وفي العصر المملوكي برز ابن تيمية بفرقته واصطدم بالفرق الأخرى خاصة فرق الأشاعرة وفرق الصوفية.
وقد ثارت عليه الفرق السنية بداية بسبب فتوى أصدرها لأهل حماه سميت بالفتوى الحموية حيث حوكم من قبل فقهاء الفرق السنية ومنع من الكلام وحوصر أتباعه ونقل إلى مصر وحبس فيها.
قال ابن حجر العسقلاني: وكان السبب في هذه المحنة مرسوم السلطان ورد على النائب بامتحانه في معتقده لما وقع إليه من أمور تنكر في ذلك، فعقد له مجلس وسئل عن عقيدته، ثم توجه القاضي المالكي وابن تيمية ومعهما جماعة إلى القاهرة وكان الأمر اشتد بمصر على الحنابلة حتى صفع بعضهم وعقد مجلس بعد صلاة الجمعة فحكم المالكي بحبسه، ثم بلغ المالكي أن الناس يتردّدون إليه، فقال يجب التضييق عليه إن لم يقتل إلاّ فقد ثبت كفره.
ونودي في دمشق من اعتقد عقيدة ابن تيمية حل دمه وماله خصوصاً الحنابلة، ثم جمع الحنابلة واشهدوا على أنفسهم أنّهم على معتقد الشافعي(1).
وكان أن دارت الدائرة على الحنابلة بمصر والشام بسبب تعصّبهم لابن تيمية وجارت عليهم الفرق الأخرى خاصة فرقة الشافعية.
وتدخل الأمير المملوكي سلار للعفو عن ابن تيمية إلاّ أن قضاة الفرق الثلاثة الحنفية والمالكية والشافعية اشترطوا رجوعه عن معتقداته وتوبته وأقرّ ابن تيمية أنه أشعري وأشهدوا عليه أنه تاب مما ينافي ذلك مختاراً(2).
إلاّ أن ابن تيمية بعد أن أفرج عنه وقع في الفرق الصوفية بالقاهرة، وقال لا يستغاث بالرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) فصدر أمر بترحيله إلى الشام، ثم أعيد إلى القاهرة وحبس فيها بأمر القاضي زين الدين بن مخلوف(3).
ثم تدخّل السلطان الناصر فشفع له وعاد إلى الشام بعد غيبة استمرت سبع سنين، إلاّ أنه اصطدم بفرق أهل السنة بالشام، وقال بتحريم زيارة قبر الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) فقام عليه فقهاء الفرق وقبض عليه وحبس ومات في الحبس(4).
____________
1- انظر الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة ج1/145 وما بعدها.
2- المرجع السابق.
3- المرجع السابق.
4- المرجع السابق. وقد نسب ابن تيمية إلى التجسيم، وكان سليط اللسان على خصومه من فقهاء ورموز الفرق الأخرى.
صور من صراعات فرق أهل السنة(4)
- الزيارات: 627