طباعة

أهل البيت يتولون حساب الناس يوم القيامة


أما الرواية الثانية: فمضمونها فيه خلاف بيننا وبينكم.
حيث روى الكليني عن الإمام الكاظم (عليه السلام)، أنّه قال:>علينا إياب هذا الخلق وعلينا حسابهم فما كان لهم من ذنب بينهم وبين اللّه عز وجل حتمنا على اللّه في تركه فأجبنا إلى ذلك، وما كان بينهم وبين الناس استوهبناه منهم وأجابوا إلى ذلك وعوضهم اللّه عز وجل(1).
قال الدكتور الغامدي: أنتم تعتقدون بأنّ أهل البيت يحاسبون الناس؟
قال الدكتور زماني: إني أرى لو أنك لم تعترض على مضمون الحديث الأول وكان اعتراضك على الحديث الثاني فقط؛ لكان أحسن وأقرب للإنصاف.
قال الدكتور الغامدي: لا شكّ بأن محبّة أهل البيت من الدين وما من مسلم يكره أهل البيت، ولكنّهم بشر مكلّفون، محاسَبون، معاقَبون.
والقول بأنّهم يتولون حساب البشر، هذا عندنا من الخرافات، فاللّه يحاسب الناس حتى رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) فهو مثلنا بشر; لأنّ اللّه تعالي يقول:}إِنَّ إِلَيْنَآ إِيَابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُم }(2).
قلت: عندنا أدلّة متعددة بأنّ اللّه تعالى يفوّض حساب الناس إلى الأئمّة عليهم السلام يوم القيامة، كما أنّه يفوض توفّي الأنفس للملائكة، يقول تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الاَْنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا } (3) ثمّ يقول في آية أخرى: {قُلْ يَتَوَفّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الذي وُكِّلَ بِكُمْ } (4).
ولا منافاة بينهما; إذ ملك الموت إنما يتوفّى الأنفس بإذن اللّه تعالى لا مستقلاً عن إرادة الله.
وهكذا بالنسبة لحساب الناس، فإن الله تبارك وتعالي قال: {إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُم} ومع ذلك يمكن لنا أن نستفيد من السنة النبوية أن الله تعالى قد يفوّض حساب الناس إلى رجل صالح من أهل بيت نبيه (صلى الله عليه وآله) من الذين جعل مودّتهم من الدين، وهذا ليس غريباً ومستحيلاً وخرافياً.
فنحن نعتقد بأنّ حساب الناس على اللّه تبارك وتعالى، ولكن قد ثبت عندنا بالأدلّة الصحيحة الواردة عن طريق أهل البيت عليهم السلام بأنّ اللّه يفوّض حساب الناس إلى الأئمّة، فلا إشكال فيه، إذ عملهم هذا كان بإذن اللّه.
ومن تلك الأدلة التي تثبت هذا المعنى ما ورد عن الصادق (عليه السلام)، قال:>إذا كان يوم القيامة وكلنا اللّه بحساب شيعتنا<، وفي رواية أخرى عنه(عليه السلام): >إذا حشر اللّه الناس في صعيد واحد أجل اللّه أشياعنا أن يناقشهم في الحساب، فنقول: إلهنا هؤلاء شيعتنا، فيقول اللّه تعالي: قد جعلت أمرهم إليكم وقد شفّعتكم فيهم..(5).
وما دام الأمر ليس مستحيلاً فلكم أن تسألونا عن أدلّتنا على مدعانا، وإذا أقمنا الدليل عليه، فلكم حينئذ المناقشة فيه، وغاية ما يمكن أن يقال لنا: إنّكم اجتهدتم فأخطأتم.
قال الدكتور الغامدي: هذا اجتهاد كبير جدّاً، كيف اجتهدتم بأنّ البشر يحاسب الناس، لا نوح ولا موسى ولا عيسى ولا إبراهيم ولا محمد(صلى الله عليه وآله) يحاسبون الناس، مع أن الأئمّة يعترفون بأنّهم مخطئون، والسجاد يسأل عن ذنبه كثيراً، كيف يحاسب هؤلاء البشر، فهذا غلوّ.
قلت: يا دكتور، لك أن تناقش في الأدلّة بأسلوب صحيح فلك أن تطعن في الأدلة لإثبات تلك العقيدة، لكن لا يحق لك أن تقول بعجلة بأنّ هذا من الخرافات، فلو قلت لك: بأنّ تسعين بالمائة من عقائد أهل السنّة خرافات، فهل تقبل منّي ذلك أم تقول بأنّ هذا قول بلا دليل وتطلب مني الدليل على دعواي؟
قال الدكتور الغامدي: إنّ القرآن الكريم واضح الدلالة، يقول إنّ البشر كلّهم محاسبون.
فهل الأئمّة جزء من اللّه، فيقول اللّه: أنا والأئمّة الاثنا عشر، كلانا نحاسب الخلق؟!
قال الشيخ المبلغي: هذا كفر، من يقول هذا؟
قلت: يا دكتور! أنا أقول: إنّ الأئمّة يتولون حساب الناس بإذن من اللّه، ماذا تقول؟
قال الدكتور: هل الأئمّة يحاسَبون؟ ومن يحاسبُهم؟
قلت: لا شكّ بأنّ الأئمّة(عليهم السلام) والأنبياء(عليهم السلام) يحاسَبون من قِبَل الله، بمعنى أنّ اللّه تعالى يحاسب الأئمّة، والأئمّة يحاسبون الناس بإذن الله، كما أنّ توفي الأنفس بيد الله تبارك وتعالى، ثمّ ملك الموت يتوفى الأنفس بإذن اللّه ]وفي الرواية أنّ توفّى ملك الموت في آخر الأمر بيد اللّه تعالى[.
وكما أنّ إحياء الأموات مرتبط باللّه تعالى أصالةً، فهو الذي يحيي وهو الحيّ القيّوم، لكن مع ذلك يقول عيسى(عليه السلام) والذي هو بشر: {وَأُحْيي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ} (6).
قال الشيخ المبلغي: يمكن أن يقال في تفسير الحساب بأنّ للأئمة(عليهم السلام) مكانة سامية عند اللّه وشفاعة مقبولة، بحيث يصح نسبة حساب الناس لهم بسبب تلك المقبولية وتلك الشفاعة التي لها دخل في الحساب.
قال الدكتور زماني: ويمكن أن يقال: بأنّهم يحاسبون الناس، أي أنّهم ميزان ومعيار لحساب الناس.
ويمكن أن يقال أيضاً: كما قال الدكتور أبو مهدي بأنّهم يحاسبون الناس حساباً حقيقياً، لكن بإذن وتفويض من اللّه.
وهاهنا سؤال مهم ـ والكلام للدكتور زماني ـ وهو لو اعتقد أحد من الناس بأنّ غير اللّه سيحاسب الناس يوم القيامة، فهل هذا ينسجم مع التوحيد أم لا؟
طبعاً من الشرك بلا شكّ فيما لو اعتقد إنسان بأنّ واحداً من البشر بنفسه ومن دون إذن اللّه هو من سيحاسب الناس.
وأمّا لو اعتقد بأنّ هذه المحاسبة تكون بإذن من اللّه وتفويض منه، سواء كانت هذه العقيدة صواباً أم خطأً، فهذا لا يعد شركاً.
قال الدكتور الغامدي: لا نقول شرك، بل نقول: بأنّ الأئمّة يحاسبون الناس بدل ربّ العالمين هذا شرك.
قلت: يا دكتور، لم ندّع أن الأئمة يحاسبون الناس بدل ربّ العالمين، فمن قال هذا؟ بل كلّ من قال ذلك قصد بأنّهم كانوا في فعل المحاسبة مأذونين من ربّ العالمين.
قال الدكتور الغامدي: هذه خرافات، تحتاج إلى الدليل.
قال الدكتور زماني: كلامك هذا جيّد: هذا يحتاج إلى دليل.
فهل سألت إلى الآن من عالم شيعي، ما هو دليلكم على هذه العقيدة؟
قال الدكتور الغامدي: نتكلّم عن النصوص ما نتكلم عن عقيدة الشيعة.

____________
(1) الكافي، ج8 ص162، ح 167.
(2) الغاشية:88/ 25 ـ 26.
(3) الزمر:39/42.
(4) السجدة:32/11.
(5) الأمالي، للشيخ الطوسي: ص 406 ح 911، بحار الأنوار، ج 8 ص 50.
(6) آلِ عِمْرَانَ: 3/49.