فهناك العديد من النصوص التي تصرح باعتقاد المشركين بأن آلهتهم تضر وتنفع ، ويمكننا تقسيمها إلى القسمين التاليين :
أولا : الآيات الكريمة :
1) ( إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ ... ) (1) ، فهذه الآية صريحة الدلالة على اعتقاد المشركين بأن آلهتهم ضرت نبي الله هودا (ع) .
2) ( وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا ) (2) ، فالآية ظاهرة الدلالة على أن المشركين عبدوا غير الله لأن آلهتهم المعبودة تحقق العز والنصر بنفسها وذلك لما تملك من قدرة خارقة وفق عقيدتهم الباطلة .
3) ( إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) (3) ، وهذه الآية تشير إلى أنهم يعتقدون أن آلهتهم ترزق إذ من غير المعقول أن يقال لمن يعتقد أن الرزق بيد الله وأن الآلهة ليست إلا وسيطا في رزق الله : ( ... إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ ) لأن رد ذلك سيكون واضحا إذ سيقولون : نحن نعرف أنها لا ترزق والذي يرزق هو الله ونبتغي الرزق من الله وهذه الآلهة فقط تتوسط عند الله كي يرزقنا .
4) ( أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ * وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقامٍ * وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالأَْرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ ) (4) ، ووجه الاستدلال بالآية أنها تصرح بأن المشركين يخوفون الرسول (ص) بآلهتهم ، قال البغوي في تفسير الآية : " ... وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ... " وذلك أنهم خوفوا النبي (ص) معرة معاداة الأوثان ، وقالوا : لتكفن عن شتم آلهتنا أو ليصيبنك منهم خبل أو جنون " (5) ، فكلامهم صريح بنسبة الإضرار إلى آلهتهم .
ثانيا : الأخبار :
1) روى ابن هشام في سيرته قال : " حدثني بعض أهل العلم أن عمرو بن لحي خرج من مكة إلى الشام في بعض أموره ، فلما قدم مآب من أرض البلقاء وبها يومئذ العماليق ... ... رآهم يعبدون الأصنام ، فقال لهم : ما هذه الأصنام التي أراكم تعبدون ؟ قالوا له : هذه أصنام نعبدها ، فنستمطرها فتمطرنا ، ونستنصرها فتنصرنا ، فقال لهم : ألا تعطوني منها صنما فأسير به إلى أرض العرب فيعبدونه ، فأعطوه صنما يقال له هبل ، فقدم به مكة فنصبه ، وأمر الناس بعبادته وتعظيمه " (6) ، فقولهم : " فتمطرنا ونستنصرها فتنصرنا " صريح في الدلالة على أنهم ينسبون تلك الأفعال إلى آلهتهم ، وليس ذلك إلا لأنهم اعتقدوا بوجود قدرة ذاتية لها على ذلك .
2) روى الطبري في تفسير قوله تعالى ( وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ... ) عن قتادة أنه قال : " بعث رسول الله (ص) خالد بن الوليد إلى شعب بسقام ليكسر العزى ، فقال سادنها وهو قيمها : يا خالد أنا أحذركها إن لها شدة لا يقوم إليها شيء ، فمشى إليها خالد بالفأس فهشم أنفها " (7) ، فعبارتهم صريحة في أن لها شدة بنفسها لا من خلال الاستعانة بقوة أخرى .
3) قال السهيلي عند الحديث عن مبدأ قصة الأوثان في قوم نوح ورواية البخاري لذلك : " وذكر الطبري هذا المعنى وزاد أن سواعا كان ابن شيث وأن يغوث كان ابن سواع وكذلك يعوق ونسر كلما هلك الأول صورت صورته ، وعظمت لموضعه من الدين ولما عهدوا في دعائه من الإجابة فلم يزالوا هكذا حتى خلفت الخلوف وقالوا : ما عظم هؤلاء آباؤنا إلا لأنها تزرق وتنفع وتضر واتخذوها آلهة " (8) .
توضيح : إن تنافي هذه النصوص مع توحيد المشركين في الربوبية واضح حيث أنهم لو كانوا موحدين في الربوبية لما اعتقدوا بأن آلهتهم تضر وتنفع إذ إن وجود آلهة تضر وتنفع ومستقلة في قدرتها على ذلك يتنافى مع وحدة المدبر في العالم .
_________
(1) هود : 54 .
(2) مريم : 81 .
(3) العنكبوت : 17 .
(4) الزمر : 36 – 38 .
(5) تفسير البغوي ج 4 ص 69 .
(6) سيرة ابن هشام ج 1 ص 94 – 95 .
(7) تفسير الطبري مج 12 ج 24 ص 9 .
(8) الروض الأنف ج 1 ص 168 .