طباعة

ثانياً: الشيعة لا يكفرون مسلماً


لقد أجمع المسلمون بما فيهم الشيعة الإمامية على أنه لا يحكم بكفر أحد إلا إذا أنكر أحد أصول الإسلام الرئيسية كالتوحيد والنبوة والمعاد، أو أنكر ضرورياً من ضروريات الإسلام، فيما إذا استلزم ذلك تكذيب النبي(صلى الله عليه وآله) وإنكار رسالته، إلا من شذ من المسلمين من أتباع الفرقة الوهابية الذين كفّروا المسلمين لتوسلهم بالأنبياء والأولياء وزيارة قبورهم الشريفة أو غير ذلك مما لا ينسجم مع منهجهم التكفيري.
وأمّا الإمامة فهي عند الشيعة الإمامية من أصول الإيمان وأركان المذهب، فإنكارها وعدم الإيمان بها لا يخرج الشخص عن الإسلام، ولا عن الإيمان الذي يرادف المعنى المراد من الإسلام، كما في قوله تعالى: {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا}(1)، وإنما يخرج الشخص بإنكاره عقيدة الإمامة عن الإيمان الذي يوازي مرتبة ومقام الطاعة والتسليم والانقياد إلى أئمة الدين وقادته الإلهيين، كما في قوله تعالى في حق المسلمين من الصحابة: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا}(2)، كما خاطب الله تعالى المؤمنين على لسان نبيه الأكرم(صلى الله عليه وآله) قائلاً: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ}(3)، فهذه الآية الكريمة تطالب المؤمنين بدرجة خاصة من الإيمان بالله ورسوله والجهاد في سبيل الله تعالى، وهي درجة الطاعة والانقياد والتسليم.
فالذي ينكر ويعرض عن هذه الدرجة القرآنية من الإيمان وإن بقي على إسلامه والإيمان الموازي له في المعنى يكون كافراً بتلك الدرجة من الإيمان، فإن الكفر قد يطلق في القرآن والسنة النبوية الشريفة على الإنكار والجحود القلبي لبعض الحقائق الدينية أو المبادئ والفروع التفصيلية بما يشمل إتيان الذنوب وترك الواجبات ونكران النعم، وإن لم يكن كافراً بحسب الاصطلاح والحكم الفقهي، وذلك كما في قوله تعالى:   
{لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}(4)، وكقوله تعالى أيضاً: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ}(5)، وكذا ما حكاه الله تعالى عن قول سليمان(عليه السلام): {هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ}(6)، وفي صحيح البخاري عن ابن عباس، قال: "قال النبي(صلى الله عليه وآله): أريت النار؟ فإذا أكثر أهلها النساء، يكفرن، قيل: أيكفرن بالله؟ قال: يكفرن بالعشير ويكفرن الإحسان"(7)، كما جاء في صحيح مسلم: "أيما عبد أبق من مواليه فقد كفر حتى يرجع إليهم"(8)، وهذا هو المعنى المراد من الكفر في الروايات الشريفة التي أوردتموها في كتابكم عن كتاب الكافي، فإن جاحد الولاية والإمامة والخلافة ومقام الطاعة لله والرسول وأولي الأمر فاقد لرتبة الإيمان وكافر بتلك الدرجة، وإن كان مسلماً من المسلمين بحسب الاصطلاح الشرعي والفقهي.

____________
(1) النساء: 94.
(2) النساء: 65.
(3) الصف: 10ـ 11.
(4) إبراهيم: 7.
(5) البقرة: 152.
(6) النمل: 40.
(7) البخاري، الصحيح الجامع: ج1 ص78، كتاب العلم بـ21.
(8) مسلم، صحيح مسلم: ج1 ص83، كتاب الإيمان بـ 31.