إنّ الذي يطالع كتاب التوحيد في البخاري ـ والذي جعله آخر الكتب ـ يجده مليئاً وحافلاً بالروايات الصريحة في التجسيم وإثبات الصورة والساق وغير ذلك لله تعالى، وهذا يعني فيما يعنيه محدودية الذات الإلهية والنقص والاحتياج وغير ذلك من الأمور التي تنافي التوحيد الإسلامي الأصيل، ذلك الأمر الذي تصدى لإبطاله ـ وتنزيه الباري تعالى عن الاتصاف به ـ كل علماء الإمامية وكثير من علماء الطائفة السنية(1).
وفيما يلي بعض النصوص الصريحة في التجسيم من روايات البخاري:
أ ـ قوله: "فيأتي الله فيقول: أنا ربكم؟ فيقولون: هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فإذا جاء ربنا عرفناه، فيأتيهم الله في صورته التي يعرفون، فيقول: أنا ربكم؟ فيقولون: أنت ربنا فيتبعونه"(2).
فإن هذه الرواية صريحة في إثبات الصورة لله تعالى وتلوّنها بألوان مختلفة.
وفي لفظ آخر: "فيقول: هل بينكم وبينه آية تعرفونه؟، فيقولون: الساق فيكشف عن ساقه، فيسجد له كل مؤمن"(3).

ب ـ "يقال لجهنم هل امتلأت؟ وتقول: هل من مزيد؟ فيضع الرب تبارك وتعالى قدمه عليها، فتقول: قط قط".
وفي لفظ آخر: "فأما النار فلا تمتلئ، حتى يضع رجله، فتقول: قط قط قط، فهنا تمتلئ"(4)، ولا أدري كيف ذلك؟ فهل تبقى رجل الرب خالدة في النار كي تبقى ممتلئة ـ والعياذ بالله ـ أم يخرجها منها؟!

ج ـ "يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة"(5).
وقال ابن الجوزي في تعليقه على روايات القدم والساق: "قلت: وذكر الساق مع القدم تشبيه محض"(6).

د ـ قوله: "ثم علا به [يعني الرسول] فوق ذلك بما لا يعلمه إلا الله، حتى جاء سدرة المنتهى، ودنا الجبار رب العزة فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى"(7).
قال ابن حجر في معرض تعليقه على هذا المقطع من الحديث:
"قال الخطابي: ليس في هذا الكتاب ـ يعني صحيح البخاري ـ حديث أشنع ظاهرًا ولا أشنع مذاقاً من هذا الفصل، فإنه يقتضي تحديد المسافة بين أحد المذكورين وبين الآخر وتمييز مكان كل واحد منهما، هذا إلى ما في التدلّي من التشبيه والتمثيل له بالشيء الذي تعلق من فوق إلى أسفل"(8).
ثم ذكر البخاري في تتمة الحديث ذاته قائلاً: "فعلا به إلى الجبار، فقال وهو مكانه: يا رب، خفف عنّا"(9).
قال ابن الجوزي بعد أن فهم التشبيه من مضمون الرواية: "فإن قيل: فقد أخرج في الصحيحين عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن أنس بن مالك أنه ذكر المعراج، فقال فيه: فعلا الجبار... الحديث.
فالجواب: إن أبا سليمان الخطابي قال: هذه لفظة تفرد بها شريك ولم يذكرها غيره وهو كثير التفرد بمناكير الألفاظ"(10).
هـ ـ وفيما يرويه عن النبي(صلى الله عليه وآله): "فأستأذن على ربي في داره فيؤذن لي عليه... ثم أعود فأستأذن على ربي في داره فيؤذن لي عليه، فإذا رأيته وقعت ساجداً... ثم أعود ثالثة فأستأذن على ربي في داره فيؤذن لي عليه، فإذا رأيته وقعت ساجداً"(11).
قال ابن حجر في الفتح: "قال الخطابي: هذا يوهم المكان والله منزه عن ذلك"(12)، ثم حاول بعد ذلك أن يؤول الحديث بما لا تحتمله عبارته.

____________
(1) لاحظ: شرح المقاصد، التفتازاني: ج4 ص43ـ 44؛ تمهيد الأوائل، الباقلاني: ص223ـ 224.
(2) البخاري، الجامع الصحيح: ج4 ص429، كتاب التوحيد ح7437، مكتبة الإيمان ـ المنصورة.
(3) البخاري، الجامع الصحيح: ج4 ص431، كتاب التوحيد ح7439.
(4) البخاري، الجامع الصحيح: ج4 ص434، كتاب التوحيد ح7449.
(5) البخاري، الجامع الصحيح: ج3 ص296، كتاب التفسير ح4919.
(6) ابن الجوزي، دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه: ص120، دار الإمام النووي ـ الأردن.
(7) البخاري، الجامع الصحيح: ج4 ص452، كتاب التوحيد ح7517.
(8) ابن حجر، فتح الباري: ج3 ص402.
(9) المصدر نفسه: ج3 ص402.
(10) ابن الجوزي، دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه: ص136.
(11) البخاري، الجامع الصحيح: ج4 ص432، كتاب التوحيد ح 7440.
(12) ابن حجر، فتح الباري: ج13 ص530.

أضف تعليق