اعتنق الملك المغولي خدابنده الإسلام واختار الفرقة الحنفية التي كان مذهبها سائداً في بلاد ما وراء النهر، فما كان من الأحناف إلاّ أن أظهروا الاستعلاء والتعصب وأخذوا في التضييق على أتباع الفرقة الشافعية والفرقة الحنبلية والفرقة المالكية والتنكيل بهم(1).
وكان أن أوعز الوزير الشافعي إلى الملك لتنصيب قاضي القضاة من الشافعية، ذلك القاضي الذي فتح الأبواب على مصارعها لنقض أفكار وأطروحات الفرق السنية المخالفة للشافعية، فكثر السب والشتم بين الشافعية والأحناف(2).
وجاء أحد رموز الأحناف من مدينة بخارى ودار جدال وخصام بينه وبين قاضي القضاة الشافعي وعرض كل منهما فرقة الآخر وتجاوزا حدود الأدب والأخلاق وكثر ذكر قبائح الفرقتين على لسان كل منهما وسخائف الأصول والفروع بين فرقتيهما حتى وصل الأمر إلى المساس بالإسلام ذاته(3).
وشاع الأمر بين العامة وأمراء المغول وغضب الملك على قاضي القضاة وعلى الأحناف وبدأ يراجع موقفه من الإسلام.
وبدأت تبرز حركة ارتداد عن الإسلام بين الأمراء وعناصر الجيش المغولي الذين كانوا قد اعتنقوا الإسلام، وأخذوا يضغطون على الملك ليتابعهم في ارتدادهم وتدخل أحد الأمراء العقلاء ونصح الملك بالاطلاع على مذهب الشيعة الذي كان مذهب شقيقة الملك غازان الراحل(4).
وتم الاتصال بأحد رموز الشيعة المعاصرين في بلدة الحلة بالعراق الذي قام بتأليف كتاب في أصول العقائد الإسلامية بالبراهين النقلية والعقلية مقارنة لعقائد الفرق السنية الأربعة: الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية وأحكامهم الفقهية(5).
____________
1- خدابنده، أي عبد الله باللغة الفارسية، وكان على دين المسيحية دين أمه، ثم تزوّج بمسلمة رغبته في الإسلام، فأسلم، وتسمّى بمحمد ت عام 716هـ. انظر حواث عام 703هـ وما بعدها.
2- هو نظام الدين عبدالملك المراغي الشافعي.
3- رمز الأحناف هو ابن صدر جهان الحنفي. انظر حوادث عام 707هـ.
4- توفي الملك غازان عام 703هـ.
5- هو كتاب نهج الحق وكشف الصدق. وهو مطبوع في بيروت.
صور من صراعات فرق أهل السنة(3)
- الزيارات: 633