لقد استخدم العديد من علماء السنة مبدأ التقيّة مع الشيعة عندما قويت شوكتهم في بعض الأزمنة، مما يعني أن الشيعة كانت لهم مبرراتهم الموضوعية والواقعية في اتخاذهم عقيدة التقيّة شعاراً ودثاراً، فقد كان من المفروض أن تقع اللائمة والذم على الظلمة والطغاة الذين ما فتئوا على مرّ التاريخ يحاربون الشيعة بشتى الوسائل ويقتلونهم تحت كل حجر ومدر، وقد صودرت حرياتهم في الرأي والعقيدة من قبل الأمويين والعباسيين والعثمانيين وغيرهم، حتى أصبح التشيع ومودة أهل البيت(عليهم السلام) ذنب لا يغتفر.
ولكن المؤسف أن الأقلام توجهت بالنقد واللائمة نحو الشيعة, الذين استخدموا التقيّة وتسلّحوا بها كسلاح مشروع، شرّعه القرآن والسنة النبوية إلى مثل الظروف الصعبة والحرجة التي مرّ بها التشيع عبر التاريخ.
ومن نماذج تقيّة علماء أهل السنة من الشيعة:
1ـ ذكر الذهبي أن تشيع علي بن موسى بن الحسين ابن السمسار الدمشقي كان على سبيل التقيّة وتوخي الضرر، حيث قال في هذا المجال: "ولعل تشيعه كان تقيّة لا سجية, فإنه من بيت الحديث، ولكن غلت الشام في زمانه بالرفض، بل ومصر والمغرب بالدولة العبيدية, بل والعراق وبعض العجم بالدولة البويهية، واشتدّ البلاء دهراً، وشمخت الغلاة بأنفها، وتواخى الرفض والاعتزال حينئذ"(1).
2ـ وقال ابن حجر في لسان الميزان: "إن علي بن عيسى الرماني أظهر التشيع حذراً وتقيّة", ثم ذكر قول ابن النديم: "إن مصنفات علي بن عيسى الرماني التي صنفها في التشيع لم يكن يقول بها وإنما صنفها تقيّة؛ لأجل انتشار مذهب التشيع في ذلك الوقت، وذكر له مع البُسري الرفّاء حكاية مشهورة في ذلك"(2).
وقد كان على الدكتور أن يتهم ابن حجر الذي حمل بعض مصنفات علي بن عيسى الرماني على التقيّة، بأنه اتخذ ذلك ذريعة لحل التناقض في الأحاديث والروايات والتخلص من التراث السني الذي ينسجم مع مبادئ الشيعة الإمامية.
هذه إطلالة سريعة على مبحث التقيّة في العقيدة والتراث السني، يتضح من خلالها أصالة هذا المبدأ القرآني والروائي وأنه موضع اتفاق المسلمين قديماً وحديثاً وليس هو من مختصات الشيعة ومستحدثاتهم كما ادعى سعادة الدكتور، فما الطعن في هذه العقيدة إلا تجنٍ على الحقائق الموضوعية والأدلة الناصعة.
____________
(1) الذهبي، سير أعلام النبلاء: ج17 ص507.
(2) ابن حجر، لسان الميزان: ج4 ص248.
تقيّة علماء السنة من الشيعة
- الزيارات: 614