (47).
فتنة الجمل:
تلك الفتنة التي راح ضحيتها قرابة ثلاثين ألفا من المسلمين!
دعنا نقف عندها فنتساءل: هل كان قادة الجمل على الحق يوم بايعوا عليا بكل رضى واختيار، أم يوم خرجوا عليه وجيشوا لقتاله الجيوش؟
أكانوا على الحق يوم حرضوا على عثمان، أم يوم خرجوا يطلبون بدمه؟
أم نسينا نحن ما نسوه، أو تناسوه من تحذير النبي الأعظم لهم من تلك الفتنة؟!
لنقرأ منها لمحات فقط، ولنتذكر:
أن أم المؤمنين عائشة كانت بمكة، خرجت إليها قبل أن يقتل عثمان، فلما كانت في بعض طريقها راجعة إلى المدينة لقيها ابن أم كلاب، فقالت له:
ما فعل عثمان؟
قال: قتل!
قالت: بعدا وسحقا، فمن بايع الناس؟
قال: طلحة.
قالت: إيها ذو الإصبع.
ثم لقيها آخر، فقالت: ما فعل الناس؟
قال: بايعوا عليا.
قالت: والله ما كنت أبالي أن تقع هذه على هذه، ثم رجعت إلى مكة (48).
فانصرفت إلى مكة وهي تقول: قتل والله عثمان مظلوما، والله لأطلبن بدمه!
قال لها: ولم؟ والله إن أول من أمال حرفه لأنت، ولقد كنت تقولين:
اقتلوا نعثلا فقد كفر.
قالت: إنهم استتابوه، ثم قتلوه، وقد قلت وقالوا، وقولي الأخير خير من قولي الأول.
فقال لها ابن أم كلاب:
فمنك البداء ومنك الغير * ومنك الرياح ومنك المطر
وأنت أمرت بقتل الإمام * وقلت لنا: إنه قد كفر
فهبنا أطعناك في قتله * وقاتله عندنا من أمر
ولم يسقط السقف من فوقنا * ولم ينكسف شمسنا والقمر
وقد بايع الناس ذو تدرء * يزيل الشبا ويقيم الصعر
يلبس للحرب أثوابها * وما من وفى مثل من قد غدر (49)
هذا مع أن مروان كان قد دعاها أيام كان عثمان محاصرا، فقال لها: يا أم المؤمنين، لو قمت فأصلحت بين هذا الرجل وبين الناس.
فقالت: قد فرغت من جهازي وأنا أريد الحج.
قال: فيدفع إليك بكل درهم أنفقته درهمين.
قالت: لعلك ترى أني في شك من صاحبك؟ أما والله لوددت أنه مقطع في غرارة من غرائري، وأني أطيق حمله، فأطرحه في البحر (50)!
وأقام علي أياما، ثم أتاه طلحة والزبير، فقالا: إنا نريد العمرة، فأذن لنا في الخروج، فلحقا عائشة بمكة فحرضاها على الخروج، فأتت أم سلمة، فكلمتها في الخروج معهم، فردت عليها أم سلمة كلاما، منه قولها: ما أنت قائلة لو أن رسول الله عارضك بأطراف الفلوات، قد هتكت حجابا قد ضربه عليك (51)؟.
وقولها: أفأذكرك؟
قالت: نعم.
قالت أم سلمة: أتذكرين إذ أقبل عليه السلام ونحن معه، فخلا بعلي يناجيه، فأطال، فأردت أن تهجمين عليهما، فنهيتك فعصيتني، فهجمت عليهما، فما لبثت أن رجعت باكية، فقلت: ما شأنك؟
فقلت: إني هجمت عليهما وهما يتناجيان، فقلت لعلي: ليس لي من رسول الله إلا يوم من تسعة أيام، أفما تدعني يا ابن أبي طالب ويومي!
فأقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علي وهو غضبان محمر الوجه، فقال: " ارجعي وراءك، والله لا يبغضه أحد من أهل بيتي ولا من غيرهم من الناس إلا وهو خارج من الإيمان "؟
قالت عائشة: نعم أذكر.
قالت أم سلمة: وأذكرك أيضا، وكنت أنا وأنت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سفر له، فقعد في ظل سمرة (52)، وجاء أبوك وعمر فاستأذنا عليه، فقمنا إلى الحجاب، ودخلا يحادثانه فيما أرادا، ثم قالا: يا رسول الله، إنا لا ندري قدر ما تصحبنا، فلو أعلمتنا من يستخلف علينا، ليكون بعدك مفزعا؟
فقال لهما: " أما إني قد أرى مكانه، ولو فعلت لتفرقتم عنه، كما تفرقت بنو إسرائيل عن هارون بن عمران " فسكتا، ثم خرجا.
فلما خرجنا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قلت له، وكنت أجرأ عليه منا: من كنت يا رسول الله مستخلفا عليهم؟
فقال: " خاصف النعل ".
فنظرنا، فلم نر أحد إلا عليا، فقلت: يا رسول الله، ما أرى إلا عليا.
فقال: " هو ذاك "؟
فقالت عائشة: نعم، أذكر ذلك.
فقالت لها: فأي خروج تخرجين بعد هذا (53)؟!
وسار القوم قاصدين البصرة، فلما بلغوا ذات عرق لقي سعيد بن العاص مروان بن الحكم وأصحابه، فقال لهم: أين تذهبون وتتركون ثأركم على أعجاز الإبل وراءكم؟ - يعني عائشة، وطلحة، والزبير - اقتلوهم ثم ارجعوا إلى منازلكم.
فقالوا نسير لعلنا نقتل قتلة عثمان جميعا (54).
ومر القوم في الليل بماء يقال له: الحوأب، فنبحتهم كلابه، فقالت: ما هذا الماء؟
قال بعضهم: ماء الحوأب.
قالت: أنا لله وإنا إليه راجعون، هذا الماء الذي قال لي رسول الله:
" لا تكوني التي تنبحك كلاب الحوأب ".
فأتاها القوم بأربعين رجلا، فأقسموا بالله أنه ليس بماء الحوأب!!
وأتى عبد الله بن الزبير فحلف لها بالله لقد خلفته أول الليل، وأتاها ببينة زور من الأعراب فشهدوا بذلك.
فزعموا أنها أول شهادة زور شهد بها في الإسلام!
وجاءها محمد بن طلحة، فقال لها: تقدمي - يرحمك الله - ودعي هذا القول (55)!
وبلغوا البصرة، وعامل علي عليه السلام عليها الصحابي عثمان بن حنيف الأنصاري، فمنعهم من الدخول، وقاتلهم، ثم توادعوا ألا يحدثوا حدثا حتى يقدم علي، ثم كانت ليلة ذات ريح وظلمة، فأقبل أصحاب طلحة فقتلوا حرس عثمان بن حنيف، ودخلوا عليه، فنتفوا لحيته وجفون عينيه، وقالوا:
لولا العهد لقتلناك، وأخذوا بيت المال (56).
فلما حضر وقت الصلاة، تنازع طلحة والزبير، وجذب كل واحد منهما صاحبه حتى فات وقتها، فصاح الناس: الصلاة الصلاة، يا أصحاب محمد!
فقالت عائشة: يصلي محمد بن طلحة يوما، وعبد الله بن الزبير يوما فاصطلحوا على ذلك (57).
ثم التقى الجمعان، فخرج الزبير، وخرج طلحة بين الصفين، فخرج إليهما علي، حتى اختلفت أعناق دوابهم، فقال علي: " لعمري قد أعددتما سلاحا وخيلا ورجالا إن كنتما أعددتما عند الله عذرا، فاتقيا الله، ولا تكونا (كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا) (58).
ألم أكن أخاكما في دينكما، تحرمان دمي، وأحرم دمكما، فهل من حدث أحل لكما دمي؟! ".
قال طلحة: ألبت على عثمان.
قال علي: " (يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق) يا طلحة، تطلب بدم عثمان؟! فلعن الله قتلة عثمان.
يا طلحة، أجئت بعرس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تقاتل بها، وخبأت عرسك في البيت! أما بايعتني؟! ".
قال: بايعتك والسيف على عنقي!
فقال علي للزبير: " يا زبير، ما أخرجك؟ قد كنا نعدك من بني عبد المطلب حتى بلغ ابنك ابن السوء، ففرق بيننا " وذكره أشياء، فقال: " أتذكر يوم مررت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بني غنم، فنظر إلي، فضحك، وضحكت إليه، فقلت له: لا يدع ابن أبي طالب زهوه، فقال لك:
" ليس به زهو، لتقاتلنه وأنت ظالم له؟ ".
قال اللهم نعم، ولو ذكرت ما سرت مسيري هذا، والله لا أقاتلك أبدا.
فانصرف الزبير إلى عائشة، فقال لها: ما كنت في موطن منذ عقلت إلا وأنا أعرف فيه أمري، غير موطني هذا.
قالت: فما تريد أن تصنع؟
قال: أريد أن أدعهم وأذهب.
قال له ابنه عبد الله: جمعت بين هذين الغارين، حتى إذا حدد بعضهم لبعض أردت أن تتركهم وتذهب؟! لكنك خشيت رايات ابن أبي طالب، وعلمت أنها تحملها فتية أنجاد، وأن تحتها الموت الأحمر، فجبنت!
فأحفظه (59) ذلك، وقال: إني حلفت ألا أقاتله.
قال: كفر عن يمينك، وقاتله.
فأعتق غلامه (مكحولا)، وقيل (سرجيس).
فقال عبد الرحمن بن سلمان التميمي:
لم أر كاليوم أخا إخوان * أعجب من مكفر الأيمان
بالعتق في معصية الرحمن (60)
وقيل: إنه رجع، ولم يقاتل (61).
تلك هي مسيرة الجمل، مسيرة الجمل كل خطاها كانت ظالمة، فهل يؤمها قوم عدول؟ إن حكما كهذا لهو أشد عجبا من كل تلك الخطى.
وفي تاريخ ابن عساكر: بعث علي عليه السلام إلى طلحة أن القني، فلقيه، فقال له: أنشدك الله أسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول " من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه "؟
قال: نعم، وذكره.
فقال له: ولم تقاتلني (62).
وشهد شاهد من أهلها:
قال ابن عساكر: قدم معاوية المدينة، فأقام بها، ثم توجه إلى الشام، فتبعه من تبعه، فأدركه ابن الزبير في أول الناس، فسار إلى جنبه ليلا وهو نائم ففزع له، فقال: من هذا؟
فقال ابن الزبير: أما إني لو شئت أن أقتلك لقتلتك.
قال: لست هناك، لست من قتال الملوك، إنما يصيد كل طائر قدره.
فقال ابن الزبير: أما والله لقد سرت تحت لواء أبي إلى علي بن أبي طالب وهو من تعلم.
فقال: لا جرم، والله لقد قتلكم بشماله.
فقال: أما إن ذلك في نصرة عثمان.
قال معاوية: والله ما كان بك نصرة عثمان، ولولا بغض علي بن أبي طالب لجررت برجلي عثمان مع الضبع (63).
يوم الخميس، وما يوم الخميس!
قال الشهرستاني في (الملل والنحل) في ذكر الاختلافات الواقعة بين الصحابة في حال مرضه، وبعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم:
فأول تنازع وقع في مرضه عليه السلام: فيما رواه الإمام أبو عبد الله محمد ابن إسماعيل البخاري، بإسناده عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه، قال:
لما اشتد بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم مرضه الذي مات فيه، قال: " ائتوني بدواة وقرطاس أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعدي " فقال عمر: إن رسول الله قد غلبه الوجع، حسبنا كتاب الله.
وكثر اللغط، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " قوموا عني، لا ينبغي عندي التنازع ".
قال ابن عباس: الرزية كل الرزية ما حال بيننا وبين كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (64)!
وفي رواية أخرى: عن سعيد بن جبير، قال:
قال ابن عباس: يوم الخميس، وما يوم الخميس! ثم بكى حتى بل دمعه الحصى. فقلت: يا ابن عباس، وما يوم الخميس؟
قال: اشتد برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجعه، فقال: " ائتوني أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعدي " فتنازعوا، وما ينبغي عند نبي تنازع، وقالوا:
ما شأنه، أهجر؟ استفهموه!
قال: " دعوني، فالذي أنا فيه خير " (65).
وفي رواية البخاري: فقال عمر: إن رسول الله قد غلب عليه الوجع، وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله.
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " قوموا ".
فكان ابن عباس يقول: إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب، من اختلافهم ولغطهم (66).
وفي مسند أحمد، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دعا عند موته بصحيفة ليكتب فيها كتابا لا يضلون بعده، فخالف عمر بن الخطاب حتى رفضها (67).
ترى أين ذهبوا بقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم)
(يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون).
إلى قوله تعالى: (إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون) (68)؟
أم أنهم نسوا فيمن نزلت تلك الآيات؟
سألت البخاري، والترمذي، والنسائي، وأصحاب النزول، وآخرين، فأجابوا جميعا: أنها نزلت في أبي بكر وعمر، وقد اختصما، وعلت أصواتهما في مجلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهذه قصتهما كما يرويها البخاري:
عن نافع بن عمر عن ابن أبي مليكة، قال: كاد الخيران أن يهلكا: أبا بكر وعمر! رفعا أصواتهما عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين قدم عليه ركب بني تميم، فأشار أحدهما بالأقرع بن حابس أخي بني مجاشع، وأشار الآخر برجل آخر - قال نافع: لا أحفظ اسمه (69) -.
فقال أبو بكر لعمر: ما أردت إلا خلافي.
قال: ما أردت خلافك. فارتفعت أصواتهما في ذلك، فأنزل الله: (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم..) الآيات.
قال ابن الزبير، فما كان عمر يسمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد هذه الآية حتى يستفهمه، ولم يذكر ذلك عن أبيه، يعني أبا بكر (70).
فإن صح قول ابن الزبير هذا، فماذا يقول في كلام عمر في هذه " الرزية "؟!
وبأي شئ يعتذر معتذر لعمر قوله هذا، الذي راح بعضهم يستبدله بألفاظ قد تحتمل الألسن قراءتها، وإن لم ترتضيها القلوب المؤمنة، فيقول:
فقال عمر: غلبه الوجع أو كلمة بهذا المعنى!
فهل سيكفي هذا عذرا له؟
أم بماذا يفسرون قوله: عندكم القرآن، وحسبنا كتاب الله؟!
هل أراد بهذا إلغاء السنة النبوية كليا، والإعراض عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحديثه، اكتفاء بالقرآن؟
لا أظن أن أحدا سيرضى لعمر مثل هذا، فيتابعه عليه، ولا أحسبه أراد هذا، لعلمه بأنه كفر صريح لا يخفى على أحد.
فماذا بقي؟..
لم يبق سوى أنه أراد أن يصرف الأمر عما يتبادر إلى أذهان الصحابة فورا، وهم يسمعون قوله صلى الله عليه وآله وسلم: " هلموا أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا " فإنه يتبادر إلى أذهانهم لأول وهلة حديث رسول الله في حجة الوداع:
" إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي ".
وهذا وحده هو المعنى المقبول، والذي يؤيده: موافقة الكثير منهم لعمر، حيث لا تخفى كراهة بعضهم أن يكون هذا الأمر في أهل بيت النبي، كما صرحوا بذلك غير مرة.
ولقد صرح عمر - نفسه - بهدفه هذا وأفشاه لعبد الله بن عباس، إذ سأله يوما وهما يتحدثان، فقال: يا عبد الله، عليك دماء البدن إن كتمتها: هل بقي في نفس علي شئ من من أمر الخلافة؟
قال - ابن عباس - قلت: نعم.
قال: أيزعم أن رسول الله نص عليه؟
قلت: نعم، وأزيدك: سألت أبي عما يدعيه، فقال: صدق.
فقال عمر: لقد كان في رسول الله من أمره ذرو من قول (71) لا يثبت حجة، ولا يقطع عذرا، ولقد كان يربع في أمره وقتا ما، ولقد أراد في مرضه أن يصرح باسمه، فمنعت من ذلك إشفاقا، وحيطة على الإسلام! ورب هذه البنية لا تجتمع عليه قريش أبدا (72)! فعلم رسول الله أني علمت ما في نفسه، فأمسك! (73) وقد ذكر هذه القصة الدكتور نوري جعفر في كتابه (علي ومناوئوه) ثم علق عليها بقوله: وإذا صحت هذه الرواية فإن عمر يبدو كأنه أحرص على الإسلام من نبيه، وهو أمر كان المفروض في عمر أن لا يهبط إليه (74).
ولو فرضنا عدم صحة عذر عمر في هذه القصة، وأن عمر لم يهبط إليه، فقد هبط إليه كل من أراد أن يجد له عذرا، إذ لم يجدوا عذرا غيره، فاتفقوا على أنه قالها إشفاقا وحرصا على الإسلام! وبلفظ يناسب طبعه الغليظ (75)!
وأما النص الذي اختاره الشهرستاني (76) فهو قوله: هي اختلافات اجتهادية كما قيل، كان غرضهم منها: إقامة مراسم الشرع، وإدامة مناهج الدين.
ولست أراه عذرا أقبح من الفعل.
فهل إن إقامة مراسم الشرع، وإدامة مناهج الدين ستتم بإعراضنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، واتباع ما نجتهده من آرائنا؟!
أم أن قوله - إنه يهجر، حسبنا كتاب الله - أبقى على شئ من مراسم الشرع ومناهج الدين؟
وقد أوضح معناه ابن الأثير وهو يظن أنه قد تناول العذر، فقال في مادة - هجر -:
ومنه حديث مرض النبي صلى الله عليه وآله وسلم: قالوا: " ما شأنه؟
أهجر؟ " أي اختلف كلامه بسب المرض، على سبيل الاستفهام. أي هل تغير كلامه واختلط لأجل ما به من مرض؟
وهذا أحسن ما يقال فيه، ولا يجعل إخبارا، فيكون: إما من الفحش، أو الهذيان، والقائل كان عمر، ولا يظن به ذلك (77).
والأشد غرابة، أن صاحب الملل والنحل قد ساق اعتذاره هذا - بأنها اختلافات اجتهادية - بعد خمس صفحات وبضعة أسطر فقط من كلام له جاء فيه: اعلم أن أول شبهة وقعت في الخليفة: شبهة إبليس لعنه الله، ومصدرها:
استبداده بالرأي في مقابلة النص (78)؟
بل بعد أسطر فقط من استنكاره الشديد لاستعمال الرأي في مقابلة النص، حيث قال في معرض ذكره ذا الخويصرة التميمي واعتراضه على حكم النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قسمة قسمها، فرد عليه، ثم احتج لرده، فقال:
أو ليس ذلك - يعني قول ذي الخويصرة - حكما بالهوى في مقابلة النص، واستكبارا على الأمر بقياس العقل (79)؟!
ولسنا نغفل أن إبليس كان من المقربين، بل هو (طاوس الملائكة) وإذا ذكر من له منزلة كهذه يقال: عليه السلام، حتى إذا استبد برأيه في مقابلة النص، أصبحنا نقول: لعنه الله!
وأن ذا الخويصرة كان صحابيا ينبغي الترضي عنه!
فكيف جاز لأولئك استعمالهم الرأي في مقابلة النص، وإعراضهم عن أمر النبي بقياس العقل، بينما كان هذا سببا في حلول اللعنة الأبدية على إبليس، وفي هلاك ذي الخويصرة الذي كان له من الصحبة ما لم يكن لكثير ممن نترضى عنهم؟!
بعثة أسامة:
قال في (الملل والنحل): الخلاف الثاني في مرضه: أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - قال: " جهزوا جيش أسامة، لعن الله من تخلف عنه ".
فقال قوم: يجب علينا امتثال أمره، وأسامة قد برز من المدينة.
وقال قوم: قد اشتد مرض النبي عليه السلام فلا تسع قلوبنا مفارقته، والحالة هذه (80) وكان سبب ذلك أنه صلى الله عليه وآله وسلم بعث بعثا وأمر عليهم أسامة ابن زيد، فطعن الناس في إمرته فغضب لذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقام فيهم خطيبا وقال: " إن تطعنوا في إمرته، فقد كنتم تطعنون في إمرة أبيه من قبل، وأيم الله إن كان لخليقا للإمرة، وإن كان لمن أحب الناس إلي، وإن هذا لمن أحب الناس إلي بعده " (81).
ودخلت أم أيمن، فقالت: أي رسول الله، لو تركت أسامة يقيم في معسكره حتى تتماثل، فإن أسامة إن خرج على حالته هذه لم ينتفع بنفسه. فقال صلى الله عليه وآله وسلم: " أنفذوا بعث أسامة ".
وعسكر الجيش خارج المدينة، وفيهم أبو بكر وعمر، وثقل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فبلغ ذلك أسامة، فجاءه، وطأطأ عليه يقبله، فجعل الحبيب المصطفى يرفع يديه إلى السماء ثم يضعها على أسامة، كالداعي له، ثم أشار إليه بالرجوع إلى عسكره والتوجه لما بعثه فيه، فرجع أسامة إلى عسكره.
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أصبح بارئا، فدخل عليه أسامة من معسكره، فأمره رسول الله بالخروج وتعجيل النفوذ، وقال: " اغد على بركة الله " وجعل يقول: " أنفذوا بعثة أسامة " ويكرر ذلك (82).
الآن ضع كلماته صلى الله عليه وآله وسلم: " جهزوا جيش أسامة "، " أنفذوا بعثة أسامة "، لعن الله من تخلف عنه " ضعها إلى جنب قوله تعالى:
يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) (83).
وقوله تعالى: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا) (84).
وهل يشك أحد في كونه صلى الله عليه وآله وسلم أعلم بمصلحة الدين والأمة منهم، وأنه أشفق على الإسلام والمسلمين من غيره؟
إذن كيف نفسر ذلك منهم؟
مهما كان فهو في خلاف ما أمر به رسول الله، وشدد عليه، والنصوص في ذلك صريحة.
وشواهد كثيرة يطول ذكرها تدل كلها على عدم سلامة الرأي القائل بعدالة كل صحابي.
وتدل أيضا على أن التاريخ السياسي لهذه الأمة له الأثر الأكبر فيما بلغنا حول بعض الصحابة، وللموضوع تتمة في الفصل الآتي.
وأما باقي الصحابة وهم الأكثر عددا، فهم أنصار الله ورسوله، وهم أفضل من على وجه الأرض حينئذ، وبهم قام هذا الدين وانتصر، فجزاهم الله على ذلك أحسن الجزاء، ورضي عنهم وأرضاهم، وجعلنا من التابعين لهم بإحسان.
* * *







____________
(1) سورة الفتح: 29.
(2) اللقم: معظم الطريق أو جادته.
(3) الكبت: الإذلال.
(4) إلقاء الجران: كناية عن التمكن.
(5) نهج البلاغة بتحقيق صبحي الصالح: 91 - 92.
(6) المصدر: 143 - 97 - الفقرة الأخيرة.
(7) هو الصحابي الجليل أبو الهيثم مالك بن التيهان الأنصاري: كان ينبذ الأصنام قبل الإسلام، ويقول بالتوحيد، وهو أول من أسلم من الأنصار بمكة، وأحد الستة الذين لقوا رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم في مكة، وأحد النقباء الاثني عشر، وأحد السبعين، شهد بدرا والمشاهد كلها، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يبعثه خارصا - يقدر ما على النخل من تمر - فلما كان عهد أبي بكر بعثه فأبى، وقال: إني كنت إذا خرصت لرسول الله فرجعت، دعا لي.
وكان مع علي عليه السلام يوم الجمل وله فيها أرجاز ذكرناها في حديث الدار وإثبات الوصية، وشهد معه صفين أيضا، وفيها استشهد رضوان الله عليه، فقالت أمينة الأنصارية ترثيه:
منع اليوم أن أذوق رقادا * مالك إذ مضى، وكان عمادا
يا أبا الهيثم بن تيهان إني * صرت للهم معدنا ووسادا
وبهذا يثبت بطلان ما زعمه الذهبي وابن سعد في إصرارهما على قول الواقدي: إن وفاته كانت سنة 20 هجرية في خلافة عمر بن الخطاب. ومما يشهد ببطلان هذا الزعم أيضا، ما أثبته أهل التاريخ من مواقف مشهورة لأبي الهيثم بن التيهان أيام البيعة لأمير المؤمنين بالخلافة، ويوم بدا نقض البيعة من الزبير وطلحة ومروان والوليد بن العقبة، ويوم الجمل، ويوم صفين إذ كان يسوي صفوف الجيش ويخطب بهم يحثهم على الجهاد بين يدي أمير المؤمنين عليه السلام: انظر شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (1: 220 و 2: 51 و 4: 8 و 5: 190 و 7: 36، 39 و 20: 19) وهو الذي اختاره ابن حجر فقال: وقيل قتل في صفين وهو الأكثر. (الإصابة 7: 209 / 1188). وانظر الأبيات المذكورة في رثائه في كتاب وقعة صفين: 365.
(8) هو الصحابي الجليل خزيمة بن ثابت الأنصاري، الذي جعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شهادته بشهادة رجلين، وكان هو وعمير بن خرشه يكسران أصنام بني خطمة، وشهد بدرا وما بعدها من المشاهد كلها، وكانت راية بني خطمة بيده يوم الفتح، وشهد مع علي عليه السلام الجمل وصفين واستشهد بصفين رضي الله تعالى عنه وقالت بنته ضبيعة ترثيه:
عين جودي على خزيمة بالدم‍ * - ع قتيل الأحزاب يوم الفرات
قتلوا ذا الشهادتين عتوا * أدرك الله منهم بالترات
قتلوه في فتية غير عزل * يسرعون الركوب للدعوات
نصروا السيد الموفق ذا العد * ل ودانوا بذاك حتى الممات
لعن الله معشرا قتلوه * ورماهم بالخزي والآفات
أسد الغابة 2: 114، وقعة صفين: 365 والأبيات منه.
(9) نهج البلاغة - صبحي الصالح -: 264 - 182 - الفقرة الأخيرة.
(10) الفتح: 29.
(11) الفتح: 10.
(12) غافر (المؤمن): 58.
(13) البخاري - كتاب الفتن 9: 90 / 26 - 29، مسلم - كتاب الإيمان - باب معنى قول النبي: " لا ترجعوا بعدي كفارا " - 1: 81 / 118 - 120، ومسند أحمد أيضا من أربعة عشر طريقا منها في الجزء الخامس: 37، 44، 49، 73، والترمذي 4: 486 / 2193، وأبو داود 4: 221 / 4686، والدارمي 2: 69 - باب حرمة المسلم - وغيرها.
(14) صحيح البخاري 9: 83 / 2 - كتاب الفتن -.
(15) المصدر 9: 83 / 3، وأخرجه بنصه أحمد في المسند 5: 333.
(16) صحيح مسلم 4: 1796 / 32 (2297) حديث الحوض.
(17) المستدرك 4: 74 - 75 وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
(18) مسند أحمد 3: 140، 281 و 5: 48، 50، 388، 400.
(19) سنن ابن ماجة - كتاب الزهد، باب ذكر الحوض - 2: 1439 / 4306، مسند أحمد 6: 297، مصابيح السنة 3: 537 / 4315.
(20) الموطأ 2: 462 / 32 - كتاب الجهاد، باب الشهداء في سبيل الله.
(21) سورة النور: 11 - 25.
(22) أنظر القصة مفصلة في صحيح البخاري 5: 250 - 253، صحيح مسلم 4: 2129 / 2770، تاريخ اليعقوبي 2: 53، الكامل في التاريخ 2: 195 - 199.
(23) تاريخ ابن خلدون 3: 19، تاريخ اليعقوبي 2: 219 - 220 وعنه اختصرنا القصة.
(24) ابن خلدون 3: 13، اليعقوبي 2: 230، ابن أبي الحديد 4: 69، 70، 71 ومواضع أخرى، تهذيب تاريخ دمشق 2: 373 - 374 - عند ترجمة أرقم الكندي -.
(25) العاتق: الجارية التي أدركت وبلغت فخدرت في بيت أهلها، والجمع: عواتق.
لسان العرب (عتق) 10: 235.
(26) البائقة: الداهية.
لسان العرب (بوق) 10: 30.
(27) وقعة صفين: 34 - 39، اليعقوبي 2: 184 - 186، ابن أبي الحديد 2: 62 - 66، الكامل 3:
276 بعضه، سير أعلام النبلاء 3: 71 - 73 بعضه، تاريخ ابن خلدون 2: 625 مختصرا.
(28) يونس: 91.
(29) تاريخ اليعقوبي 2: 188، وفي مآثر الإنافة: قتل - من أصحاب علي عليه السلام بصفين - خمسة وعشرون بدريا كان من جملتهم عمار بن ياسر الذي قال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " تقتلك الفئة الباغية " 1: 102.
(30) تاريخ اليعقوبي 2: 230، وقصة زياد ومعاوية مع حجر وأصحابه تجدها مفصلة في: الكامل في تاريخ 3: 472 - 488، وتهذيب تاريخ دمشق 2: 373 - 383 - عند ترجمة أرقم الكندي -.
(31) دلائل النبوة 6: 457، البداية والنهاية 6: 231، الإصابة 2: 329.
(32) الكامل في التاريخ 3: 487، ابن أبي الحديد 2: 262 و 16: 193، تهذيب تاريخ دمشق لابن عساكر 2: 384.
(34) وانظر: سير أعلام النبلاء 2: 609.
(35) المعارف: 158، وروى كثيرا منه ابن كثير في البداية والنهاية 8: 117.
(36) ابن أبي الحديد 4: 67 - 69.
(37) البداية والنهاية 8: 117، سير أعلام النبلاء 2: 615.
(38) أسد الغابة 3: 194 - 195 - ترجمة عبد الله بن عباس -، تهذيب تاريخ دمشق 7: 411 - 412.
(39) النهاية لابن الأثير (قق) 4: 95، لسان العرب 10: 323.
(40) ابن أبي الحديد 4: 78.
(41) الكامل في التاريخ 3: 462 - 463، وانظر ابن أبي الحديد 4: 77 - 78.
(42) ابن أبي الحديد 4: 79.
(43) ابن أبي الحديد 4: 78، والحديث في: سير أعلام النبلاء 3: 184 - 185، ودلائل النبوة 6: 458 - 460، ومجمع الزوائد 8: 290 من عدة طرق تدل على أن الحديث تكرر في أكثر من موضع، وفيها " أبو مخدورة " بدلا من " حذيفة "، ورواه أيضا: ابن عبد البر في (الاستيعاب) - هامش الإصابة - 2: 78، والعسقلاني في (الإصابة) 3: 131، وابن دريد في (الاشتقاق) في موضعين: 134، 282.
(44) ذكر بعضهم (خديج) بالمعجمة.
(45) الطبقات الكبرى 7: 503، أسد الغابة 4: 383، التاريخ الكبير للبخاري 7: 328 / 1407، سير أعلام النبلاء 3: 37.
(46) الكامل في التاريخ 3: 357، البداية والنهاية 7: 326، سير أعلام النبلاء 3: 482، فتوح البلدان: 319.
(47) الكامل في التاريخ 3: 357، البداية والنهاية 7: 327.
(48) سير أعلام النبلاء 3: 39.
(49) تاريخ اليعقوبي 2: 180، ابن أبي الحديد 6: 215 - 216 الإمامة والسياسة 1: 52، كتاب الأوائل:97.
(50) تاريخ الطبري 5: 172، الكامل في التاريخ 3: 206، الفتوح لابن أعثم 1: 434، الإمامة والسياسة 1: 52.
(51) اليعقوبي 2: 175 - 176.
(52) تاريخ اليعقوبي 2: 181، ابن أبي الحديد 6: 219 - 220، العقد الفريد 5: 62.
(53) السمرة: من شجر الطلح. الصحاح (سمر) 2: 689.
(54) ابن أبي الحديد 6: 217 - 218، أعلام النساء 3: 38، وقريب منه في الفتوح 1: 456 وفيه زيادة (2) الكامل 3: 209، الإمامة والسياسة 1: 63، تاريخ ابن خلدون 2: 608.
(55) قصة ماء الحوأب وحديث كلاب الحوأب متفق عليه عند أصحاب السير، انظر: الكامل في التاريخ
3: 210، اليعقوبي 2: 181، الفتوح 1: 460، الإمامة والسياسة: 63، ابن أبي الحديد 6: 225 تاريخ ابن الوردي 1: 208، البداية والنهاية 6: 217، 218 وانظر: مسند أحمد 6: 52، 97، مسند أبي يعلى 8: 282 / 512، دلائل النبوة 6: 410، المستدرك 3: 119 - 120، الخصائص الكبرى 2: 232 - 233، كنز العمال 11 ح / 31667.
(56) الكامل في التاريخ 3: 215، اليعقوبي 2: 181، الإمامة والسياسة: 69، تاريخ ابن خلدون 2:
610، سير أعلام النبلاء 2: 322.
(57) تاريخ اليعقوبي 2: 181، الطبقات الكبرى 5: 54.
(58) النحل: 92.
(59) أحفظه: أغضبه.
لسان العرب (حفظ) 7: 442.
(60) تاريخ الطبري 5: 200، الكامل في التاريخ 3: 239، تهذيب تاريخ دمشق 5: 367، 368 ولم يذكر الشعر، والحديث " لتقاتلنه وأنت ظالم له " أخرجه أيضا: البيهقي في (دلائل النبوة) 6: 414، والحاكم في المستدرك 3: 366 - 367.
(61) الإمامة والسياسة: 73، تهذيب تاريخ دمشق 5: 368.
(62) تهذيب تاريخ دمشق 7: 87.
(63) المصدر 7: 410.
(64) الملل والنحل - المقدمة الرابعة: 29.
(65) صحيح مسلم - كتاب الوصية 3: 1257 / 1637، مسند أحمد 1: 222، مسند أبي يعلى 4: 298 / 2409، البداية والنهاية 5: 200، تاريخ الطبري 3: 193، تاريخ ابن خلدون 2: 485.
(66) صحيح البخاري - كتاب المرضى - 7: 219 / 30، مسلم 3: 1259 / 22، مسند أحمد 1:
324، البداية والنهاية 5: 200، الكامل 2: 320، السيرة النبوية - للذهبي - 384 وهذه أحاديث متفق عليها.
(67) مسند أحمد 3: 346.
(68) سورة الحجرات: 1 - 4.
(69) هو القعقاع بن معبد، كما في المصادر الأخرى.
(70) صحيح البخاري - كتاب التفسير - 6: 243 / 339 و 341، سنن الترمذي 5: 387 / 3266، سنن النسائي - كتاب آداب القضاة - 8: 226، الواحدي في أسباب النزول: 215، السيوطي في لباب النقول: 194، وفي الدر المنثور 7: 546 و 547، تفسير الثعالبي 4: 185، تفسير الطبري
26: 76 وليس فيه كلام ابن الزبير، وابن الأثير في جامع الأصول 2: 431 - 433.
وقول البخاري " عن أبيه، يعني أبا بكر " هو عند غيره " عن جده " وهو الصواب، فعبد الله هو ابن الزبير وأمه أسماء بنت أبي بكر.
(71) ذرو من قول: طرف منه - أقرب الموارد 1: 368.
(72) لماذا؟ سيأتي جوابه في محله عن عمر أيضا.
(73) شرح ابن أبي الحديد 12: 21.
(74) علي ومناوئوه: 39.
(75) أنظر شرح ابن أبي الحديد 1: 183.
(76) في الملل والنحل - المقدمة الرابعة - 1: 29.
(77) النهاية 5: 246، وعنه في لسان العرب - هجر - 5: 254.
(78) الملل والنحل - المقدمة الثالثة - 1: 23.
(79) في السطر الثامن من الصفحة 28.
(80) المصدر 1: 29.
(81) صحيح البخاري 5: 96 / 223 و 5: 290 / 262، صحيح مسلم 4: 1884 / 2426، مسند أحمد 2: 20، سيرة ابن هشام 4: 300، الطبقات الكبرى 4: 65، ابن أبي الحديد 1: 159، السيرة النبوية - المسمى (عيون الأثر) - 2: 352، سير أعلام النبلاء 2: 500، المغازي - للذهبي - 714 وقال: متفق على صحته.
(82) الطبقات الكبرى 4: 68، تهذيب تاريخ دمشق 1: 122، ابن أبي الحديد 1: 160 و 6: 52، المغازي - للواقدي - 3: 1119، عيون الأثر 2: 352، تاريخ ابن خلدون 2: 484 وأورده موجزا على عادته.
(83) النساء: 59.
(84) الأحزاب: 36.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page