روى الحسن بن سليمان الحلي بالاسناد عن الاَصبغ بن نباتة، قال: إنّ عبدالله بن الكواء اليشكري قام إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين، إنَّ أبا المعتمر تكلّم آنفاً بكلام لا يحتمله قلبي.
فقال عليه السلام: «وما ذاك ؟
قال: يزعم أنك حدّثته أنّك سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: إنّا قد رأينا أو سمعنا برجل أكبر سناً من أبيه ؟
فقال أمير المؤمنين عليه السلام: فهذا الذي كبر عليك ؟
قال: نعم، فهل تؤمن أنت بهذا وتعرفه ؟
فقال عليه السلام: نعم، ويلك يا ابن الكواء، إفقه عني أُخبرك عن ذلك، إنّ عزيراً خرج من أهله وامرأته في شهرها، وله يومئذٍ خمسون سنة، فلمّا ابتلاه الله عزَّ وجلَّ بذنبه أماته مائة عام ثم بعثه، فرجع إلى أهله وهو ابن خمسين سنة، فاستقبله ابنه وهو ابن مائة سنة، وردَّ الله عزيراً في السنَّ الذي كان به.
فقال: أسألك ما نريد ؟
فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: سل عمّا بدا لك.
فقال: نعم، إنَّ أُناساً من أصحابك يزعمون أنّهم يردّون بعد الموت.
فقال أمير المؤمنين عليه السلام: نعم، تكلم بما سمعت ولا تزد في الكلام، فما قلت لهم ؟
قال: قلت: لا أُؤمن بشيء ممّا قلتم.
فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: ويلك إنَّ الله عزَّ وجلَّ ابتلى قوماً بما كان من ذنوبهم، فأماتهم قبل آجالهم التي سمّيت لهم ثم ردَّهم إلى الدنيا ليستوفوا أرزاقهم، ثمّ أماتهم بعد ذلك.
قال: فكبر على ابن الكواء ولم يهتد له، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: ويلك تعلم أنّ الله عزَّ وجلَّ قال في كتابه: (واختارَ موسى قومَهُ سَبعِينَ رجُلاً لِميقَاتِنَا)(1)فانطلق بهم معه ليشهدوا له إذا رجعوا عند الملاَ من بني إسرائيل إنَّ ربي قد كلمني، فلو أنهم سلّموا ذلك له، وصدّقوا به، لكان خيراً لهم، ولكنهم قالوا لموسى عليه السلام: (لن نُؤمِنَ لكَ حتى نرى الله جهرةً) قال الله عزَّ وجلَّ (فاخذتكُم الصَّاعِقَةُ) يعني الموت (وأنتم تنظُرون * ثُمَّ بعثناكُم من بعدِ موتكم لعَلكم تشكُرونَ)(2).
أفترى يا ابن الكواء أنَّ هؤلاء قد رجعوا إلى منازلهم بعدما ماتوا ؟
فقال ابن الكواء: وما ذاك، ثمَّ أماتهم مكانهم ؟
فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: ويلك، أوليس قد أخبرك الله في كتابه حيث يقول: (وظَللنَا عليكُمُ الغَمامَ وأنزَلنا عليكُمُ المنَّ والسَّلوى)(3)فهذا بعد الموت إذ بعثهم، وأيضاً مثلهم يابن الكواء الملاَ من بني إسرائيل حيثُ يقول الله عزَّ وجل: (ألم ترَ إلى الَّذينَ خرجُوا مِن دِيارِهِم وهُم ألوفٌ حذَرَ الموتِ فقالَ لهُم اللهُ موتُوا ثُمَّ أحياهُم)(4).
وقوله أيضاً في عزير حيثُ أخبر الله عزَّ وجلَّ فقال: (أو كالَّذي مَرَّ على قريةٍ وهي خاويةٌ على عروشها قالَ أنى يُحيي هذهِ اللهُ بعدَ موتِها فأماتَهُ اللهُ) وأخذه بذلك الذنب (مائةَ عامٍ ثُمَّ بَعثَهُ) وردّه إلى الدنيا (قالَ كم لَبثتَ قالَ لبثتُ يوماً أو بعضَ يومٍ قالَ بل لبثتَ مائةَ عامٍ)(5)فلا تشكنَّ يا ابن الكواء في قدرة الله عزَّ وجل»(6).
____________
(1) سورة الاعراف 7: 155.
(2) سورة البقرة 2: 55 ـ 56.
(3) سورة البقرة 2: 57.
(4) سورة البقرة 2: 243.
(5) سورة البقرة 2: 259.
(6) مختصر بصائر الدرجات، للحسن بن سليمان: 22. وبحار الاَنوار 53: 72 | 72. والايقاظ من الهجعة: 185 | 42. والرجعة، للاسترآبادي: 49 | 23.
1 ـ احتجاج أمير المؤمنين علي عليه السلام
- الزيارات: 919