• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

فرق السنة والجماعة


اختتم البغدادي كتابه بباب في بيان أوصاف الفرقة الناجية وتحقيق النجاة لها وبيان أوصافها، وقد قسّمه إلى سبعة فصول تدور جميعها حول فرقة أهل السنة وأنها الفرقة الناجية المعصومة.
والعجيب أن البغدادي افتتح فصول هذا الباب ببيان أصناف فرق السنة والجماعة، وفي هذا اعتراف صريح منه بتعدد فرق أهل السنة وأنهم ليسوا فرقة واحدة، وبالتالي ليس من الصواب أن يطلق عليهم أهل السنة والجماعة ما داموا ليسوا جماعة واحدة وهذا من أوهامهم التي عاشوا فيها ولا زالوا يعيشون.
ولقد عاش البغدادي هذا الوهم وأراد أن يعيش فيه المسلمون، فبعد أن هاجم الفرق الأخرى وشوهها وحكم عليها بالزيغ والضلال أراد من خلال هذا الباب أن يرفع راية أهل السنة ويبيّض وجهها ويضفي عليها القداسة دون ذكر عيوبها وسلبياتها ونواقصها التي تجعلها في مساواة الفرق الأخرى دون أن تتميز عليها بشيء.
قال البغدادي: اعلموا أسعدكم الله أن أهل السنة والجماعة ثمانية أصناف من الناس وهم حسب تصنيفه ما يلي:
ـ أهل التوحيد والنبوة والاجتهاد الذين سلكوا طرق الصفاتية من المتكلمين الذين تبرؤوا من التشبيه والتعطيل ومن بدع الرافضة والخوارج والجهمية والبخارية وسائر أهل الأهواء الضالة.
ـ أئمة الفقه والحديث الذين اعتقدوا في أصول الدين مذهب الصفاتية في الله وفي صفاته الأزلية وتبرؤوا من القدر والاعتزال، وأثبتوا رؤية الله تعالى بالأبصار من غير تشبيه ولا تعطيل، وأثبتوا الحشر في القبور وسؤال القبر وإثبات الشفاعة وإمامة الخلفاء الأربعة والثناء على السلف والصلاة خلف الأئمة وطاعة السلطان وتحريم المتعة ويدخل في هؤلاء أصحاب مالك والشافعي والأوزاعي والثوري وأبي حنيفة وابن أبي ليلى وأبي ثور وأحمد بن حنبل وأهل الظاهر وسائر الفقهاء الذين اعتقدوا أصول الصفاتية ولم يخلطوا فقهه بشيء من بدع أهل الأهواء الضالة.
ـ أهل الإحاطة بطرق الإخبار والسنن المأثورة عن النبي، وميّزوا بين الصحيح والسقيم وعرفوا أسباب الجرح والتعديل ولم يخلطوا علمهم بشيء من بدع أهل الأهواء.
ـ أهل الأدب والنحو الذين لم يخلطوا علمهم بشيء من بدع القدرية والرافضة والخوارج ومن مال منهم إلى شيء من الأهواء الضالة لم يكن من أهل السنة ولا كان قوله حجة.
ـ أهل الإحاطة بعلوم القرآن وآياته وتأويلها وفق مذهب أهل السنة دون تأويلات أهل الأهواء الضالة.
ـ الزهاد والصوفية دينهم التوحيد ونفي التشبيه ومذهبهم التفويض إلى الله.
ـ المرابطون في ثغور المسلمين الذين يظهرون في ثغورهم مذاهب أهل السنة والجماعة.
ـ عامة البلدان التي غلب فيها شعار أهل السنة دون عامة البقاع التي ظهر فيها شعار أهل الأهواء الضالة.
ومن باب الاحتياط ربط البغدادي كل فرقة من هذه الفرق بشرط التبرأ من الفرق الأخرى كي لا يتوّهم المسلمون تشتت أهل السنة وتعدد فرقها فكل فرقة من هذه الفرق بعيدة عن أهل الأهواء الضالة حسب تعبير البغدادي، لكن هذا كله لا ينفي تعددها الذي لا ينحصر في محيط الثمانية الذين ذكرهم والذين احتضنوا في داخلهم الكثير من الفرق، ذكرهم البغدادي دون قصد منه في الصنف الثاني من أصناف أهل السنة.
ولا يمكن أن يقبل العقل أن هذه الفرق السنية على رأي واحد وعقيدة واحدة واجتهاد ثابت في جميع نواحي الدين والحياة وهو ما أقر به البغدادي من خلال عرضه لهذه الأصناف.    
غير أن ما ينبغي توكيده هنا هو أن حال الفرق الأخرى كحال أهل السنة في مجال الرأي والاجتهاد والاعتقاد الذي يدور في محيط الدين، فإذا كان حال أهل السنة كحال الآخرين فما الذي يجعلهم يعيشون في هذا الوهم ويعتقدون القيمومة على الجميع والهداية لهم والضلال للآخرين؟
إن أزمة أهل السنة تتمثّل في استمرارهم في دائرة هذا الوهم النابع من روايات ليست محل قبول الجميع.
والنابع من عقل الماضي وتقديس السلف، والماضي برموزه ليس خيراً كلّه وتلك هي الحقيقة التي غابت عن أهل السنة.
قال البغدادي أن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) لما ذكر افتراق أمته ثلاث وسبعين فرقة وأخبر أن فرقة واحدة منها ناجية، سئل عن الفرقة الناجية وعن صفتها فأشار إلى الذين هم على ما عليه هو وأصحابه، ولسنا نجد القوم من فرق الأمة من هم على موافقة الصحابة غير أهل السنة والجماعة من فقهاء الأمة ومتكلميهم الصفاتية دون الرافضة والقدرية والخوارج والجهمية والبخارية والمشبهة والغلاة والحلولية
وكيف يكون هؤلاء موافقين للصحابة وهم بأجمعهم لا يقبلون شيئاً مما روي عن الصحابة في أحكام الشريعة لامتناعهم من قبول روايات الحديث والسير والمغازي من أجل تكفيرهم لأصحاب الحديث الذين ضبطوا آثار الصحابة وقاسوا فروعهم على فتاوى الصحابة.
وكلام البغدادي يعني أن المفاصلة بين الفرقة الناجية والفرقة الهالكة تنحصر في الموقف من الصحابة، فمن قال فيهم حسناً كان من الناجين، ومن طعن فيهم كان من الهالكين، ولما كان أهل السنة هم الذين قالوا فيهم حسناً فقد اعتبروا الفرقة الناجية وهذا الكلام يؤكّد أهل السنة الذين يقيمون مذهبهم ومعتقداتهم على الرجال لا على النصوص ويؤكّد من جهة أخرى أن الصحابة ركن من أركان الدين عندهم.
إن ما ذكره البغدادي إنما هو يركّز لنا أساس الخلاف والمفارقة بين أهل السنة والفرق الأخرى ألا وهي الرواية والحديث النبوي(1).
ويمكن عذر أهل السنة في هذا الموقف المتطرّف من الفرق الأخرى التي تنبذ رواياتهم وأحاديثهم التي نسبوها للرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) إذ ان معتقداتهم تقوم على أساس هذه الروايات ومحاولة رفضها أو التشكيك فيها يعني هدم أهل السنة ومحوهم من الوجود، وهذا يعني أن المواجهة بينهم وبين الفرق الأخرى مواجهة مصيرية ترتبط بوجودهم ومستقبلهم، وهو يفسّر لنا تلك الأحكام الشديدة والمبالغ فيها التي يصدرونها في مواجهة الفرق الأخرى(2).
ويواصل البغدادي هجومه على الفرق الأخرى قائلا: ولم يكن بحمد الله ومنه في الخوارج ولا في الروافض ولا في الجهمية ولا في القدرية ولا في المجسمة ولا في سائر أهل الأهواء الضالة قط إمام في الفقه، ولا إمام في الحديث، ولا إمام في اللغة والنحو، ولا موثوق به في نقل المغازي والسير والتواريخ، ولا إمام في الوعظ والتذكير، ولا إمام في التأويل، وإنما أئمة هذه العلوم على الخصوص والعموم من أهل السنة والجماعة.
وهذا الكلام يضع البغدادي بين أمرين:
إما أن يكون جاهلا ولا علم له بتراث الفرق الأخرى ورموزها.
وإما أن يكون متحاملا.
إن الفرق الأخرى وعلى رأسها الإمامية لها تراثها الذي شمل علوم الدين من فقه وتفاسير وتاريخ وسير وعقيدة وحتى الرواية والحديث، بل أن فرقة الإمامية تتبنّى طريقة في الحديث والرواية أدق وأكثر انضباطاً بالشرع من أهل السنة، وذلك بالإضافة إلى تراثهم وتراث الفرق الأخرى في مجال الفلسفة والمنطق والعلوم المختلفة التي ليس لأهل السنة باع فيها(3).
وما دام هناك تراث لهذه الفرق فلابد أن يكون هناك أئمة ورموز يبلغون ويبينون هذا التراث لأتباعهم، غير أن الأضواء كانت مركّزة على الدوام في دائرة أهل السنة والتعتيم والحصار والبطش والتنكيل كان من نصيب أئمة الفرق الأخرى.
وتسمية أهل السنة للفرق الأخرى بأسماء مؤسسيها ورموزها البارزة دليل على أن هذه الفرق كان لها أئمتها ورموزها(4).
وقد اختتم البغدادي كتابه بالحديث عن بيان عصمة الله لأهل السنة عن تكفير بعضهم بعضاً وفضائلهم وعلومهم وأئمتهم وآثارهم في الدين والدنيا وذكر مفاخرهم(5).

____________
1- انظر فصل الفرقة الناجية وفصل أهل السنة الإطار المذهبي.
2- مثل أحكام الكفر والضلال والزندقة والمروق والشرك، كذلك تعد التسميات التي أطلقها أهل السنة على خصومهم من الفرق الأخرى امتداداً لهذه الأحكام فإطلاق اسم الحلولية والتناسخ والرافضة والمجسمة والمشبهة عليهم يعني تكفير هذه الفرق واسقاطها من أعين المسلمين.
3- انظر نموذج لتراث الشيعة الإمامية: كتب الشيخ المفيد، وكتب العلامة الحلي، والطوسي وغيرهم، وانظر التوحيد والعدل للقاضي عبدالجبار المعتزلي، وانظر اطروحات فرقة الاباضية في عمان، وانظر الفهرست لابن النديم.
4- مثل الجهمية المنسوبة لجهم بن صفوان، والجعدية للجعد بن درهم، والكيسانية المنسوبة إلى كيسان وهو لقب المختار بن عبيدالله الثقفي والزيدية المنسوبة لزيد بن علي بن الحسين.
5- كلام البغدادي هذا مجانب للصواب إذ ان أهل السنة وقعوا في بعضهم البعض، وكفّر بعضهم بعضاً في الماضي والحاضر.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page