قلتم:
منهج أهل السنّة في قبول الروايات منهج حازم فإنّهم قد دوّنوا تراجم جميع الرواة وحكموا عليهم من خلال مرويّاتهم، فما قبله ميزان الجرح والتعديل قبلوه، وما خالفه ردّوه، وهذه قاعدة من خالفها أعادوه إليها.
ولا يوجد لدى أهل التشييع مثل ذلك.
وبإمكانك أن تأخذ عدداً من أوّل أيّ كتاب من كتب التراجم لدى أهل السنّة وعدداً مماثلا من كتب التراجم عند الشيعة وقارن بين المعلومات المدوّنة عندهما... ثمّ أخذتم بمقارنة كتاب تهذيب الكمال مع كتاب مجمع الرجال.
أقول:
إنّ الكتب المؤلّفة في علم الرجال عند الفريقين مختلفة ومتنوعة، بعضها مختصرة يختصّ بذكر الراوي ووثاقته أو ضعفه فقط، من دون ذكر مشايخه وتلاميذه ومؤلّفاته وتاريخ ولادته ووفاته، كالتاريخ الكبير للبخاري المتوفّى سنة 256 هـ، حيث اكتفى في كثير من التراجم بذكر الرجل فقط كما في ترجمة:
1ـ إبراهيم بن إسحاق، سمع الحسن قوله، سمع منه الوليد بن أبي الوليد.
2ـ إبراهيم بن إسحاق عن طلحة بن كيسان روى عنه علي بن أبي بكر.
3ـ إبراهيم أبو إسحاق عن ابن جريح سمع منه وكيع، معروف الحديث.
منها: كتاب (تاريخ الثقات) للعجلي المتوفى سنة 261 هـ.
منها: كتاب (تاريخ أسماء الثقات) لابن شاهين المتوفى سنة 385 هـ.
منها: كتاب (الضعفاء والمتروكين) لابن الجوزي المتوفى سنة 597 هـ. وغير ذلك من الكتب.
كما أنّ بعض الكتب المؤلفّة في علم الرجال مفصّلة، كتاريخ بغداد للخطيب المتوفى سنة 463 هـ، وتهذيب الكمال للمزّي المتوفى سنة 742 هـ وسير أعلام النبلاء، للذهبي المتوفى سنة 748 هـ وغيرها.
أمّا الكتب الرجاليّة عند الشيعة فهي أيضاً فيها ما هو مختصر كرجال البرقي المتوفى سنة 274 هـ، ورجال ابن داود المتوفى سنة 77 هـ، وخلاصة الأقوال للعلاّمة الحلّي المتوفى سنة 726 هـ.
ومتوسّط كرجال الشيخ الطوسي المتوفى سنة 46 هـ، المتضمّن لكلّ من روى عن الأئمّة المعصومين (عليهم السلام) وكتاب الفهرست له، ورجال النجاشي المتوفى سنة 45 هـ، المختصّان بذكر كلّ من له كتاب، ورجال الكشّي المتوفّى بعد سنة 3 هـ، المختصّ بذكر الروايات الواردة في حقّ الراوي مدحاً وذمّاً، ومنهج المقال للاسترابادى المتوفى سنة 128 هـ، ونقد الرجال للتفرشي 144.
ومفصّل كجامع الرواة للأردبيلي المتوفّى 11هـ، وتنقيح المقال للمامقاني المتوفّى سنة 1351 هـ، وأعيان الشيعة للسيّد الأمين المتوفّى سنة 1371 هـ، ومعجم رجال الحديث للسيّد الخوئي المتوفّى سنة 1414 هـ.
أيّها الأخ العزيز من أراد المقارنة بين كتابين فلابدّ أن تكون بين كتابين في مستوى واحد، والمقايسة بين كتاب مختصر ومفصّل في فنّ واحد، بعيد عن الإنصاف.
فعلى هذا إذا أردتم المقارنة، فخذ كتاب تهذيب الكمال وكتاب معجم رجال الحديث، فقايس بينهما؛ وسوف يتبيّن لكم أنّ في معجم الرجال مميّزات لا توجد لا في تهذيب الكمال ولا في غيره من الكتب الرجاليّة لأهل السنّة.
ولا بأس أن نشير إلى بعض مختصّات هذا الكتاب:
1ـ ذكر في بداية الكتاب مقدمّة في الفوائد الرجاليّة التي لا غنى للباحث الباحث عنها.
2ـ قد نقل في ترجمة كلّ رجل، نصّ كلمات الرجاليّين القدامى كالنجاشي والكشّي والطوسي والعلاّمة وابن داود والبرقي بحيث يستغني الباحث عن مراجعة هذه الكتب.
3ـ تصدّى لذكر ما يستدلّ به على وثاقة الراوي أو ضعفه بنمط علميّ دقيق بعد نقل كلّ ما ذكر من الأدلّة والقرائن والمناقشة فيهما.
وإن لم يرد في حقّ راو توثيق ولا تضعيف، سكت عنه، وعنى بهذا أنّه مجهول الحال.
4ـ ذكر في الرواة المشتركة بين الثقة وغيره، كلّ ما يحصل به التمييز: من الراوي والمرويّ عنه، وقرائن الزمان، وممارسة الأسانيد وملاحظتها.
5ـ ذكر ما كان للراوي من الأسماء والعناوين المتعدّدة الواقعة في الكتب الروائيّة والرجاليّة تحت رقم مستقلّ مع الإشارة عند كلّ اسم أو عنوان إلى أنّه متّحد مع الاسم أو العنوان الآخر أو محتمل الإتّحاد مع آخر.
كما قال في أحمد بن محمد بن خالد بأنّه متّحد مع:
أحمد بن محمد بن خالد البرقي
أحمد بن محمد البرقي
أحمد بن محمد بن أبي عبد اللّه
أحمد بن أبي عبد اللّه.
أحمد بن أبي عبد اللّه البرقي
ابن البرقي.
البرقي(1).
6ـ ذكر عند ترجمة كلّ راو، شيوخه وتلاميذه كافّة مضافاً إلى عدد وروده في أسانيد الروايات، كما قال في أحمد بن محمد بن خالد: "وقع بعنوان أحمد بن محمد بن خالد في أسناد جملة من الروايات تبلغ زهاء ثمانمائة وثلاثين مورداً:
فقد روى عن أبي إسحاق الخفّاف، وأبي البختري، وأبي الجوزاء و... وروى عنه سعد بن عبد اللّه، وسهل بن زياد، وعلى بن إبراهيم و..."(2).
كذا قال في ذكر هذا الراوي بعنوان أحمد بن أبي عبد اللّه: "وقع بهذا العنوان في أسناد كثير من الروايات تبلغ ستّمائة رواية: روى عن أبي الحسن الرضا(عليه السلام)، وأبي أيّوب المديني و... وروى عنه أبو علي الأشعري، وأحمد بن إدريس و..."(3).
7ـ ذكر في آخر كلّ مجلّد، تحت عنوان (تفصيل طبقات الرواة): عنوان كلّ راو كثير الرواية، مع تعيين مواضع رواياته في الكتب الأربعة، (من الجزء ورقم الحديث أو الكتاب والباب) وجميع من روى عنه هذا الراوي، وروى عن هذا الراوي; بحيث يحصل به التمييز الكامل بين المشتركات غالباً.
8ـ أشار إلى اختلاف النسخ والكتب في أسامي الرواة وعناوينهم وما وقع فيها من التصحيف والتحريف وأثبت الصحيح منها استناداً إلى أدلّة مقنعة.
أخوك:
د. الحسيني القزويني
1/ شعبان المعظم/ 1424هـ
الصفحة 206
____________
(1) راجع: معجم رجال الحديث: ج2 ص260 رقم 857 و858. و226 رقم 789 و30 رقم 412.
(2) معجم رجال الحديث: ج2 ص266.
(3) معجم رجال الحديث: ج2 ص30.
مقارنة منهج أهل السنّة في قبول الروايات مع منهج الشيعة
- الزيارات: 1020