طباعة

١ ـ أعمال التمرد والشغب :

 شهدت الدولة العباسية ـ للفترة التي نؤرّخ لها ـ فتنا متصلة وأعمال قتل وحرق وسلب ونهب لم تسلم منها حتى العاصمة سامراء.
ففي زمان المعتصم خرجت المحمرة بالجبل فقتلوا وقطعوا الطريق وأخافوا السبيل وتعرضوا للحاج (١) ، وفي سنة ٢١٩
هجم الزط على البصرة وعاثوا فيها الفساد وخرّبوا البلاد (٢) ، وخرج محمد بن عبيدالله الورثاني بورثان (٣).
وفي زمان الواثق انتقضت أرمينية ، وتغلب ملوك الجبال على ما يليهم ، وضعف أمر السلطان (٤).
وخرج ابن بيهس الكلابي بدمشق في جمع كثير من بطون قيس ، وفي سنة ٢٢٧ خرج رجل من أهل الثغور بالشام يقال له تميم اللخمي أبو حرب المبرقع اليماني ، فخلع الطاعة ودعا إلى نفسه ، واتبعه نحو مائة ألف مقاتل ، واستفحل أمره جداً ، وخرج قوم من البربر ببرقة ومعهم قوم من قريش من بني أسيد بن أبي العيص على عاملهم محمد بن عبدويه بن جبلة (5).
وكانت بطون قيس قد عاثت في طريق الحجاز وقطعوا الطريق حتى تخلف الناس عن الحج ، ونصبوا رجلاً من سليم يقال له عزيزة الخفافي ، وسلموا عليه بالخلافة ، وخرج بنو سليم حول المدينة النبوية فعاثوا في الارض فساداً وأخافوا السبيل ، وقاتلهم أهل المدينة فهزموا أهلها واستحوذوا على ما بين المدينة ومكة من المناهل والقرى ، فوجه الواثق بغا الكبير سنة ٢٣٠ وأمره أن يقتل كل من وجده من الاعراب ، فلقيهم بغا فقاتلوه ، فقتل منهم خلقاً عظيماً ، وصلبهم على الشجر ، وأسر منهم جمعاً غفيراً وحبسهم ، وحمل الباقين في الاغلال (6).
وفي زمان المتوكل سنة ٢٣٢ هـ عاثت بنو نمير باليمامة فسادا ، فقاتلهم بغا الكبير ، فقتل منهم نيفا وخمسين رجلاً وأسر أربعين رجلاً (7).
وفي سنة ٢٣٧ هـ خرج أهل أرمينية على عاملهم يوسف بن محمد فقتلوه (8).
وكانت حمص مسرحا للقتل والصلب والحرق لسوء تصرف عمالها وثورة الأهالي عليهم ، ففي سنة ٢٤٠ هـ ثاروا على عاملهم أبي المغيث الرافقي ، فقتلوا جماعة من أصحابه ، وأخرجوه وأخرجوا عامل الخراج (9).
وفي زمان المستعين سنة ٢٤٨ هـ ثاروا على عاملهم كيدر بن عبداللّه الإشروسيني ، فأخرجوه ، فوجه إليهم المستعين الفضل بن قارن الطبري فقتل منهم خلقا كثيرا وحمل مائة من أعيانهم إلى سامراء وأمر بهدم سور المدينة (10).
ثم وثبوا على الفضل بن قارن سنة ٢٥٠ هـ فقتلوه ، فوجه المستعين إليهم موسى بن بغا فقاتلهم وهزمهم ، وقتل من أهل حمص مقتلة عظيمة وأحرقهاوأسر جماعة من أعيان أهلها (11).
وفي سنة ٢٤٨ هـ بويع المستعين بالخلافة من قبل قادة الأتراك ، وجرت فتن منتشرة وكثيرة جدا ، ثم استقر الأمر للمستعين (12).
وفي سنة ٢٤٩ هـ هجم نفرٌ من الناس لايُدرى من هم على سامراء ، ففتحوا السجن وأخرجوا من فيه (13).
وكانت بغداد مسرحا لأعمال الشغب والفتن الكثيرة المتصلة ، ففي سنة ٢٤٩ هـ وقعت فتنة عظيمة في بغداد ، لأن العامة كرهوا جماعة من الاُمراء الأتراك لتغلبهم على أمر الخلافة واستيلائهم على اُمور المسلمين ، فنادوا بالنفير ، وانضمّ إليهم جماعة من الجند والشاكرية ، وفتحوا السجون وأخرجوا
من فيها ، وأحرقوا أحد الجسرين وقطعوا الآخر ، ونهبوا أماكن متعددة (14).
وفي سنة ٢٥١ ـ ٢٥٢ هـ جرت فتنة شنعاء في بغداد ، وذلك لأن المستعين هرب إلى بغداد بعد أن شغب عليه القادة الترك ، فأخرج المشغبون المعتزّ من سجن الجوسق وبايعوه بالخلافة ، فكانت الحروب سجالاً بينهما ، وقد انتهت بحصار جيش المعتز بقيادة أخيه الموفق وكلباتكين التركي لبغداد ، ودام الحصار أشهرا اشتدّ فيها البلاء وكثر القتل والحرق والسلب ، وجهد أهل بغداد من غلاء الأسعار وانتشار الأمراض حتى انتهى الأمر بتنازل المستعين عن الخلافة وخلعه نفسه وبيعته للمعتز (15).
وتعرضت الموصل لفتن كثيرة ، ففي سنة ٢٥٣ هـ حدثت فيها أعمال النهب والقتل ... ثم تكرر المشهد في السنوات التالية بسبب تعسف العامل عليها ـ وهو اذكوتكين التركي ـ الذي أساء السيرة في الناس ، وأظهر الفسوق ، وفعل المنكرات ، وأخذ الأموال ، فقاتلوه وأخرجوه من الموصل ونهبوا داره (16).
**************************
(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٤٧١.
(٢) البداية والنهاية ١٠ : ٣٠٨ ، تاريخ اليعقوبي ٢ : ٤٧٢.
(٣) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٤٧٥.
(٤) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٤٨١.
(5) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٤٨٠ ، البداية والنهاية ١٠ : ٢٢٤.
(6) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٤٨٠ ، البداية والنهاية ١٠ : ٣٣٢.
(7) الكامل في التاريخ ٦ : ٩٠ ، البداية والنهاية ١٠ : ٣٠٨.
(8) الكامل في التاريخ ٦ : ١١١ ، البداية والنهاية ١٠ : ٣١٥.
(9) الكامل في التاريخ ٦ : ١٢٠ ، البداية والنهاية ١٠ : ٣١٩.
(10) الكامل في التاريخ ٦ : ١٥١ ، البداية والنهاية ١١ : ٢ ، تاريخ اليعقوبي ٢ : ٤٩٥.
(11) الكامل في التاريخ ٦ : ١٦١ ، البداية والنهاية ١١ : ٦ ، تاريخ اليعقوبي ٢ : ٤٩٥.
(12) الكامل في التاريخ ٦ : ١٥٠ ، البداية والنهاية ١١ : ٢.
(13) الكامل في التاريخ ٦ : ١٥٤.
(14) الكامل في التاريخ ٦ : ١٥٣ ، البداية والنهاية ١١ : ٣.
(15) الكامل في التاريخ ٦ : ١٦٤ ـ١٧٠ ، البداية والنهاية ١١ : ٧.
(16) الكامل في التاريخ ٦ : ١٩١ و ٢٤٧.