إن الذين ذكرته في هذه الأوراق، هو نبذة مختصرة عن رحلتي من المسيحية إلى الإسلام، وما انكشف لي فيها من الحقائق، وقد رمت الاختصار قدر الإمكان في هذا البحث، وكان بودي أن أشير إلى موضوع اعتبره مهما جدا في هذا البحث، وهي المسألة الأخلاقية والروحية، والسلوك العرفاني في الإسلام والمسيحية، والطرق و المسالك التي تبناها الاثنان لوصول الإنسان إلى كماله النهائي وهو القرب من خالقه وربه، وفق النظرية الإلهية. ولكني لإحساسي بأهمية هذه الموضوع، آثرت أن أفرد له بحثا ورسالة مستقلة، أتعرض إليه فيها بشكل مفصل، إنشاء الله تعالى.
وفي الحقيقة فالذي دفعني لكتابة هذا البحث هو احساسي وشعوري بالمسؤولية الإنسانية اتجاه أبناء جلدتي، عسى أن يكون صوتا للحق يقرع أذان قلوبهم فيستفيقوا من نوم الغفلة، فالمشكلة التي يعيشها أغلب أفراد العائلة البشرية - وللأسف الشديد - هي ابتعادهم عن الهدف الأساس الذي خلقنا من أجله، وصار الهم الشاغل لهم هو الدنيا، والانشغال بزينتها وزخرفها، وأما الدين والمسائل الروحية والحب الإلهي، أصبحت أمورا هامشية عند أغلب الناس أو أنهم غفلوا عنها كليا.
وأيضا فهذه دعوة لإخواني المسيحيين الذين ابتعدوا كثيرا عن التعاليم والعقائد التي جاء بها السيد المسيح (عليه السلام) فهم يتبعونه بالاسم فقط، وأما ما يحملونه من عقائد وتعاليم في الوقت الحاضر فهي مخالفة له كثيرا، فالعقائد التوحيدية التي جاء بها، تحولت إلى عقائد أشبه بالوثنية كالتثليث والبنوة، والشريعة والناموس الذي أكد عليها وأوصى بها مرارا، طرحت أرضا واكتفي بدلا عنها النواميس الروحية والإيمان المجرد.
فهذه دعوة لكل مسيحي حر باحث عن الحق والحقيقية، أن لا يكتفي بقبول ما يلقى إليه من قبل الكنيسة على أنه من الأمور المسلمة واليقينية، بل ليجد في البحث والتحقيق العميق في عقائده وأمور دينه، لأنها مسألة ذات أهمية كبيرة، فإن الحياة الأخروية الأبدية التي نحن مقبلون عليها، سعادتها وشقائها ما هي إلا نتيجة لعقائدنا وأعمالنا في حياتنا الدنيا فالدنيا مزرعة الآخرة فيجب إعطائها اهتماما كثيرا من فكرنا ووقتنا، وهذا أمر عظيم وخطير، فحري باللبيب أن يجهد نفسه وفكره في انتخاب الطريق الصحيح الذي يوصله إلى السعادة في ذلك العالم. وأخيرا فإن الإنسان الذي يروم اتباع الحق بعد كشفه للحقيقة لا بد أن يواجه مشاكل وصعوبات كثيرة، فقد يحارب من قبل أهله وأقاربه، ويهجره أحبائه وأصدقائه، وقد تضيق عليه سبل العيش، ولكنها كما أعتقد لها طعم ولذة خاصة لأنها في عين الله، ولأجل الله وحبه، وبالتأكيد فإن الله الرب الرحيم سيخلفه بدلا عنها الرضا والقناعة في الدنيا، والسعادة والعيش في جنة النعيم عند مليك مقتدر في الآخرة.
وارتأيت أن يكون مسك الختام لهذا البحث، آيات من الكلام الإلهي الموحى (القرآن) تحكي قصة رجل مؤمن يدعو قومه إلى الحق، والآيات هي:
* (وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين * اتبعوا من لا يسئلكم أجرا وهم مهتدون * وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون * ءأتخذ من دونه آلهة أن يردن الرحمن بضر لا تغني عني شفاعتهم شيئا ولا ينقذون * إني إذا لفي ضلال مبين * إني آمنت بربكم فاسمعون * قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون * بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين) *
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
الخاتمة
- الزيارات: 1123