• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

ثانياً: لا يوجد عتاب للنبي(صلى الله عليه وآله) في القرآن الكريم


نحن نعتقد أن الموارد التي ذكرتها في حق النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) خالية عن كل أشكال العتاب واللوم في حقه، وإنما العتاب فيها متوجه إلى مخاطبين آخرين كالصحابة وغيرهم.

1ـ آيات العتاب على الأعمى
أما بالنسبة إلى مسألة الأعمى في قوله تعالى: {عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَن جَاءهُ الأَعْمَى} (1)، فإن مذهب أهل البيت(عليهم السلام) في تفسير هذه الآية مبني على أن المخاطب بالآيات المباركة شخص آخر كان حاضراً في المجلس، والشواهد على ذلك من نفس الآيات المباركة كثيرة جداً:
منها: إن الصفات المذكورة في الآيتين الكريمتين تضمّنت بعض الصفات الأخلاقية الذميمة، التي لا يمكن أن يكون النبي(صلى الله عليه وآله) هو المعني بها؛ لأن العبوس والصدّ عن الفقراء مع الإقبال على الأغنياء ـ كما هو صريح الآيات اللاحقة في السورة المباركة ـ ليس من صفات النبي(صلى الله عليه وآله) ولا تشبه أخلاقه الكريمة وتحننه وعطفه وسماحته مع أصحابه.
ومنها: إنّ الله تعالى قد أشاد بخلق النبي(صلى الله عليه وآله) وعظمه، إذ قال قبل نزول سورة عبس: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، فهذه الآية نزلت في بداية البعثة المباركة، فكيف يعقل أن يعظم الله خلقه في أول بعثته بإطلاق القول في ذلك، ثم يعود ثانية فيعاتبه عتاباً شديداً على سوء بعض أعماله وصفاته الخلقية ويذمه على ذلك؟!
ومنها: ما ورد أيضاً في قوله تعالى: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ * وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}(2)، وهذه الآية بقرينة ورودها في سياق إنذار العشيرة تكون نازلة في أوائل الدعوة الإسلامية، وكذلك قال تعالى في آية أخرى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ}(3)، وقد نزلت هذه الآية في بداية الدعوة العلنية للإسلام، وعليه فكيف يتصور أنه(صلى الله عليه وآله) خالف تلك الأوامر الإلهية بالعبوس في وجوه المؤمنين والإعراض عنهم والإقبال على المشركين، الذي يتنافى مع خفض الجناح للمؤمنين والإعراض عن المشركين، وقد أُمر(صلى الله عليه وآله) بهما؟!
مضافاً إلى أن الإعراض عن الفقراء وتقطيب الوجه في استقبالهم مع الإقبال على الأغنياء من المشركين قبيح لدى العقل والعقلاء ومناف لكرائم الخلق الإنساني، ولا نحتاج لبيان وجوب التجنب عنه إلى نهي صريح في القرآن الكريم، فكيف يخالف النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) ويرتكب أمراً واضح القبح والذم عند العقل والعقلاء.
فالصفات الذميمة التي سطرتها الآيات العشر الأول من سورة (عبس)، إنما هي من فعل شخص ثالث كان جالساً بحضرة النبي(صلى الله عليه وآله)، وقد خاطبه الله تعالى بالذم والعتاب الشديد، تارة بتوجيه الخطاب إليه مباشرة عن طريق ضمير الغائب، وأخرى بتوجيه الخطاب إليه عن طريق مخاطبة النبي(صلى الله عليه وآله)؛ لتشديد الإنكار عليه ولبيان أنه لا يستحق أن يخاطبه الله تعالى مباشرة، وإن كان الخطاب في سياق الذم.
وقد نص على هذه الحقيقة بعض المفسرين وغيرهم من أعلام الطائفة السنية(4).

2ـ آيات العتاب على الأسرى
وأما مسألة الأسرى في قوله تعالى: { مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}(5)،
فالعتاب فيها أيضاً غير متوجه إلى النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله)، وإنما هو متوجه إلى بعض صحابة النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله)؛ وذلك لأن ظاهر الآية المباركة هو العتاب على أخذ الأسرى لا على أخذ الفدية منهم، حيث جاء التعبير فيها بـ {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} ولا توجد أي دلالة فيها على أخذ الفدية، كي يعود العتاب على النبي(صلى الله عليه وآله)، وبقرينة ضمير الجمع في قوله: {تُرِيدُونَ} يظهر من الآية المباركة أنها وردت في مقام تنبيه المسلمين على نقطة مهمة في الحرب، وهي أن عليهم أن لا يفكروا ولا ينشغلوا بأخذ الأسرى قبل اندحار العدو بالكامل، حيث كان بعض المقاتلين من المسلمين يسعون للحصول على أكبر عدد ممكن من الأسرى، لكي يأخذ منهم مبلغاً أوفر من المال بإزاء الإفراج عنهم، وهذا ما يشغل المسلمين عن القتال ويفسح المجال أمام العدو لجمع قواه ومعاودة القتال، كما وقع ذلك في غزوة أحد.
ومن هنا ألقت الآية باللوم على الذين خالفوا الأمر، قائلة: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ} بمعنى أن الاهتمام بالجانب المادي والغفلة عن الهدف النهائي وهو الانتصار على العدو، من المخاطر السيئة التي لابد أن يتنزه عنها المسلمون.
وقد أكد هذه الحقيقة جملة من علماء الطائفة السنية(6).

3ـ آيات العتاب في طلاق زيد لزوجته
وأما قضية زيد ومسألة زواجه وطلاقه في قوله تعالى: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ }(7)، فهي خالية من العتاب واللوم أيضاً؛ لأن هذه الآية المباركة تتعرض لمعالجة ظاهرة اجتماعية غير مشروعة في الإسلام كان يمارسها الناس في الجاهلية، وجروا عليها بعد البعثة أيضاً، وهي تحريم نكاح أزواج الأدعياء، وكان زيد بن حارثة دعيّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) وربيبه، وكانت زوجته زينب بنت جحش، فأوحى الله تعالى إلى نبيه الأكرم(صلى الله عليه وآله) أن زيد بن حارثة سيأتيه طالباً لطلاق زوجته، وأمره عز وجل أن يتزوجها بعد فراق زيد لها؛ ليكون ذلك ناسخاً لسنة من سنن الجاهلية في التحريم، فلما حضر زيد مخاصماً زوجته وعازماً على طلاقها، أشفق الرسول(صلى الله عليه وآله) من الإمساك عن وعظه وتذكيره، لاسيما وأنه كان المتصرف والقائم على تدبير أموره، خصوصاً وأن النبي(صلى الله عليه وآله) كان يعلم أن المرجفين من المنافقين سيسيئون له بالقول ويقذفونه بحبّه لزينب بنت جحش وأن التطليق كان بتدبيره، مضافاً إلى أن الناس كانت ترى أن الربيب كالابن الصلبي فيشنعون على من ينكح زوجة الربيب بعد تطليقه لها؛ ولذا قال النبي(صلى الله عليه وآله) لزيد: "أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ"، ولم يكن النبي(صلى الله عليه وآله) مأموراً بترك إبداء الموعظة لزيد، وكذا لم يكن مأموراً بإبداء ما أخبره الله تعالى به، من أن زينب ستكون من أزواجه، فلم تتضمن الآية أي عتاب أو استنكار على فعل خالف فيه نبي الإسلام أمراً من الأوامر الإلهية، وإنما تضمنت الآية نسخاً لسنة جاهلية وإخباراً عن وقوعها مع حفظ الله تعالى وعصمته لنبيه الأكرم ودينه الخاتم من كيد المنافقين.
وهذا ما أكده جملة من المفسرين، ففي تفسير القرطبي: "فإن قيل: كيف يأمره بالتمسك بها وقد علم أن الفراق لابد منه، أو هذا تناقض؟
قلنا: بل هو الصحيح للمقاصد الصحيحة لإقامة الحجة ومعرفة العاقبة، ألا ترى أن الله تعالى يأمر العبد بالإيمان وقد علم أنه لا يؤمن، فليس في مخالفة متعلق الأمر لمتعلق العلم ما يمنع من الأمر به عقلاً وحكماً، وهذا من نفيس العلم، فتيقّنوه وتقبّلوه"(8).
والمفسرون وغيرهم الذين نفوا وجود العتاب في هذه الآية كثيرون يمكن مراجعة أقوالهم(9)، والبحث في هذه الآية المباركة طويل وعميق موكول إلى محلّه.

4ـ آيات العتاب في تحريم الأزواج
وأما تحريم ما أحل الله سبحانه في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}(10)، فالعتاب فيها أيضاً متوجه إلى بعض نساء النبي(صلى الله عليه وآله)، والتحريم الذي تضمنته الآية ليس تحريماً شرعياً، بل هو قسم من قبل الرسول الكريم(صلى الله عليه وآله)، ومن المعروف أن القسم على ترك بعض المباحات ليس فيه ما يوجب العتاب، وقوله تعالى: {لِمَ تُحَرِّمُ} لم تأت كتوبيخ وعتاب للنبي(صلى الله عليه وآله)، وإنما هي نوع من الإشفاق والعطف، كما تقول لمن يجهد نفسه كثيراً لتحصيل العلم مثلاً: لماذا تتعب نفسك وتجهدها في تحصيل الخير؟ وكقوله تعالى:
{طه * مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى}(11) وليس في ذلك عتاب، بل عطف وإشفاق، والعفو والغفران الوارد في آخر الآية المباركة إنما هو لمن يتوب من زوجات الرسول بقرينة الآية اللاحقة وهي قوله تعالى: {إِن تَتُوبَا إلى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا}(12)، هذا هو نظر أهل البيت(عليهم السلام) في تفسير هذه الآية المباركة، فلا يصح الاستشهاد والتنظير بها لما ورد من ذم وتوبيخ بعض الصحابة.

____________
(1) عبس: 1ـ2.
(2) الشعراء: 214ـ215.
(3) الحجر: 94.
(4) لاحظ: الزركشي، البرهان: ج2 ص243؛ القاضي عياض، الشفا بتعريض حقوق المصطفى: ج2 ص167.
(5) الأنفال: 67.
(6) أبو حيان الأندلسي، تفسير البحر المحيط: ج4 ص514؛ القاضي عياض، الشفا بتعريف حقوق المصطفى: ج2 ص164ـ 165.
(7) الأحزاب: 37.
(8) القرطبي، تفسير القرطبي: ج14 ص169.
(9) لاحظ: تفسير الواحدي: ص866،؛ تفسير البغوي: ص354؛ القاضي عياض، الشفا بتعريف حقوق المصطفى: ج2 ص194.
(10) التحريم: 1.
(11) طه: 1ـ 2.
(12) التحريم: 4.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page