طباعة

الزيارة


ذكرنا فيما تقدم ان الزيارة من المأثور عن الامام الصادق عليه السلام ولكمال فضله وعلمه الجم وورعه الموصوف وكراماته الخارجة عن حدّ الاحصاء كان في المثول حول مرقده الاقدس بداعي الزلفى الى المولى تعالى مزيد لرسوخ العقيدة بأمر الدين وتعريف للامة بما وجب من حق الله تعالى على خلقه وان العبد كيف يجب عليه بذل ذاته في مرضاة الله عز وجل .
ثم ان الزيارة وان كانت مجرد الحضور عند المزور والسلام عليه بأي لفظ جاء به المسلم كما يؤيده حديث مسلم بن ظبيان عن الصادق عليه السلام إذا اتيت القبر يعني قبر الحسين فقل صلى الله عليك يا أبا عبد الله فقد تمت زيارتك(1) ولكن الالفاظ الواردة عن أهل البيت يلزم الاحتفاظ بها لأنها اشتملت على ما يناسب مقام المزور من الخواص وما له من جهاد نافع في سبيل الدين مضافاً الى ما فيها من التأدب عند أداء السلام عليه .
فالقول الماثور من أهل البيت عليهم السلام في السلام عليهم أو على احد أولادهم أو أصحابهم راجح ومن هنا افتى صاحب الرسائل فيها وخاتمة المحدثين النوري في المستدرك باستحباب زيارة الحسين بالزيارة المأثورة وآدابها ولا خصوصية له على غيره من أئمة الهدى عليهم السلام وبذلك المناط يتسرى الى غيرهم .
ومن يقرأ ما ورد عن الامام الصادق في زيارة أبي الفضل بتدبر وامعان يعرف رجحان الاخذ بقوله عليه السلام وان الزاير مهما يبلغ من المعرفة والكمال لا يحيط خبراً بحقيقة أبي الفضل وما يليق بجليل قدره وعظيم منزلته ومن هنا كان الراجح للزائر عند زياة العباس ان يقف مواجهاً له مستدبراً القبلة كما هو الشأن في زيارة المعصومين وهو مقتضى التأدب أمام «قمر بني هاشم» فان زيارته ميتاً كزيارته حياً (والشهداء احياء عند ربهم يرزقون) ولا شك انه لو كان حياً ودخل عليه الزائر فلا يسلم عليه الا مواجهاً له .
ويشهد لذلك ما في مزار البحار ص 165 عن المفيد وابن المشهدي والشهيد الأول انهم قالوا ان الزائر للعباس يقف أولاً على باب السقيفة ويستأذن للدخول فيقول سلام الله وسلام ملائكته . الخ . ثم يدخل وينكب على القبر ويقول السلام عليك أيها العبد الصالح . الخ . ثم ينحرف الى عند الرأس فيصلي ويدعو ويعود الى الضريح ويقف عند الرجلين ويقول السلام عليك يا أبا الفضل العباس الخ .
وقد يدعى ان هذه العبارة وما رواه ابن قولويه عن أبي حمزة الثمالي يقتضي الوقوف على قبر العباس من دون تخصيص بجهة من الجهات فان العبارة «ثم ادخل وانكب على القبر وقل ، الخ» ولم يبين كيفية الانكباب هل انه من جهة القبلة كما هو شأن زيارة الامام المعصوم أو من جهة عكسها أو من جهة الرجلين أو الرأس .
الا ان المنصرف من الاطلاق ارادة جهة القبلة خصوصاً لو كان الباب التي يدخل منها الى الروضة المطهرة في ذلك الزمان كما عليه اليوم وحينئذ تكون زيارة أبي الفضل على حدّ زيارة المعصوم مواجهاً له مستدبراً القبلة .
    
فالتوقف عن رجحان مواجهته حال الزيارة في غير محله واستظهار المجلسي تخيير الوقوف في زيارته محل المناقشة فانه لم يرد عن الائمة خبر التفصيل بين المعصوم وغيره باستحباب المواجهة له في الأول واستقبال القبلة في الثاني .
وغاية ما ورد في زيارة الحسين وأبيه عليهما السلام مواجهة القبر وجعل القبلة بين كتفيه وهناك اخبار مطلقة بالوقوف على قبريهما كاطلاقها على قبري الجواديين والعسكريين والرضا عليهم السلام .
فلا تخصيص للمعصوم على غيره وما ورد في صفة زيارة أمير المؤمنين من استقبال القبلة ووضع اليد على القبر والتوقيع المروي في الاقبال عن صاحب الزمان عجل الله فرجه اذا أردت زيارة الشهداء فقف عند رجلي الحسين فاستقبل القبلة بوجهك فان هناك حومة الشهداء وقم وأشر الى علي بن الحسين وقل السلام عليك يا أول قتيل من نسل خير سليل . الخ .
اخص من المدعى على ان الاعتبار يشهد بأن السلام والثناء على المزور يستدعي مواجهته لا استدباره وكيف يكون الحال فأبو الفضل ممتاز عن ساير المؤمنين بخواص لا يأتي البيان على حصرها كيف وقد بلغ من الدرجات الرفيعة ما يغبطه عليها جميع الشهداء والصديقين وقد اعلمنا الامام الصادق بالزيارة التي علمها أبا حمزة الثمالي بأن لابي الفضل مكانة سامية ودرجات عالية لا ينالها الا اولوا العزم من الرسل فرجحان مواجهته عند السلام عليه متعين كما هو الحال في أئمة الهدى عليهم السلام وبذلك أفتى شيخنا الحجة الشيخ عبد الحسين مبارك قدس سره في بشارة الزائرين ثم قال : (ولعمر أبيه الطاهر صلوات الله وسلامه عليهما انه بذلك لحقيق جدير فانه ابن سيد الوصيين والمواسي ريحانة خير الخلق اجمعين صلى الله عليه وآله) .
ومن هنا كان بعض العارفين من العلماء الأعلام يقدم زيارة العباس على زيارة الحسين لأنه بابه في الحوائج وهو في محله وعليه العمل منذ عهد قديم وفي هذا يقول الاديب السيد مهدي الأعرجي رحمه الله :
قصدتك قبل ابن النبي محمد         وادمع عينـي كالحيا في انسكابها
لأنك في كل الحوائـج بابـه         وهل يقصدون الدار من غير بابها
____________
(1) أسرار الشهادة ص 146 .