المتوفى ١٣٠٥
قال في الحسين :
فار تنور مقلتيَّ فسالا
فغطى السهل موجه والجبالا
وطفت فوقه سفينة وجدي
تحمل الهمّ والأسى أشكالا
عصفت في شراعها وهو نار
عاصفات الضنا صباً وشمالا
فهي تجري بمزبد غير ساج
ترسل الحزن والأسى ارسالاً
فسمعت الضوضاء في كل فج
كل لحن يهيج الاعوالا
قلت ماذا عرى ـ اميم ـ فقالت
جاء عاشور واستهل الهلالا
قلت ماذا عليَّ فيه فقالت
ويك جدد لحزنه سربالا
لا أرى كربلا يسكنها اليوم
سوى من يرى السرور محالا
سميت كربلاء كي لا يروم
الكرب منها إلى سواها ارتحالا
فاتخذها للحزن داراً وإلا
فارتحل لا كفيت داء عضالا
من عذيري من معشر تخذوا
اللهو شعاراً ولقبوه كمالا
سمعوا ناعي الحسين فقاموا
مثل من للصلوة قاموا كسالا
أيها الحزن لا عدمتك زدني
حرقة في مصابه واشتعالا
لست ممن تراه يوماً جزوعاً
تشتكي عينه البكاء ملالا
أنا والله لو طحنتُ عظامي
واتخذت العمى لعيني اكتحالا
ما كفاني وليس إلا شفائي
هزة تجفل العدى اجفالا
فتكة الدهر بالحسين الى الحشر
علينا شرارها يتوالا
لك يا دهر مثلها لاوربي
انها العثرة التي لن تقالا
سيم فيها عقد الكمال انفصاماً
ذي لئاليه في الثرى تتلالا
سيم فيها دم النبي انسفاكاً
ليت شعري من ذا رآه حلالا
نفر من بنيه أكرم من تحت
السما رفعة وأعلا جلالا
ضاق منها رحب الفضاء ولما
لم تجد للكمال فيه مجالا
ركبت أظهر الحمام وآلت
لا تعد الحيوة إلا وبالا
ما اكتفت بالنفوس بذلاً إلى أن
اتبعتها النساء والأطفالا
ملكوا الماء حين لم يك إلا
من نجوم السماء أقصى منالا
ثم لم يطعموه علماً بأن الله
يسقيهم الرحيق الزلالا
ليتهم بعدما الوغى أكلتهم
أرسلوا نظرة وقاموا عجالا
ليروا بعدهم كرائم عز
زلزل الدهر عزها زلزالا
أصبحت والعدو أصبح يدعو
اسحبي اليوم للسبا أذيالا
ذهب المانعون عنك فقومي
والبسي بعد عزك الاذلالا
كم ترجّين وثبة من رجال
لك كانوا لا يرهبون الرجالا
أنت مهتوكة على كل حال
فانزعي العز والبسي الاغلالا
لك بيت عالي البناء هدمناه
وحُزنا خفافه والثقالا
أين من أنزلوك باحة عز
لا ترا كالعيون إلا خيالا
صوّتي باسم من أردتِ فإنا
قد أبدناهم جميعاً قتالا
وكسوناهم الرمال ثياباً
وسقيناهم المنون سجالا
وهي لا تستطيع مما عراها
من دهى الخطب أن ترد مقالا
غير تردادها الحنين وإلا
زفرة تنسف الرواسي الثقالا
وقال في قصيدة متضمناً للرواية التي تقول أن سبايا الحسين عليهالسلام لما قاربوا دخول الشام دنت أمّ كلثوم بنت علي عليهالسلام من شمر بن ذي الجوشن وقالت : يا بن ذي الجوشن لي اليك حاجة ، قال ما حاجتك قالت إذا دخلت بنا البلد فاحملنا في طريق قليل نظاره وتقدم إلى حاملي الرؤوس أن يخرجوها من بين المحامل فقد خزينا من كثرة النظر الينا ، فأمر بعكس سؤالها بأن تجعل الرؤوس في أوساط المحامل ويُسلك بهم بين النظارة :
وأعظم شيء أن ربة خدرها
تمدّ إلى أعدائها كفّ سائل
تقول لشمر والرؤس أمامها
وقد أحدقت بالسبي أهل المنازل
فلو شئت تأخير الرؤوس عن النسا
وإخراجها من بين تلك المحامل
ليشتغل النظّار عنا فإننا
خزينا من النظار بين القبائل
ويقول في مفاداة أبي الفضل العباس لأخيه الحسين (ع) وكأن الحسين يخاطبه :
أبوك كان لجدي مثل كونك لي
كلاهما قصب العلياء حاويها
أبوك ساقي الورى في الحشر كوثره
وأنت أطفالنا بالطف ساقيها
الشيخ محسن خطيب بارع وشاعر واسع الافاق خصب الخيال ، ولد سنة ١٢٣٥ ه ونشأ بعناية أبيه وتربيته وتحدر من اسرة عربية تعرف بآل أبي الحب ، وتمتُّ بنسبها إلى قبيلة خثعم ، وتدرج على نظم الشعر ومحافل الأدب وندوات العلم ، ولا سيما ومجالس أبي الشهداء مدارس سيارة وهي من أقوى الوسائل لنشر الأدب وقرض الشعر فلقد جاء في يوم الحسين عليهالسلام من الشعر والخطب ما يتعذر على الأدباء والمعنين بالأدب جمعه أو الاحاطة به ، وشاعرنا الشيخ محسن نظم فاجاد وأكثر من النوح والبكاء على سيد الشهداء (ع) وصوّر بطولة شهداء الطف تصويراً شعرياً لا زالت الادباء ومجالس العلماء تترشفه وتستعيده وتتذوقه.
وفي أيام حداثتي وأول تدرجي على الخطابة استعرتُ ديوان الشاعر المترجم
له من حفيده وسميّه الخطيب الشيخ محسن وانتخبت منه عدة قصائد وهي مدونة في الجزء الثاني من مخطوطي ( سوانح الأفكار ) وكتب عنه الشيخ السماوي في ( الطليعة ) فقال : محسن بن محمد الحويزي الحائري المعروف بأبي الحب كان خطيباً ذاكراً بليغاً متصرفاً في فنون الكلام إذا ارتقى الأعواد تنقّل في المناسبات ، إلى أن يقول : وله ديوان كبير مخطوط كله في الأئمة. توفي بكربلاء سنة ١٣٠٥ ودفن بها ، وترجم له صاحب ( معارف الرجال ) فقال في بعض ما قال :
كان فاضلاً أديباً بحاثة ثقة جليلاً ومن عيون الحفاظ المشهورين والخطباء البارعين ، له القوة الواسعة في الرثاء والوعظ والتاريخ وكان راثياً لآل رسول الله (ع) وشاعراً مجيداً ، حضرتُ مجلس قراءته فلم أر أفصح منه لساناً ولا أبلغ منه أدباً وشعراً. وكتب عنه صديقنا الأديب السيد سلمان هادي الطعمة في كتابه ( شعراء من كربلاء ) وجاء بنماذج من نظمه وقال : توفي ليلة الاثنين ٢٠ ذي القعدة عام ١٣٠٥ ه ودفن في الروضة الحسينية المقدسة إلى جوار مرقد السيد ابراهيم المجاب.
أقول ويسألني الكثير عن إبراهيم المجاب ، فهو إبراهيم بن محمد العابد ابن الإمام موسى الكاظم عليهالسلام ، وإنما سمي بالمجاب لأنه سلّم على جدّه الإمام فخرج رد الجواب من داخل القبر ، وأبوه محمد العابد مدفون في ( شيراز ) وسمي بالعابد لتقواه وعبادته ، وهكذا كل أولاد الإمام عليهالسلام.
الشيخ محسن أبو الحب
- الزيارات: 1516