لقد استغربت كثيراً من قولكم: نعم، وردت آيات عتاب لا تنقص من مكانتهم التي ثبتت في عشرات الآيات المادحة، وتسمية ذلك ذماً من أعجب الكلام، فليس كل عتاب في القرآن يكون ذماً.
فإنه مما تقدم اتضح أن الآيات المباركة استعملت أشد ألفاظ الذم والتوبيخ والتهديد في حق جملة من الصحابة وبعض نساء النبي(صلى الله عليه وآله)، وذلك كالحكم على بعضهم بالارتداد والخسران المبين والمقت والغضب والطرد عن رحمة الله تعالى واللعن في الدنيا والآخرة، وغير ذلك مما تقدم من ألفاظ الذم والتقريع، التي لا يمكن حملها على مجرد العتاب واللوم، بل إن حمل تلك الألفاظ الشديدة على العتب والملامة الخفيفة تحكّم وبلا دليل.
ويضاف إلى ذلك ما ذكرناه من أن العتاب ذاته قد يتضمن في كثير من الأحيان الذم والتوبيخ، ويفهم ذلك من الكلام الصادر في مقام العتاب المشتمل على ألفاظ الذم، وكذا يفهم من مقام حال المتكلم والظرف والواقعة التي صدر الكلام لبيانها والحكم عليها، ولا يخفى ذلك على من لاحظ الاستعمالات العربية في هذا المجال، حيث يرادف في كثير من الأحيان بين لفظ العتاب وألفاظ الذم والتوبيخ والتقريع، وقد قلتم في تقرير هذه الحقيقة: "فليس كل عتاب في القرآن يكون ذماً" مما يعني أن بعض العتاب قد يكون ذماً أيضاً، وهو ما أثبتناه في الآيات السابقة في حق بعض الصحابة ونساء النبي(صلى الله عليه وآله)، وصرح به القرطبي أيضاً فيما تقدم من كلامه.
ثالثاً: العتاب المتضمن للذم والتوبيخ
- الزيارات: 858