(1)روى الشيخ المفيد قدس سره عن الحارث بن عبيدالله الربعي، أنه قال: كنت جالساً في مجلس المنصور، وهو بالجسر الاَكبر، وسِوار القاضي عنده والسيد الحميري ينشده:
إنَّ الاِله الذي لا شيء يشبهه * آتاكم الملك للدنيا وللدين
حتى أتى على القصيدة والمنصور مسرور، فقال سِوار: هذا والله ياأمير المؤمنين يعطيك بلسانه ما ليس في قلبه، والله إنّ القوم الذين يدين بحبّهم لغيركم، وإنّه لينطوي في عداوتكم، إلى أن قال: يا أميرالمؤمنين، إنّه يقول بالرجعة، ويتناول الشيخين بالسبّ والوقيعة فيهما.
فقال السيّد: أمّا قوله بأنّي أقول بالرجعة، فإنّ قولي في ذلك على ما قال الله تعالى: (ويومَ نَحشُرُ مِن كُلِّ أُمّةٍ فَوجاً مِمن يُكذِّبُ بآيَاتِنا فَهُم يُوزعُونَ)(2).
وقال: قال في موضع آخر: (وحشرناهُم فَلَم نُغَادِر مِنهُم أحَداً)(3) فعلمت أنّ هاهنا حشرين: أحدهما عامّ، والآخر خاصّ.
وقال سبحانه: (ربَّنا أمَتَّنا اثنَتَينِ وأحييتَنا اثنَتينِ فاعتَرفنا بِذُنُوبِنَا فَهَل إلى خُرُوجٍ مِن سَبيلٍ)(4)، وقال الله تعالى: (فأماتَهُ اللهُ مائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ)(5) وقال الله تعالى: (ألم ترَ إلى الَّذينَ خَرجُوا من دِيارِهِم وهُم ألُوفٌ حَذَرَ المَوتِ فقَالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أحيَاهُم)(6)، فهذا كتاب الله عزَّ وجلَّ.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «يحشر المتكبّرون في صور الذرّ يوم القيامة». وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «لم يجرِ في بني إسرائيل شيء إلاّ ويكون في أُمّتي مثله حتى المسخ والخسف والقذف». وقال حذيفة: والله ما أبعد أن يمسخ الله كثيراً من هذه الاُمّة قردة وخنازير.
فالرجعة التي أذهب إليها، هي ما نطق به القرآن، وجاءت به السُنّة، وأنّي لاَعتقد أنّ الله تعالى يردّ هذا ـ يعني سِواراً ـ إلى الدنيا كلباً أو قرداً أو خنزيراً أو ذرّة، فإنّه والله متكبّر متجبّر كافر.
فضحك المنصور وأنشأ السيد يقول:
جاثيت سوّاراً أبا شملة * عنـد الاِمـام الحـاكم العادلِ
فقـال قـولاً خـطـأ كـلـّه * عند الورى الحافي والناعلِ
حتى أتى على القصيدة، قال: فقال المنصور: كفّ عنه. فقال السيد: يا أمير المؤمنين، البادىء أظلم، يكفّ عني حتى أكفُّ عنه.
فقال المنصور لسِوار: تكلّم بكلام فيه نَصَفة، كفّ عنه حتى لايهجوك(7).
____________
(1) هو إسماعيل بن محمد بن يزيد الحميري، أبو هاشم، شاعر إمامي متقدم، أكثر شعره في مدح آل البيت عليهم السلام، كان ثقة جليل القدر، عظيم المنزلة، لقي الاِمام الصادق عليه السلام، وعدّه أبو عبيدة من أشعر المحدثين، وجعله أبو الفرج ثالث ثلاثة هم أكثر الناس شعراً في الجاهلية والاِسلام. ولد في نعمان سنة 105 هـ ومات ببغداد سنة 173 هـ.
(2) سورة النمل 27: 83
(3) سورة الكهف 18: 47.
(4) سورة غافر 40: 11.
(5) سورة البقرة 2: 259.
(6) سورة البقرة 2: 243.
(7) الفصول المختارة، للسيد المرتضى: 93 ـ 95.
3 ـ احتجاج السيد الحميري قدس سره
- الزيارات: 1050