كما رأينا إلى هنا حول من يأخذون منه حديث الرسول ( ص ) .
" 1 " موقف المدرستين من نشر حديث الرسول ( ص ) في القرن الاول
بالاضافة إلى ما ذكرنا حدد معالم المدرستين وأطر كلا منهما باطارها الخاص بها نشاط رجال المدرستين في نشر الحديث ، فبينا منع الخلفاء من كتابة حديث رسول الله ( ص ) ونشره نشطت المدرسة الاخرى في سبيل نشره متحدية جهود مدرسة الخلفاء في سبيل منعه ، وقد بدأت المعركة سافرة صريحة منذ آخر ساعات حياة الرسول عند ما قال 2 : " آتوني بكتاب أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا فقالوا : يهجر رسول الله ( ص ) " .
وقد عين البخاري في حديث آخر يرويه عن ابن عباس قائل هذا القول قال : " لما حضر النبي ( ص ) وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب ، قال : هلم أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده ، قال عمر : ان النبي ( ص ) غلبه الوجع وعندكم كتاب الله ، فحسبنا كتاب الله ، واختلف أهل البيت واختصموا فمنهم من يقول ما قال عمر ، فلما أكثروا اللغط والاختلاف ، قال : قوموا عنى ولا ينبغي عندي التنازع " 2 .
وفي رواية لعمر ذكر كيفية تنازعهم قال : كنا عند النبي وبيننا وبين النساء حجاب فقال رسول الله ( ص ) : اغسلوني بسبع قرب ، وأتوني بصحيفة ودواة أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده فقالت النسوة 3 : إئتوا رسول الله بحاجته فقال عمر فقلت : اسكتن فانكن صواحبه إذا مرض عصرتن اعينكن وإن صح أخذتن بعنقه ، فقال رسول الله ( ص ) : هن خير منكم " 4 .
وفي رواية اخرى ان زينب زوج النبي ( ص ) قالت : ألا تسمعون النبي ( ص ) يعهد إليكم فلغطوا فقال : قوموا فلما قاموا قبض النبي مكانه 5 .
ويظهر من بعض الاحاديث أنهم نشطوا لمنع كتابة حديث الرسول قبل ذلك وفي زمان صحة الرسول، قال عبد الله بن عمرو بن العاص :" كتب أكتب كل شئ أسمعه من رسول الله ( ص ) فنهتنى قريش وقالوا : تكتب كل شئ سمعته من رسول الله ( ص ) ورسول الله بشر يتكلم في الغضب والرضا ؟ فأمسكت عن الكتابة فذكرت ذلك لرسول الله فأومأ باصبعه إلى فيه وقال : " اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج منه إلا حق . 6 "
قد كشفوا النقاب في حديثهم مع عبد الله عن سبب منعهم من كتابة حديث الرسول ، وهو خشيتهم من أن يروى عنه حديث في حق اناس قاله فيهم حال رضاه عنهم ، وفي حق آخرين ما قاله في حال غضبه عليهم .
ومن هنا نعرف سبب منعهم كتابة وصية الرسول في آخر ساعات حياته ، ولماذا أحدثوا اللغط والضوضاء حتى توفي دون أن يكتب وصيته .
وسبب منعهم من كتابة حديث الرسول عندما ولوا الحكم ولم يبق مانع من ذلك .
_____________
1 ) البخاري في صحيحه باب جوائز الوفد من كتاب الجهاد 2 / 120 ، وباب اخراج اليهود من جزيرة العرب من كتاب الجزية 2 / 136 ، ومسلم في صحيحه 5 / 75 باب ترك الوصية . رواه مسلم بسبعة اسانيد .
ومسند أحمد ، تحقيق محمد شاكر الحديث 1935 ،
وطبقات ابن سعد ط بيروت 2 / 244 ،
وتاريخ الطبري 3 / 193 ، وفي لفظهم : ما شأنه أهجر قال الراوي يعني : هذى ! استفهموه فذهبوا يعيدون عليه فقال : دعوني . . . الحديث . وفي صحيح مسلم 5 / 76 ،
وتاريخ الطبري 3 / 193 ،
وطبقات ابن سعد 2 / 243 ولفظه : " انما يهجر رسول الله ) .
2 ) البخاري كتاب العلم باب العلم 1 / 22 . ( * )
3 ) في امتاع الاسماع ص 546 فقالت زينب بنت جحش وصواحبها .
4 ) طبقات ابن سعد ط بيروت 2 / 243 - 244 باب الكتاب الذي اراد ان يكتبه الرسول لامته ،
ونهاية الارب 18 / 357 ، وكنز العمال الطبعة الاولى 3 / 138 و 4 / 52 .
5 ) طبقات ابن سعد 2 / 244 .
6 ) سنن الدارمي 1 / 125 باب من رخص في الكتابة من المقدمة
وسنن ابي داود 2 / 126 باب كتابة العلم ، ومسند احمد 2 / 162 و 207 و 216 ، ومستدرك الحاكم 1 / 105 - 106 ، وجامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر 1 / 85 ط . الثانية ، ط العاصمة بالقاهرة سنة 1388 .
و عبد الله بن عمرو بن اعاص قرشي سهمي وامه ريطة بنت منبه السهمي كان اصغر من ابيه باحدى عشرة أو اثنتى عشرة سنة . اختلفوا في وفاته أكان بمصر أو الطائف أو مكة وعام 63 أو 65 . راجع ترجمته باسد الغابة 3 / 23 ، والنبلاء 3 / 56 ، وتهذيب التهذيب 5 / 337 . ( * )