ثم إنّ من الواضح أن البداء بالمعنى المقبول والوارد في صريح الروايات يبين قدرة الله تعالى المطلقة على التصرف في الكون كيف يشاء، وأن قلم التكوين ولوح الخلق والتغيير لم يجف، وهذا على خلاف ما آمنت به اليهود عن تقييد قدرة الله تعالى وقطع صلته عن مخلوقاته، حيث قالوا: إن يد الله عز وجل مغلولة، كما حكى القرآن ذلك عنهم في قوله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء}(1)، ومن هذا المنطلق نفهم السبب في تأكيد أئمة أهل البيت(عليهم السلام) على عقيدة البداء، حيث جاء رداً على فكرة اليهود، وإبطالاً لكل فكرة تجعل قدرة الله ومشيئته سبحانه محدودة بحد معين، وإثبات سعة القدرة في عوالم الخلق والتكوين.
وأما ما أوردتموه من روايات في مدح بريد العجلي وزرارة وذمهما في روايات أخرى، ثم تساءلتم أي المضمونين حق وأيهما تقية، فجوابه واضح؛ لأن ما ورد من روايات المدح هي الحق وقد بنى عليها علماء الرجال عندنا لصحة أسانيدها وقوة مضامينها، وأما روايات الذم فهي روايات ضعيفة، موهونة، ساقطة، من حيث المتن والسند.
قال السيد الخوئي في معجم رجال الحديث عند تعليقه على مثل روايات الذم: "لا يكاد ينقضي تعجبي كيف يذكر الكشي والشيخ هذه الروايات التافهة، الساقطة، غير المناسبة لمقام زرارة وجلالته والمقطوع فسادها"، ثم أثبت بعد ذلك ضعف طرق تلك الروايات وجهالة رواتها(2).
وأما الروايات التي نقلتموها في مسألة البداء فهي ضعيفة جداً، ولا يناسب الاستدلال بها من أستاذ ودكتور يعتمد الروايات والمصادر المعتبرة في مقام الرد والمناظرة.
____________
(1) المائدة: 64.
(2) السيد الخوئي، معجم رجال الحديث: ج8 ص225ـ 254.
آثار البداء على العقيدة
- الزيارات: 622