• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

ثانياً: الآيات الذامة لبعض نساء النبي(صلى الله عليه وآله)


إنّ قولكم: "وأمهات المؤمنين (رض) لم يرد فيهن ذم" لا يصدر من أُستاذ فاضل مثلكم، درس ودرّس العلوم الإسلامية فترة طويلة من الزمن في الجامعات الدينية والأكاديمية، لأنه لا يخفى على فضيلتكم أن هناك آيات مباركة عديدة، صريحة الدلالة في ذم وتوبيخ وتهديد بعض نساء النبي(صلى الله عليه وآله) بأشد عبارات الذم وأغلظها، ونشير فيما يلي إلى بعض تلك الآيات على سبيل الاختصار:

1ـ قوله تعالى: {إِن تَتُوبَا إلى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فإن اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ * عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ}(1).
إنّ هاتين الآيتين نزلتا في عائشة وحفصة باتفاق المفسرين والمحدثين، وذكروا أنهما قد آذيتا النبي(صلى الله عليه وآله) وتعاونتا على معصيته وإغضابه، فاعتزلهن مدة من الزمن، فأنزل الله تعالى هذه الآيات المباركة تطالبهن بالتوبة على فعلتهن، وفي غير هذا الحال فقد توعدهن الله تعالى وهددهن بالتظاهر عليهن وتطليق النبي(صلى الله عليه وآله) لهن، وهذا البيان في الآيات المباركة بالإضافة إلى تضمنه الذم والتقريع والوعيد لهما، فإن ما ذكره المفسرون في سبب نزول الآيات صريح في إيذاء حفصة وعائشة للنبي(صلى الله عليه وآله) ومعصيتهما له، وقد قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًاً}.
قال السمرقندي في تفسيره:
"{وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْه} يعني: تعاونا على أذاه ومعصيته، فيكون مثلكما كمثل امرأة نوح وامرأة لوط، تعملان عملاً تؤذيان بذلك رسول الله(صلى الله عليه وآله)"(2).
وقال القرطبي في تفسيره:
"{وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْه} أي: تتظاهرا وتتعاونا على النبي(صلى الله عليه وآله) بالمعصية والإيذاء"(3).
وأخرج مسلم في صحيحه بسنده عن عمر بن الخطاب (رض)، قال:
"فدخلت على عائشة، فقلت: يا بنت أبي بكر، أقد بلغ من شأنك أن تؤذي رسول الله(صلى الله عليه وآله)؟ فقالت: مالي ومالك يا بن الخطاب، عليك بعيبتك، قال: فدخلت على حفصة بنت عمر، فقلت لها: يا حفصة، أقد بلغ من شأنك أن تؤذي رسول الله، والله لقد علمت أن رسول الله(صلى الله عليه وآله) لا يحبك، ولولا أنا لطلقك"(4).

2ـ قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُون}(5).
قال القرطبي في تفسيره لقوله تعالى: {وَلا نِسَاء مِّن نِّسَاء}.
"قال المفسرون: نزلت في امرأتين من أزواج النبي(صلى الله عليه وآله) سخرتا من أم سلمة، وذلك أنها ربطت خصريها بسبيبة وهي ثوب أبيض، ومثلها السب، وسدلت طرفيها خلفها فكانت تجرها، فقالت عائشة لحفصة: انظري ما تجر خلفها كأنه لسان كلب، فهذه كانت سخريتهما.
وقال أنس وابن زيد: نزلت في نساء النبي(صلى الله عليه وآله) عيرن أم سلمة بالقصر، وقيل: نزلت في عائشة أشارت بيدها إلى أم سلمة، يا نبي الله إنها لقصيرة، وقال عكرمة عن ابن عباس: إن صفية بنت حيي بن أخطب أتت رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فقالت: يا رسول الله، إن النساء يعيرنني ويقلن لي يا يهودية بنت يهوديين، فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله): هلا قلت: إن أبي هارون وإن عمي موسى وإن زوجي محمد"(6).
والآية المباركة كما هو واضح تضمنت جملة من ألفاظ الذم والتهكم والنهي والتهديد والتوعّد بسوء العاقبة، حيث عبرت بلفظ (بئس) الذي هو من أساليب الذم في اللغة العربية، ونهت الذين نعتتهم بالإيمان عما بدر منهم من السخرية واللمز والتنابز بالألقاب وأسماء الفسوق وأمرتهم بالتوبة، وتوعدتهم أن يكونوا مع الظالمين إن لم يكفّوا عن فعلهم الشنيع.
ولا أجد أسلوباً أشد من هذه الأساليب في بيان ذم الشخص وتوبيخه، ولو أنكرنا دلالة هذه التعابير على الذم والتوبيخ فإنه لا يثبت لنا ذم لفاسق أو منافق أو كافر في القرآن الكريم؛ لأن الآيات التي وردت في ذمهم وتقريعهم لا تتجاوز هذه الألفاظ الواردة في هذه الآيات المباركة في حق نساء النبي(صلى الله عليه وآله) وبعض الصحابة.
قال الفخر الرازي في تفسيره:
"{وَمَن لَّمْ يَتُبْ} أمرهم بالتوبة عما مضى وإظهار الندم عليها مبالغة في التحذير وتشديداً في الزجر"(7).
وقال البيضاوي في تفسيره أيضاً:
"{فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} بوضع العصيان موضع الطاعة وتعريض النفس للعذاب"(8).
وقال الشوكاني في تفسيره:
"{وَمَن لَّمْ يَتُبْ} عما نهى الله عنه {فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} لارتكابهم ما نهى الله عنه وامتناعهم عن التوبة، فظلموا من لقّبوه، وظلمهم أنفسهم بما لزمهم من الإثم"(9).
وهناك آيات أخرى تصرح بعصيان بعض نساء النبي وإيذائهن لرسول الله(صلى الله عليه وآله) وذم الله عز وجل لهن(10).
وقد أكد هذا المعنى الكثير من الروايات المتضافرة التي تنص على إيذاء عائشة لرسول الله(صلى الله عليه وآله) في مواطن كثيرة، فلطالما آذته في التجاوز على من يحب من نسائه حسداً منها، فقد كانت تذم خديجة (عليها السلام) وتتهجم عليها بألفاظ قاسية وهي لم ترها، كل ذلك حسداً منها لما تراه من منزلة ومحبة خاصة لخديجة في قلب النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله)، وكان ذلك يؤذي رسول الله(صلى الله عليه وآله) ويغضبه، وهذا ما أخرجه المحدثون في مجامعهم بأسانيد معتبرة.
فقد أخرج أحمد في مسنده بسند صحيح عن عائشة، قالت: "ذكر رسول الله(صلى الله عليه وآله) يوماً خديجة فأطنب في الثناء عليها، فأدركني ما يدرك النساء من الغيرة، فقلت: لقد أعقبك الله يا رسول الله من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين، قالت: فتغير وجه رسول الله تغيراً لم أره تغير عند شيء قط إلا عند نزول الوحي وعند المخيلة(11) حتى يعلم رحمة أو عذاب"(12).
وفي لفظ آخر: "فتمعّر(13) وجهه تمعراً ما كنت أراه إلا عند نزول الوحي أو عند المخيلة حتى ينظر أرحمة أم عذاب"(5)،
وقد أخرجه الحاكم في المستدرك أيضاً، وقال: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه" وتعقبه الذهبي قائلاً: "على شرط مسلم"(1)، وقال الهيثمي: "رواه أحمد وإسناده حسن"(2)، وقال ابن كثير في تعليقه على سند الحديث:
"وهذا إسناد جيد"(3)، والحديث رواه البخاري(4)، ومسلم(5)،
وابن حبان(6)، وغيرهم بألفاظ مختلفة.
فهذه الآيات الشريفة وغيرها والأحاديث النبوية الصحيحة تبين لنا مدى المعاناة التي كان يكابدها النبي(صلى الله عليه وآله) والأذى الذي كان يتحمله من المقربين إليه في منزله، والذي يعتبر من أعظم الأذى عليه، بل هو يعتبر أيضاً ترجمة حية للحديث النبوي الشريف المعروف: "ما أوذي أحد ما أوذيت في الله"(7).

____________
(1) التحريم: 4ـ 5.
(2) السمرقندي، تفسير السمرقندي: ص446.
(3) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن: ج18 ص189، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.
(4) مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم: ج2 ص1105، كتاب الطلاق، باب الإيلاء ح 1479، دار الفكر ـ بيروت.
(5) الحجرات: 11.
(6) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن: ج16 ص326.
(7) الفخر الرازي، تفسير الفخر الرازي: ج28 ص133.
(8) البيضاوي، تفسير البيضاوي: ج5 ص218، دار الفكر ـ بيروت.
(9) الشوكاني، فتح القدير: ج5 ص64، عالم الكتب.
(10) الأحزاب: 28ـ 30، راجع الطبري والقرطبي وغيرهما في تفسير هذه الآيات.
(11) المخيلة: السحابة المخيلة والمخيل والمختالة التي تحسبها ماطرة، الفيروز آبادي، القاموس المحيط: ج3 ص372.
(12) أحمد بن حنبل، المسند: ج17 ص542، دار الحديث ـ القاهرة، تحقيق: حمزة أحمد الزين، وقد حكم على الحديث بأن إسناده صحيح.
(13) تمعر: وتمعر لونه عند الغضب: تغير، الجوهري، الصحاح: ج2 ص818.
(14) أحمد بن حنبل، المسند: ج17 ص532، دار الحديث ـ القاهرة، تحقيق: حمزة أحمد الزين، وقد حكم على الحديث بأن إسناده صحيح.
(15) الحاكم، المستدرك على الصحيحين مع تعليقات الذهبي في التلخيص: ج4 ص318، دار الكتب العلمية ـ بيروت.
(16) الهيثمي، مجمع الزوائد: ج9 ص224، دار الكتب العلمية ـ بيروت.
(17) ابن كثير، البداية والنهاية: ج3 ص158، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.
(18) البخاري، صحيح البخاري: ج2 ص444، ح3750، دار الفكر ـ بيروت.
(19) مسلم، صحيح مسلم: ج4 ص1889، كتاب الفضائل ح2437، دار الفكر ـ بيروت.
(20) ابن حبان، صحيح ابن حبان: ج15 ص468، الأحاديث مذيلة بأحكام شعيب الأرنؤوط، وقال في حكمه على الحديث: إسناده صحيح على شرط مسلم.
(21) الألباني، صحيح الجامع الصغير: ج2 ص976، نشر المكتب الإسلامي، وقال عنه الألباني: حسن.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page