• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الأمر الثالث : استدلال القرآن بدليل التمانع القائم على افتراض وجود قدرتين مستقلتين

لقد واجه القرآن عقيدة المشركين بتعدد الآلهة بدليل التمانع في موارد متعددة ( ومفاده : لو كان في السموات والأرض آلهة غير الله لبطلتا وفسدتا ، لما سيقع بينهم من الاختلاف والتضاد والتمانع ) منها قوله تعالى " لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتا فَسُبْحانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ " (1) وقوله تعالى " مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ * عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ " (2) ، وهذا يعني - بشكل واضح - أن المشركين كانوا يعتقدون بوجود مؤثرين في الكون حيث كان الرد القرآني صريحا : أنه لو كان هناك موجودان يؤثران في الكون وكل منهما إله لفسدت السموات والأرض ولانهار نظام الكون المتسق .
فهل يعقل أن يكون هذا الرد القرآني لعقيدة المشركين رد على مشركين يعتقدون بأن الخالق المالك المدبر واحد ؟! لو كان المشركون موحدين في الربوبية - كما ذهب إليه أصحاب هذه الرؤية - لأجابوا وبكل سهولة بأنهم لا يعتقدون بوجود إلهين لهما تأثير في الكون ، بل نحن نعتقد بأن المؤثر واحد والآخر مجرد إله للعبادة والشفاعة !!
وآيات سورة المؤمنون ذكرت دليل التمانع لكنها أضافت الحديث عن أمرين آخرين هما إقرارهم بخالقية الله وزعمهم وجود أبناء له بما يكشف أن عقيدة هؤلاء المشركين المقرين بأن الله هو الخالق المدبر تتضمن وتترافق مع الاعتقاد بوجود أبناء مستقلين في التأثير ببعض جوانب الكون ، فهناك ثلاثة محاور في الآيات تكشف حقيقة عقيدة هؤلاء :
الأول : إقرار المشركين بخالقية الله وتدبيره للكون .
الثاني : اعتقادهم بوجود أبناء لله .
الثالث : اعتقادهم بوجود تأثير مستقل للآلهة عن الله ، لذا رد عليهم بدليل التمانع .
وإليك الآيات بمحاورها الثلاث ، قال تعالى في سورة المؤمنون ( قُلْ لِمَنِ الأَْرْضُ وَمَنْ فِيها إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ * قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ * قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْ‏ءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ * بَلْ أَتَيْناهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ * مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ * عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) (3) .
فكما ترى بدأت الآيات بذكر إقرارهم بالله وخالقيته ، ثم كشفت عن التناقض بين ادعائهم بربوبية الله وبين ادعاء الولد له والذي مقتضاه تعدد المؤثرين في تسيير شئون الكون وإدارته ، لذا ردت عليهم بدليل التمانع القائم على فرضية وجود قدرتين مستقلتين في التأثير ، معتبرا اعتقادهم بوجود ولد لله عين القول بتعدد الآلهة المستقلة في التأثير .
وهناك كلمة لابن كثير في هذا المقام تؤكد ما نقوله هنا إذ قال في تفسير قوله تعالى ( إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ ... ) : " ينزه تعالى نفسه عن أن يكون له ولد أو شريك في الملك والتصرف والعبادة ، فقال ( مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ ) أي لو قُدِّر تعدد الآلهة لانفرد كل منهم بما خلق فما كان ينتظم الوجود ، والمشاهد أن الوجود منتظم متسق كل من العالم العلوي والسفلي مرتبط بعضه ببعض في غاية الكمال ( مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ ) ثم لكان كل منهم يطلب قهر الآخر وخلافه ، فيعلو بعضهم على بعض والمتكلمون ذكروا هذا المعنى ، وعبروا عنه بدليل التمانع ، وهو أنه لو فرض صانعان فصاعدا فأراد واحد تحريك جسم والآخر أراد سكونه ، فإن لم يحصل مراد كل منهما كانا عاجزين ، والواجب لا يكون عاجزا ويمتنع اجتماع مراديهما للتضاد ، وما جاء هذا المحال إلا من فرض التعدد ، فيكون محالا ، فأما إن حصل مراد أحدهما دون الآخر ، كان الغالب هو الواجب والآخر المغلوب ممكنا ، لأنه لا يليق بصفة الواجب أن يكون مقهورا ، ولهذا قال تعالى ( وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ) أي عما يقول الظالمون في دعواهم الولد أو الشريك علوا كبيرا ( عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ ) أي يعلم ما يغيب عن المخلوقات وما يشاهدونه ( فَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) أي تقدس وتنزه وتعالى وعز وجل عما يقول الظالمون والجاحدون " (4) .





_________    
(1) الأنبياء : 22 .
(2) المؤمنون : 91 – 92 .     
(3) المؤمنون : 84 – 92 .
(4) تفسير ابن كثير ج3 ص 264 .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page