طباعة

عـداءُ سـافرُ


البعض وحتّى من غير الأعداء يحارب الإمام الحسين (عليه السلام ) أويحارب العباس (عليه السلام ) بصورةٍ أو بأُخرى ، لأنّهم لا يستطيعون فهم أو تحمّل عظمتهما أو لغير ذلك ، وتبعاً لذلك فهم يحاربون مدينة كربلاء .
ومن أسبابه الحسد ، فإنّه بدأ قديماً ، بدأ من عهد أبي سفيان حيث ذكر قائلاً :« كنّا نطعم وكانوا - أي بني هاشم - يطعمون وكنّا نسقي وكانوا يسقون ، وكنّا نسعف المحتاج وكانوا يسعفون ، ثّم ظهر فيهم من يقول : أنا نبي من عند الله ، والله لاأتحمّل ذلك ، فلا بد ّ من محاربتهم».
وبدأت معركة الحسّاد مع بني هاشم ، حتّى أنّهم ألجؤوهم الى الشِعب ، وتواصلت هذه الحرب واستمرت حتى زماننا هذا .
وشمل محاربتهم للإمام الحسين (عليه السلام ) محاربتهم لكربلاء ، فلم تقتصر هذه المحاربة على زمن الديكتاتوريين ، بل كانوا يحاربونها حتى في عهد الأحزاب شبه الحرّة كالعهد الملكي(1).
ومن نافلة القول ، إنّنا طلبنا من السلطات الملكية ترخيصاً لإنشاء مدرسة الإمام الصادق (عليه السلام ) الشهيرة .
فسوّفوا الأمر لمدّة ستة أشهر مع كثرة الوسائط ومع شدة اهتمامنا بالأمر ، الى غير ذلك من المعوّقات اليومية التي كانوا يضعونها سداّ أمام طريقنا في كلّ مشروع نقدم عليه .
وكنّا قد استفدنا من ظروف صراع الاحزاب والتنظيمات التي نشأت بعد قيام العهد الجمهوري - كالشيوعية والقومية والبعثية - فبدأنا بتأسيس المؤسسات وإقامة المشروعات .
وما إن استتب الأمر للحكومة حتى أخذت بهدم كل ما بنيناه من مؤسسات ومشاريع ثقافية وتعليمية ، ولم يكن منطلقهم في هذه الحرب المدمّرة سوى محاربة الحسين والعباس (عليهما السلام ) .
وذكر لي رئيس البلديات آنذاك - عباس البلداوي (2)- : إذا أردتم إجازة السينما أعطيناكم ، أما إجازة بناء المسجد في كربلاء فليس في قانوننا .
وعندما أردنا الحصول على إجازة بناء مسجد الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام ) بالقرب من شارع العباس (عليه السلام ) صرفنا الكثير من الجهد وبعثنا بأكثر من خمسين وفداً الى بغداد ، ولم نحصل على الإجازة إلاّ بشقّ الأنفس . وهكذا الحال بالنسبة الى بناء ضريح العالِم الجليل ابن فهد الحلي وإقامة مدرسة بالقرب من قبره ، وعندما عجزنا عن أخذ الترخيص في بناء المقبرة والمدرسة ، قال لنا متصرّف كربلاء : أنا لا أستطيع أن أمنحكم الإجازة ، اذهبوا وابنوا المقبرة والمدرسة ، وإني سأوصي إدارة البلدية بأن يغضّوا الطرف عنكم .
وهكذا كان الأمر .
إن تاريخ كربلاء مشهور ومعروف ، ولا أريد إلاّ أن أذكر بعض ما وقع في زماننا من الأحداث .
كانت عندنا «40» مكتبة لبيع الكُتب أُغلقت بكاملها ، وكانت لدينا «40» مكتبة للمطالعة العامّة في المساجد أو في الأماكن المخصّصة لهذه الغاية .
وكان لدينا «دار القرآن الحكيم» للنشر ، ولها فروع في سبعين بلداً أغلقت بالكامل ، ونهبت الحكومة كلّ كتبها .
وكانت لدينا «مكتبة القرآن الحكيم» للمطالعة مجهّزة تجهيزاً كاملاً ، أغلقت ونهبت كتبها .
وكان لدينا «نادي القرآن الحكيم» خاصّ للشباب المراهقين لممارسة بعض الآنشطة الإسلامية ، أغلق أيضاً.
وكانت لدينا ثلاث مدارس لحفّاظ القرآن الحكيم ، فيها أكثر من ألف وخمسمائة طالب تمّ إغلاقها .
وكانت لدينا ثلاث مدارس لحافظات القرآن الحكيم ، وكان يدرس فيها زهاء ألف طالبة تمّ إغلاقها .
وكانت لدينا مدرسة الإمام الصادق (عليه السلام ) الابتدائية وأتبعناها بالثانوية ، وأغلقت .
وكانت لدينا مطبعة القرآن الحكيم تمّ إغلاقها وسُرق ما فيها .
وكان عندنا مستوصف القرآن الحكيم أغلق ونهب أثاثه .
وكانت عندنا «14» مجلّة كلّها أغلقت (3) ، أمّا المدارس العلمية الدينية ، فقد تجاوزت أرقامها «28» مدرسة علمية خاصّة لطلاب العلوم الدينة (4) تمّ إغلاقها بالقوة ، وبعض هذه المدارس تعرّض الى الهدم .
وكانت عندنا عشرات الحسينيات التي تعرّضت للهدم والمصادرة .
وكانت لدينا مؤسسات ملحقة بمؤسّسة الحفّاظ بلغت «33» مشروعاً ومؤسّسة كلّها نُسفت وتعرّضت الى الدمار .
هذا غيض من فيض ما عملته السلطات الجائرة بحقّنا ولم يكن وراء ذلك سوى الحقد الدفين على كربلاء ، وعلى من يتوسّد هذه الأرض الطاهرة .
وقد تأكّد لنا من خلال الوثائق ، أنّ هؤلاء الذين جاءوا الى السلطة فوق ظهر الدّبابات كانوا يخططون لهذه الإبادة الحضارية لمدينة كربلاء المقدسة .
وقد يسأل البعض عن العلاج فنقول : إنّ العلاج الحقيقي للمشاكل وحتى لاتعود هذه الظواهر الخطرة مجدّداً هو الرجوع الى الأمّة الواحدة والأخوّة الإسلامية والحرّية الإسلامية ، على ما ذكرنا تفصيله في بعض كتبنا السالفة .
هذا على صعيد الأمّة .
أمّا على صعيد السلطة فإن العلاج الناجع هو قيام الحكم على نظام سياسي يحترم الآراء وبنظلق من قاعدة الاقتراع العام وينتهج نهج التعدّدية السياسية ، فهدا هو السبيل الوحيد لإنقاذ شعبنا من محن الديكتاتورية السوداء وما جلبته لبلادنا من دمار .

______________________________
(1) ابتدأت الملوكية في العراق سنة 1339هـ (1920م) ودامت قرابة ثمانية وثلاثين سنة .
(2) وزير البلديات في وزارة عبد الكريم قاسم الثانية ، وعين بتاريخ 3/5/1960م وقد تطرق الإمام المؤلف الى تفصيل الحوار في مذكراته : تلك الأيام : ص 110 تحت عنوان : هكذا يفعلون بالمساجد ؟ .
(3) ومن تلك المجلات : الأخلاق والآداب ، أجوبة المسائل الدينية ، صوت التوحيد ، القرآن يهدي ، صوت العترة ، مبادئ الإسلام ، منابع الثقافة الإسلامية ، أعلام الشيعة ، ذكريات المعصومين ، صوت المبلغين ، نداء الإسلام .
(4) ومن تلك المدارس : السليمية ، الهندية الكبرى ، الهندية الصغرى ، ابن فهد ، بادكوبه ، الكتاب والعترة ، البقعة ، حسن خان ، الصدر الأعظم النوري ، السيد المجاهد ، المهدية ، الحسينية ، الرشيدية ، الجعفرية الأولى ، الإمام الصادق ، شريف العلماء ، الحسينية ، الحفاظ الأولى ، الحفاظ الثانية ، الشيخ مهدي المازندراني ، الميرزا كريم الشيرازي ، الخطيب .