تمتاز بعض الجامعات والمعاهد بتنوع الدارسين فيها من كل الجنسيات والمذاهب الإسلامية، ففي إحدى الجامعات العالمية كنت أدرس مادتي التاريخ الإسلامي والفرق والمذاهب، وكان جميع طلبتي من المذهب الشافعي وغيره من المذاهب الأخري الذين وفدوا للدراسة في هذه الجامعة، وكنت ألقي دروسي عليهم مبيناً كثيراً من حقائق التاريخ ووقائعه المغيبة، وما فعلته الحكومات الجائرة من طمس وتشويه لمعالم الحقيقة التاريخية، وكذلك كنت أتطرق إلى مناشئ الخلاف وأسباب الفرقة بين المسلمين مبتعداً في طرحي عن كل ما يثير المشاعر والأحاسيس الدينية، متخذاً الموضوعية والحيادية سبيلاً للوصول إلى الحقيقة، وبعد انتهاء الدراسة في الجامعة تقدم إليّ ثلاثة من الطلبة وأرادوا أن يعلنوا تشيّعهم، فقلت لهم: إنكم مخطئون، حيث إنكم طيلة عشرين سنة تتلقون عقيدتكم وتسمعون علمائكم، فلا ينبغي أن تتخلوا عن ذلك لمجرد أنكم سمعتم مني ما أقول في مدة قصيرة، وكيف عرفتم أني على حق وصادق فيما أقول وأولئك ليسوا كذلك؟
فلابدّ أن تذهبوا إلى علمائكم وتسألوا وتتحققوا وتبحثوا عن حقيقة ما ألقيت عليكم من دروس ومعلومات، فإن اكتشفتم أني على خطأ، وكانت إجابات علمائكم مقنعة لكم، فاعلموا أنّ مذهبكم هو الحق وأثبتوا عليه، وكونوا كالجبل الراسخ في ذلك، وإن لم يجيبوا بما تقنع به أنفسكم، فأرجو منكم أن تعدّوا مذهب أهل البيت مذهباً إسلامياً إلى جانب المذاهب الإسلامية الأخرى، وحينما كنت أتكلم معهم بهذه الطريقة كانت عيونهم تترقرق بالدموع تأثراً بما أقول، وودعتهم وأنا أحمل لهم كل حبّ وتقدير داعياً الله لهم بالتوفيق والهداية.
وبعد عدة سنوات من تلك القصة وفد عدد من هؤلاء الطلبة إلى مدينة قم المقدسة لدراسة العلوم الدينية في المدرسة الحجتية(1)، وبعد اطلاعي على ملفاتهم واستمارات قبولهم رأيت أنهم كتبوا في حقل المذهب السابق في الاستمارة: المذهب الشافعي، وفي حقل المذهب الحالي كتبوا: المذهب الشيعي، فحمدت الله على ما أنعم علينا وعليهم بالهداية إلى مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
وهكذا بقيت مواظباً على الدرس والتدريس في الجامعات والحوزات العلمية مع مواصلة البحث والتحقيق والغوص في كتب الشيعة والسنة، فتحصل عندي خزين كبير من الأدلة والشواهد القرآنية والروائية وأقوال علماء الفريقين وذلك في جلّ مسائل الخلاف بين الشيعة والسنة، وقد تبلور بعضها على شكل كتب ودراسات ومقالات ولم تنقطع سجالاتي ومحاوراتي مع أساتذة الحوزة والجامعة، ومن مختلف المذاهب والاتجاهات والاختصاصات، إلى أن قدّر الله تعالى لي أن أتشرف بزيارة الديار المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة لأداء فريضة الحج، وتوالت بعدها تلك الزيارات ليبدأ معها مشواري الطويل في الحوار والمناظرات والمناقشات ـ مع كبار علماء الوهابية والسلفية ـ والتي كانت غنية في أغلبها بالبحث العلمي والحوار الموضوعي الجاد بحثاً عن الحق والحقيقة، وإليك بعض قصص تلك اللقاءات والحوارات:
____________
(1) وهي: إحدى المدارس العلمية في قم المقدسة، التي أسسها أحد المراجع الكبار وقد سميت باسمه، ولازالت تدرس العلوم الدينية حتى مرحلة الماجستير والدكتوراه، وقد تخرج منها الكثير من الطلبة.
مع طلبة من المذهب الشافعي
- الزيارات: 680