طباعة

عصر المؤلف


نشأ المؤلف في أواخر العصر العباسي، وهو عصر ركدت فيه الحركة العلمية وكثرت فيه الاضطرابات والفوضى وتسلّط فيه البويهيون.
وكان البويهيون يلتزمون بمذهب الشيعة الإمامية، وقد استظل الشيعة بظلهم في بغداد وأشهروا شعائرهم وأعلنوا عن أنفسهم، فكان أن استفز أهل السنة واصطدموا بهم ووقعت الكثير من الفتن(1).
وفي حياة البغدادي مرّ على بغداد سبعة من الخلفاء العباسيين هم:
ـ القاهر بالله.
ـ الراضي بالله.
ـ المتقي لله.
ـ المطيع لله.
ـ الطائع لله.
ـ القادر بالله.
ـ القائم بأمر الله.
وهذا الأمر يدلّ على مدى حالة الضعف والتردي التي كان يعيشها الحكم العباسي في بغداد آنذاك.
هذا في الوقت الذي برزت فيه الخلافة الفاطمية الشيعية في مصر والشام لتزيد العباسيين ضعفاً على ما هم فيه من ضعف.
وبرزت فيها أيضاً حركة القرامطة بالإضافة إلى نشاط الفرق الأخرى مثل المعتزلة والقدرية والكرامية.
ولعل هذا الوضع هو ما دفع بعائلة البغدادي إلى الرحيل من بغداد والاتجاه إلى خراسان حيث كانت الحركة العلمية ناشطة هناك(2).
ونخرج مما سبق عرضه بما يلي:
ـ أن عصر البغدادي كان عصر اضطرابات سياسية واجتماعية.
ـ إن الفرق المناوئة لأهل السنة برزت بقوة على ساحة الواقع.
ـ إن أهل السنة نشطوا في الدفاع عن أنفسهم ومهاجمة الفرق الأخرى.
ولا شك أن عصر هذه أوضاعه لابدّ وأن ينعكس على أهل الفقه والفكر والقلم الذين يعيشون في ظله وعلى رأسهم البغدادي الذي نرى ردّ الفعل تجاه عصره واضحاً من خلال كتاباته.
نراه واضحاً من خلال ردوده الشديدة اللهجة على المخالفين.
ونراه في تعصّبه الشديد لأهل السنة.
ونراه في تركيزه على فكرة الإمامة والحكم ووجوب السمع والطاعة للحكام.
وعلى الرغم من هذه المؤلفات الكثيرة التي صنّفها البغدادي إلاّ أن الفقهاء والمؤرخين لم يعدوه في زمرة الفقهاء والمحدّثين، وإنما عدوه من زمرة الأصوليين وشهد له الكثير من الفقهاء بطول باعه في هذا الجانب(3).

____________
1- انظر حوادث عام 408هـ وعام 421هـ وعام 422هـ في كتب التاريخ، وقد كثرت الفتن والاضطرابات والقحط وهجمات اللصوص، وكثر السلب والنهب والبلاء ببغداد وما حولها طوال النصف الثاني من القرن الرابع وأوائل القرن الخامس فترة حياة البغدادي. انظر المراجع التاريخية.
2- نشأ البغدادي مع أسرته في بغداد ثم رحلوا إلى خراسان، وسكن نيسابور، ودرس على أهل العلم والحديث فيها وفارقها عام وفاته 429هـ، بعد نشوب فتنة التركمان فيها إلى أسفراين، وتوفي فيها ودفن إلى جوار استاذه وشيخه الأسفراييني.
3- قال عنه السبكي في طبقات الشافعية: حبر لا يساجل في الفقه وأصوله وعلم الكلام وقال عنه الرازي: كان يسير في الرد على المخالفين سير الآجال في الآمال. وقال عنه أبو عثمان الصابوني: كان من أئمة الأصول بديع الترتيب غريب التأليف.