من الحوادث المهمة في تاريخ المذاهب السنية فتنة خلق القرآن، حيث بلغ الخلاف العقائدي فيها إلى درجة تكفير وقتل من يتبنى القول بقدم القرآن، فالتجأ الكثير من علماء السنة ومحدثيهم إلى التقيّة؛ لحماية أنفسهم وأعراضهم وأموالهم، ومن أمثلة ذلك:
1ـ تقيّة سعدويه سعيد بن سليمان حول محنة خلق القرآن، حيث قال الذهبي عند ترجمته لسعدويه: "وأما أحمد بن حنبل فكان يغض منه ولا يرى الكتابة عنه، لكونه أجاب في المحنة تقيّة ـ إلى أن قال ـ قيل لسعدويه بعدما انصرف من المحنة: ما فعلتم؟ قال: كفرنا ورجعنا"(1).
2ـ تقيّة أبي نصر التمّار، حيث أجاب في محنة خلق القرآن تقيّة أيضاً، فقال الذهبي في حقه: "أجاب تقيّة وخوفاً من النكال وهو ثقة بحاله ولله الحمد"(2).
3ـ تقيّة إبراهيم بن المنذر بن عبد الله في تلك المحنة، حيث قال السبكي في حقّه: "كان حصل عند الإمام أحمد منه شيء؛ لأنه قيل: خلط في مسألة القرآن كأنه مجمج في الجواب، قلت: وأرى ذلك منه تقيّة وخوفاً"(3).
4ـ تقيّة يحيى بن معين، أخرج الذهبي عن الحافظ أبي زرعة الرازي قوله: "كان أحمد بن حنبل لا يرى الكتابة عن أبي نصر التمّار، ولا عن يحيى بن معين ولا عن أحد ممن امتحن فأجاب" ثم يُعلّق الذهبي على ذلك قائلاً: "قلت: هذا أمر ضيق ولا حرج على من أجاب في المحنة، بل ولا على من أكره على صريح الكفر عملاً بالآية، وهذا هو الحق، وكان يحيى رحمه الله من أئمة السنة، فخاف من سطوة الدولة وأجاب تقيّة"(4).
5ـ تقيّة إسماعيل بن حمّاد في محنة القرآن، قال ابن حجر في لسان الميزان: "قال يوسف في المرآة: وكان إسماعيل بن حمّاد ثقة، صدوقاً لم يغمزه سوى الخطيب فذكر المقالة في القرآن، قال السبط: إنما قاله تقيّة كغيره"(5).
6ـ تقيّة الجمّ الغفير من العلماء وعامة الناس في محنة خلق القرآن, وتقدم بعض شواهدها, ومن هنا قال الذهبي في تلك المحنة: "من أجاب تقيّة فلا بأس عليه"(6).
7ـ ومن تلك المواقف أيضاً فتنة الأسود العنسي، حيث قال ابن كثير وغيره في تلك الفتنة: "واستوثقت اليمن بكاملها للأسود العنسي، وجعل أمره يستطير استطارة الشرارة... واشتد ملكه واستغلظ أمره، وارتد خلق من أهل اليمن, وعامله المسلمون الذين هناك بالتقيّة"(7).
____________
(1) الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج10 ص482.
(2) المصدر نفسه: ج10 ص573.
(3) طبقات الشافعية: ج2 ص82 (نقلاً عن حاشية تهذيب الكلام للمزي بقلم الدكتور بشار عواد معروف) ج2 ص211.
(4) سير أعلام النبلاء: ج11 ص87.
(5) ابن حجر، لسان الميزان: ج1 ص399.
(6) الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج13 ص322.
(7) البداية والنهاية: ج6 ص339؛ وتاريخ ابن خلدون: ج2 ق2 ص60.
تقيّة علماء السنة في مسألة خلق القرآن
- الزيارات: 716