ثم إنه قد ورد لفظ البداء في جملة من الروايات الصحيحة الواردة في الكثير من المجامع الحديثية للطائفة السنية.
أخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقول: "إن ثلاثة في بني إسرائيل، أبرص وأقرع وأعمى بدا لله أن يبتليهم، فبعث إليهم ملكاً، فأتى الأبرص، فقال: أي شيء أحب إليك؟.... إلى آخر الحديث"(1).
وقد حمل شرّاح البخاري لفظ البداء على نفس المعنى الذي تقدم التصريح به عن علماء الشيعة.
قال ابن حجر: "قوله: (بدا لله) بتخفيف الدال المهملة بغير همز، أي سبق في علم الله فأراد إظهاره، وليس المراد أنه ظهر له بعد أن كان خافياً؛ لأن ذلك محال في حق الله تعالى"(2)، وبنفس المضمون ما ذكره العيني في عمدة القاري(3).
وفي تفسير ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ} قال: "فإن بدا لله أن يقبضه قبض الروح، فمات، أو اُخر أجله رد النفس إلى مكانها من جوفه"(4).
وروى الهيثمي في مجمع الزوائد حول طلوع الشمس من مغربها عن عبد الله بن عمرو: "أنها [الشمس] كلما غربت أتت تحت العرش فسجدت واستأذنت في الرجوع فأذن لها في الرجوع حتى إذا بدا لله أن تطلع من مغربها فعلت كما كانت تفعل أتت تحت العرش فسجدت واستأذنت في الرجوع فلم يرد عليها شيء، ثم تستأذن في الرجوع فلا يرد عليها شيء ... الحديث"(5).
قال الهيثمي: "رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح"(6).
فإن التعبير الوارد في هذه الروايات يتطابق مع ما ورد في مروياتنا، وتقدم تفسير العلماء له بالإبداء وإظهار ما كان خافياً على عموم الناس، وليس المراد منه ظهور ما خفي على الله تعالى، الذي أحاله وأبطله أئمة أهل البيت(عليهم السلام) وعلماء السنة والشيعة.
____________
(1) البخاري، الجامع الصحيح: ج2 ص384، كتاب أحاديث الأنبياء.
(2) ابن حجر، فتح الباري: ج6 ص364.
(3) العيني، عمدة القاري: ج16 ص48، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت.
(4) ابن أبي حاتم. تفسير ابن أبي حاتم: ج10 ص3252، المكتبة العصرية.
(5) الهيثمي، مجمع الزوائد: ج8 ص8.
(6) المصدر نفسه: ج8 ص9.
البداء في الكتب السنية
- الزيارات: 719