سؤال يفرض نفسه عند محاولة القراءة في أطروحات السلف، وهو يفرض علينا من جهة أخرى تحديد ماهية التراث.
إن التراث هو الناتج البشري الحادث فوق القرآن، أي أن التراث شيء والقرآن شيء آخر.
القرآن ثابت لا يتغير ولا يؤخذ فيه ولا يرد.
والتراث غير ثابت يتغير ويؤخذ فيه ويرد.
القرآن يحوي كلام الله.
والتراث يحوي كلام البشر.
ومن هذا المنظور تعد كتب الحديث والفقه والتاريخ والفرق والآداب والشعر كلها من التراث.
وإذا سلّمنا بهذا التعريف للتراث فإن قراءتنا لأطروحاته سوف تكون قراءة مختلفة تخضع للنقد والمراجعة.
أما إذا سلّمنا برؤية فرق أهل السنة التي تقدّس التراث وتشركه مع القرآن وتربطه به، فهذا يعني أننا سوف نتعامل مع أطروحاته بمنطق التسليم الذي يجعل النقد والمراجعة درب من دروب الزندقة والزيغ والضلال.
وهذا هو جوهر الخلاف بين فرق أهل السنة والفرق الأخرى.
أهل السنة يرفضون النقد والمراجعة واستخدام العقل في مواجهة التراث.
والفرق الأخرى توجب النقد والمراجعة واستخدام العقل.
من هنا كان الصراع عنيفاً بينهما خرج من طور الحوار والجدال ليصل إلى البطش والقتل والتشريد الذي كان من نصيب خصوم أهل السنة على الدوام وبمساعدة الحكّام الذين حقّقوا السيادة والانتشار لهم على حساب الفرق الأخرى.
من هنا أيضاً ساد الإرهاب الفكري الذي حال بين المسلمين وبين أن يخوضوا في قضايا التراث ويعملوا عقولهم في أطروحاته.
وبمرور الزمن تلقّت الأجيال المسلمة جيلا بعد جيل التراث بمنظور الفرقة السائدة المتمكنة المدعومة من السلطة.
وحتى نتمكّن من قراءة التراث قراءة صحيحة لابدّ لنا من تحقيق ما يلي:
قراءة العصر.
قراءة المؤلف.
قراءة الفرقة التي ينتمي لها المؤلف.
وهذا ما سوف نطبّقه في قراءتنا لكتاب الفرق بين الفرق.
كيف نقرأ التراث؟
- الزيارات: 952