في ليلة الخميس في التاسع من شهر رمضان المبارك في الساعة التاسعة ليلاً خلف مقام إبراهيم كنت منشغلاً بالعبادة، وبعد الفراغ من بعض ما كنت فيه من العبادة تعرفت على أحد طلاب جامعة أم القرى الذي قدم نفسه على أنّ اسمه جحوني، أحد طلاب الجامعة في المرحلة الرابعة، قسم الشريعة الإسلامية.
ثم تكلمنا بعض الشيء، وعندها قال: بأنّ الإيرانيين يعتقدون بخيانة جبرائيل، حيث بلغ الرسالة لمحمد(صلى الله عليه وآله) بدلاً عن علي(عليه السلام)؛ ولذا فإنهم بعد صلاتهم يرفعون أيديهم وينزلونها ثلاث مرات ويقولون: خان الأمين.
قلت: هذا الشيء لا أساس له من الصحة، فلو أنّك جئتني بكتاب من كتب الشيعة، أو رواية ولو كانت ضعيفة فيها ما يدل على دعواك، لتركت التشيع وصرت سنياً.
والآن هنا آلاف الإيرانيين في مكة المكرمة، اذهب واجلس إلى جنب أي منهم، واسمع ما يقولون بعد صلاتهم، عندما يرفعون أيديهم وينزلونها.
قال: أنا قمت بذلك، ولكنني لم أستطع أن أسمع ما يقولون.
وفي هذا الحال كان أحد الإيرانيين يجلس في الصف الذي أمامنا، وآخر يجلس إلى جهة اليسار، فانتهزت الفرصة، وسألتهم، قائلاً: عفواً أخي! ما تقولون بعد إتمام صلاتكم عندما ترفعون أيديكم وتنزلونها؟
أجابوني: بأنّهم يقولون ثلاث مرات: الله أكبر.
لقد تركت هذه القضية أثراً عجيباً في نفسية هذا الطالب، فقال: أنا لا ينبغي لي أن أجادل في هذا المكان إلى جانب بيت الله الحرام.
فقلت: هذا ليس جدالاً، فإنك نقلت افتراء على الشيعة، وقمتُ بإبطاله عملاً، وإن قولك هذا كان موجوداً على امتداد تاريخ الإسلام، فهو محض افتراء وكذب على أتباع أهل البيت(عليه السلام).
ثم قلت: أنا من أساتذة الحوزة العلمية والجامعة ولدي مجموعة من الأسئلة أود أن أطرحها وأريد أن أسمع الإجابة الصحيحة عنها.
فأجابني: إنّي على استعداد أن أكتب هذه الأسئلة، ثم أطلب من بعض الأساتذة الإجابة عنها، وكذلك أنا مستعد أن أتكلم مع أحد الأساتذة في جامعة أم القرى، فهو متضلع وخبير في المسائل الإسلامية، وبإمكانك أن تطرح عليه كل ما تريد من الأسئلة.
قلت: أنا جاهز، ولكن بشرط أن لا يتهمني بالشرك مسبقاً.
قال: ما هي نماذج هذه الأسئلة؟
قلت: إنّ عمدة ما يتهم به الشيعة من قبل أهل السنة، هي قضية أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وأنا عمدة ما أطرحه عليه أيضاً مرتبط بهذه المسألة.
ومن ذلك ما جاء في صحيح البخاري، وصحيح مسلم، بأنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال:>يرد عليّ الحوض رجال من أصحابي فيحلؤون عنه، فأقول: يا رب أصحابي، فيقول: إنك لا علم لك بما أحدثوا بعدك إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى (1).
وفي رواية أخرى:فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم (2)، أي: إلا القليل.
وعن سهل بن سعد قال:قال النبي(صلى الله عليه وآله): ليردن عليَّ أقوام أعرفهم ويعرفونني، ثم يحال بيني وبينهم... فأقول: إنّهم مني، فيقال: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك !! فأقول: سحقاً لمن غير بعدي (3).
فبادر إلى كتابة ما ذكرته له، وقال: أنا إلى الآن لم أر هذه الروايات، ولم أسمع بها.
قلت: الأهم من هذا أنّ ابن حزم في كتابه المحلى(4) نقل عن حذيفة عن الوليد بن جميع: أنّ أبا بكر وعمر وعثمان وطلحة وسعد بن أبي وقاص أرادوا قتل النبيّ(صلى الله عليه وآله) وإلقاءه من العقبة في تبوك.
فحاول أن يطعن بسند الرواية، حيث قال: هذه الرواية مجعولة بالوليد بن جميع، ولكن عند مراجعتي لكتب رجال أهل السنة، رأيت أنّ أغلب علمائهم يقولون بتوثيقه.
كما صرّح بوثاقته العجلي، وقال ابن سعد:كان ثقة وله أحاديث<، وأورده ابن حبّان في الثقات، وقد نقل الذهبي(5) وابن حاتم، عن أبي عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال:>قال أبي: ليس به بأس، وعن يحيى بن معين أنّه قال: ثقة، وقال أبو حاتم: صالح الحديث، وقال أبو زرعة: لا بأس به، وقال الذهبي: وثّقه أبو نعيم (6).
وأعجب ما ورد في هذا الباب ما ذكره ابن كثير بأنّ عمر بن الخطّاب(رض) قال لحذيفة:أقسمت عليك بالله أنا منهم؟ قال: لا، ولا أبرئ بعدك أحداً (7).
فكتب هذه المطالب في ورقة وأخذها معه، ولاحظت أنه كتب هذه المطالب بدقة، وقال: أنا سوف أسأل عن ذلك أساتذة الجامعة، وآتيك غداً ليلاً في هذا المكان، ومعي الجواب، وأنا أعلم بأن عمر (رض) من أصحاب رسول الله ‌الأوفياء، وعقلي يحكم بكذب هذه القضية.
فقلت: إنّها ليست مسألة حكم العقل أو عدمه، وإنما أريد أن أستفهم عما ذكره ابن حزم حول هذه القضية وردّه لها من جهة السند، مع أنّ علماء السنة قد وثقوا من نقلها. فما هو جواب علماء أهل السنة في هذه المسألة؟
وفي أثناء الحديث، قلت له: إنّ المسألة الأخرى المهمة بالنسبة لي: هي أنّ بعض علماء السنة نقلوا جملة من القضايا ونسبوها إلى الشيعة مع أنّها مزاعم كاذبة.
فعلى سبيل المثال: يقول ابن تيمية: الشيعة مثل اليهود، ويقولون بدل (السلام عليك ) سام عليك، يعني: الموت لك.
ويقول أيضاً إنّ الشيعة مثل اليهود، لأنّهم يعتبرون التصرف في أموال الناس مباحاً.
وكذلك يعتبرون خيانة الناس جائزة، وأمثال هذه الأمور.
فقال: بما أنّ ابن تيمية رجل موثوق، فإنّه إما أن يكون قد نقل له ذلك، أو أنّه قد رآه في مكان ما.
قلت: بعض علماء السنّة لا يعتبرون ابن تيمية ثقة، وذكروا في حقّه كثير من العبارات القاسية، مثل الحصني الدمشقي وهو من علماء السنة شافعي المذهب، حيث قال في حق ابن تيمية:حتى ظهر في آخر الزمان مبتدع من زنادقة حرّان، لبس على أشباه الرجال، ومن شابههم من سيئي الأذهان، وزخرف لهم من القول غروراً، كما صنع إمامه الشيطان، فصدّهم بتمويهه عن سبيل أهل الإيمان، وأغواهم عن الصراط المستقيم إلى ثنيات الطريق ومدرجة النيران، فهم برزّيته في ظلمة الخطأ يعمهون، وعلى منوال بدعته يهرعون (8).
فأجاب: بأنه لا يعد كلام الحصني الدمشقي دليلاً، لابد أن نرى علماء الرجال ماذا يقولون فيه.
قلت: إنّ علماء أهل السنة، يشيدون بالحصني الدمشقي، كالشوكاني، حيث يقول فيه:>وحضر جنازته عالم لا يحصيهم إلاّ الله، مع بعد المسافة وعدم علم أكثر الناس بوفاته، وازدحموا على حمله للتبّرك به، وختم عند قبره ختمات كثيرة، وصلّى عليه أمم ممن فاتته الصلاة على قبره، ورويت له منامات صالحة في حياته وبعد موته (2).
وقال عمر رضا كحالة: ((الحصني الدمشقي الشافعي، المعروف بالحصني (تقي الدين) فقيه، محدّث، ولد في الحصن، وتوفّي بدمشق في جمادى الآخرة)) (3).
وقال الزركلي:(( الإمام تقي الدين الحصني الدمشقي (ت829هـ): فقيه، ورع، من أهل دمشق، ووفاته بها ... وله تصانيف كثيرة، منها: كفاية الأخبار، شرح به الغاية في فقه الشافعية، ودفع شبه من شبّه وتمرّد ))(11).
وقد فرح عندما سمع باسم الزركلي، وقال: كم جميل عندي بأن لك معرفة بكتاب الزركلي، وأنّك قد استفدت منه، فهو كتاب جيد.
قلت: هناك من ذّم ابن تيمية، وهم غير الحصني الدمشقي، من قبيل: ابن حجر، والذهبي.
وفي هذا الوقت كان قد اقترب وقت السحور، فودع بعضنا بعضاً، وذهبنا على أمل اللقاء بأحد علماء أهل السنة الكبار في مكة المكرمة.
وبعد ليلتين، التقيت بالأخ جحوني الخبري في جوار بيت الله الحرام، وقال: إني التقيت بالشيخ محمد بن جميل بن زينو _ وهو من كبار الأساتذة في مكة المكرمة يدرس في دار الحديث إلى جانب البيت الحرام ـ وقد تذاكرنا ما دار بيننا، فيما يتعلق بأسئلتكم وأخذت منه موعداً للالتقاء به لكي يجيب عن أسئلتكم.
وذهبت معه إلى مكتب الاتصالات الكائن في باب عمر بن عبد العزيز، حيث تعرفنا على الشيخ محمد المتخرج من جامعة أم القرى وعضو في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في بيت الله، وقد أهدى لي الكثير من كتب الشيخ محمد بن جميل بن زينو التي كان قد بعثها الشيخ، وقال: طالع هذه الكتب، وسوف نلتقي بكم في الليلة القادمة بعد الانتهاء من صلاة التراويح، لنذهب عند الشيخ محمد بن جميل بن زينو.

____________
(1) صحيح البخاري: ج7 ص28، كتاب الرقاق، باب الحوض.
(2) صحيح البخاري: ج7 ص28، كتاب الرقاق، باب الحوض.
(3) صحيح البخاري: ج7 ص28؛ صحيح مسلم: 7 ص66.
(4) ابن حزم، المحلى: ج11 ص224
(5) تاريخ الثقات: ص465، رقم 1773؛ طبقات ابن سعد: ج6 ص354؛ كتاب الثقات: ج5 ص492.
(6) الجرح والتعديل: ج8 ص9، رقم 34؛ تهذيب الكمال: ج35 ص31؛ تاريخ الإسلام: ج9 ص661.
(7) ابن كثير، البداية والنهاية: ج25 ص5.
(8) تقي الدين الحصني الدمشقي، دفع الشبه عن الرسول: ص168.
(9) البدر الطالع: ج1 ص166.
(10) عمر رضا كحالة، معجم المؤلفين: ج3 ص74.
(11) خير الدين الزركلي، الأعلام: ج2 ص69؛ وراجع: ترجمة: بهجة الناظرين: ج1 ص97، ج2 ص98؛ فهرس المؤلفين بالظاهرية؛ الشوكاني، البدر الطالع: ج1 ص166؛ ابن العماد، شذرات الذهب: ج7 ص188ـ 198؛ حاجي خليفة، كشف الظنون: ص23، 487، 491، 558، 113، 132، 1193، 1365، 1625، 1875، 1915، 239.

أضف تعليق