قلتم في ص55: "أما في السنة: فإن الشيعة إذا جاء حديث يخالف معتقدهم طعنوا فيه، بل طعنوا في الصحابة الذين نقلوا السنة، ولم يبق منهم أحد لم يكفر أو يفسق إلا أربعة أشخاص.. أليس هذا باباً يأوي إليه كل زنديق يحارب الإسلام؟!"
قلت:
أولاً: إن هذه الدعاوى العائمة والأحكام الجاهزة لا تناسب من يدعي أنه أستاذ جامعي يعتمد الدليل والحجة والبرهان، فكان عليك أن تطلعنا على تلك الأحاديث التي طعنّا فيها وتركناها لأنها مخالفة لمعتقدنا، كما أننا أسلفنا القول في عدم طعننا في الصحابة، وأنه لم يكن غرض الشيعة ذلك، بل إن طعن الشيعة الأساس في نظرية عدالة الصحابة المطلقة التي أفرط السنة في التقعيد لها.
ثانياً: إننا لا نؤسس عقائدنا على ما نستقيه من مصادركم وكتبكم، وإنما لنا طريقنا الصحيح والشرعي إلى الكتاب وسنة رسول الله(صلى الله عليه وآله) وهم عترة النبي(صلى الله عليه وآله) من أهل بيته(عليهم السلام)، وذلك للأدلة والروايات الصحيحة والمتضافرة التي تسالمت عليها الأمة الإسلامية، وأشهرها وأصحها حديث الثقلين الذي أوصى فيه رسول الله(صلى الله عليه وآله) بالتمسك بالكتاب والعترة من بعده، ونحن قد أخذنا عقائدنا ومعالم ديننا من سنة رسول الله(صلى الله عليه وآله)، ولكن مصدرنا الأساس في ذلك هو ما ورد عن أهل بيت العصمة والطهارة، مضافاً إلى أننا نعتمد الكثير من الروايات التي رواها جملة وافرة من الصحابة مع عدالتهم ووثاقتهم وصحة طرقها وأسانيدها إليهم.
وأما مصادركم التي تدعونا إلى الأخذ والتلقي عنها، وتُسمِّ من يجانبها ويجافيها بالمروق عن الدين ومحاربته، فنحن نؤمن ولأسباب موضوعية وحقائق تاريخية أنها ولدت وتكوّنت في ظروف معينة أفقدتها عنصر الوثوق والاطمئنان بمضامينها وأسانيدها وطرقها، فقد بقيت حبيسة الصدور ومحظورة التدوين حتى ذهب السواد الأعظم من حامليها وحفاظها من الصحابة؛ ولذا كانت عرضة للضياع والتحريف والدس والتبديل والوضع والتغيير، ولم يتم تدوينها إلا بأمر وإشراف من السلطات الأموية التي كانت حاكمة آنذاك، والتي رفعت بغض أهل البيت(عليهم السلام) ومحاربتهم شعاراً وسياسة عامة، وجنّدت جملة من الوضاعين ووعاظ السلاطين لجعل الأحاديث في فضل أعدائهم، وشرّعت سبهم وشتمهم وإقصاءهم وتصفيتهم وتصفية أتباعهم، فكيف تطالبنا أخي الدكتور بأن نأخذ بأحاديث مزعومة نشأت وترعرعت في أحضان سياسات حاولت أن تقصي الوارث الشرعي والمصدر والمنبع الحقيقي لسنة الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله)؟!
ويضاف إلى ذلك أنكم اعتمدتم في مصادركم على أسانيد وطرق تضمنت رجالاً ورواة عرفوا بالنصب والعداء لأهل البيت(عليهم السلام) كالخوارج وغيرهم، ووصفتموهم بأنهم أصدق لهجة وأكثر تصلّباً وتمسّكاً بالسنة، حتى عدّ عمران بن حطان(1) وحريز بن عثمان الشامي(2) والحصين بن نمير(3) وأترابهم من رجال الصحيح، ويستبعد في الوقت ذاته مثل الإمام جعفر بن محمد الصادق(عليه السلام)، بل يغمز فيه، بينما يطعن في الراوي ويترك حديثه إذا كان متهماً بالتشيع ومحبة أهل البيت(عليه السلام)، حتى عدّ ذلك من ألفاظ الجرح وأسبابه عندكم، وهذا ما يعطينا الحق في أن نعرض عما سطرته كتبكم من أحاديث وروايات على أنها سنة رسول الله(صلى الله عليه وآله).
ثم إننا لا ندعي أن كل ما ورد في كتبكم فهو كذلك، أي باطل ولم يصدر عن رسول الله(صلى الله عليه وآله)، إلا أننا نعتقد أنها فقدت آلية التمييز والتمحيص الصحيحة، بعد أن ابتليت موازينكم من الجرح والتعديل بما ذكرناه.
وليس غرضنا مما بيناه أن نحمل في سرائرنا حقداً أو ضغينة على الصحابة أو رواة الحديث، وإنما العقيدة الحقّة تملي علينا أن لا نحابي أحداً مهما أحيط بهالات التقديس والتبجيل.
وأما ما نسبتموه إلى الشيعة من أنهم يكفِّرون ويفسِّقون الصحابة إلا أربعة، فقد استندتم فيه إلى بعض الروايات الواردة في كتبنا والتي أسأتم فهمها(4)، وسيأتي بيانها لاحقاً.
____________
(1) روى له البخاري في لبس الحرير، صحيح البخاري: كتاب اللباس، رقم 5387.
(2) روى له البخاري في كتاب المناقب، رقم 3247 - 3287.
(3) روى له البخاري في كتاب الأنبياء وفي كتاب الطب.
(4) وقد وجد هذا المضمون في المصادر المعتمدة من كتب أهل السنة، روى المزّي والذهبي وابن حجر وغيرهم عن عمرو بن ثابت، قال: >لما مات النبي(صلى الله عليه وآله) كفر الناس إلاّ خمسة<. تهذيب الكمال: ج21 ص557، تهذيب التهذيب: ج8 ص9، سؤالات الآجري لأبي داود سليمان بن الأشعث: ج1 ص341، البداية والنهاية: ج6 ص91.
تمسك الشيعة بالسنة النبوية
- الزيارات: 673