طباعة

قوّة الحزب وخُطّته


كان من الممكن أنّ يكون عُنوان هذا الفصل : عضويّة الحزب أو أعلام الحزب أو قيادات الحزب ؛ لنتعرّف من خلالهم على طبيعة تكوينه وأثره والفعاليّات المؤثّرة فيه . وقد يبدو ذلك منطقيّاً خاصّةً وقد نعتنا الحزب من قبل بأنّه أمويّ ، وبالتالي يكون طبيعيّاً أنْ يتعمّده أشخاص ، وأنْ يكون هؤلاء الأشخاص أمويّين , ولكن لمّا كان تحليل المواقف والأحداث التاريخيّة ، قد قادنا إلى نتيجة هامّة مؤادّها اعتماد الحزب للنفعيّة له مذهباً كان الأكثر اتّساقاً . والمنطق أنْ نبحث عن كلّ المؤازرين للحزب والمنتمين له ، وإنْ لمْ يكونوا أمويّين نسباً ؛ فإنّما كان الأمويّون عصب هذا الحزب وعموده الفقري ، ولكنّهم لمْ يكونوا الحزب كاملاً . وأوضح مثل لذلك عقيل بن أبي طالب ، وقد مرّ بنا كيف مرق من معيّة أخيه عليّ (ع) إلى معاوية ، فكيف يُصنّف إذاً عقيل ؟
إنّنا نستطيع أنْ نقول : إنّه لمّا غلبت القوّة الاُمويّة نسباً على مقدرات الحزب صار الحزب يتسمّى باسمها , ومن جهة اُخرى فإنّنا نستطيع ـ أيضاً ـ أنْ نقول باطمئنان : إنّ الأمويّة بهذا الكيف أضحت عَلماً على مذهب ، لمَا جمعت النفعيّة بين الأمويّين نسباً وغيرهم ممّن شاركوهم مذهبهم .
ومثلما تفعل دائماً الأحزاب ذات الحنكة في الممارسة ، إذ تعتمد لها خُطّة وتتّخذ لنفسها منهجاً ، فإنّي أتصوّر ـ بل أكاد أوقن ـ أنّ أمرهم كان كالتالي :

1 ـ قضيّة أو قضايا عامّة لها قوّتها ووجاهتها يتخفّى الهدف الحقيقي وراءها ، وتكون لها ستراً ، وبحيث تكون ذات جذب لحشد أكبر قوّة مُمكنة وراءها .

2 ـ مرونة كافية للتعامل مع الأحداث المتعاقبة ، بحيث يُمكن تعديل وتطوير شكل القضايا المطروحة ، بل واستحداث قضايا متجدّدة طِبقاً للظرف المجتاز .

3 ـ المرحليّة في إنجاز الأهداف وعدم القفز فوق المعطيات الموضوعيّة للواقع ، والامتناع عن الإقدام على سبق الأحداث ، وعدم الهرولة للحصول على نتائج في ظلّ ظروف لمْ تنضج بعد .

4 ـ العمل على اتّساع القاعدة المؤيّدة للحزب عن طريق :
الف ـ إشباع القضايا المختارة بحثاً ، ودفعها إلى الصدارة دائماً من اهتمامات النّاس .
باء ـ التعامل مع النّاس طِبقاً لأفضليّاتهم الخاصّة وبِناءً على مآخذهم القريبة .
فعصب الحزب هُم الواعون بالهدف الحقيقي ، وبالتالي هُم المنتفعون الأصليّون , وأمّا الآخرون فيهم , إمّا غلب عليهم الظنّ في صحّة القضايا المطروحة ، وهؤلاء يضمن تأييدهم عن طريق اعتقادهم هذا , وإمّا قوم آخرون لا يبدون أهميّةً لمدى صحّة القضايا ، وإنّما يشرئبّون بأعناقهم إلى كسب قريب ، وهؤلاء يجب تغذية طموحاتهم باستمرار وإطماعهم بالمزيد .

4 ـ استباحة جميع الوسائل لتحقيق الهدف ، مع الحرص دائماً على إخراج الوسائل في صورة مقبولة ، والاجتهاد في إيجاد مبرّرات لها بحيث تبدو منطقيّة لدى العامّة .

5 ـ إبداء الغلظة واستعمال أقصى درجات الشدّة مع مَن يُصنّفون على أنّهم مُعادون ، وذلك إذا سمحت الظروف بذلك ؛ إرهاباً لهم ولمَن تحدّثه نفسه بتأييدهم ، وذلك مع عدم اليأس ممّن يدورون في فلكهم وفتح الباب دائماً لاستمالتهم .

6 ـ اتّباع خُطّة دعائيّة مُحكمة تعتمد على الآتي :
التضخيم من القوّة الذاتيّة لأقصى الحدود والحطّ من قوّة المُعادين ، وإشاعة ذلك بين النّاس ؛ حتّى تحدث أثرها في الانهيار المعنوي لدى معسكر الخصم ، وتخذيلاً لغيرهم عن الانضمام إليهم .
إسباغ المزايا على بعض المؤيّدين ليكونوا نماذج جاذبة وقابلة للاحتذاء ، بحيث تطمع غيرهم فيها .
التشكيك الدائم في المفاهيم التي تتمتّع بدرجة من الاستقرار لدى العامّة ، والتي يُمكن أنْ تقف حجر عثرة في سبيل تحقيق أهداف الحزب ، بحيث يلتبس أمرها وتفقد استقرارها .
عدم الاقتصار على تصنيف النّاس بين مؤيّدين ومُعادين ، فهناك فريق ثالث مُحايد ، وهؤلاء ـ أيضاً ـ لهم دورهم الذي يُمكن استغلاله ، وبالتالي فهؤلاء يُعتبرون قوّة مضافة , ولذا وجب الحفاظ عليهم وعدم استعدائهم .
العمل على اصطناع بؤر تصادميّة متعدّدة مناهضة للمُعادين ، بحيث تعمل على إرباكهم وتشتيت قواهم واستنزاف حيويّتهم ، ولا يشترط في ذلك أنْ تكون هذه البؤر مؤيّدة ، بل قد تكون معادية أيضاً ، ولكن دعمها مُفيد مرحليّاً .
العمل على انهيار التماسك الداخلي للمُعادين عن طريق زرع عملاء ، أو استمالة من لديه قابليّة الاستعمال ، وبحيث يتمكّنون من التوجيه الخفيّ لحركة الأحداث من الداخل مُوهمين بصحّة مسلكهم .
تلك ـ إذاً ـ خُطّة مُفترضة نزعم أنّها كانت خُطّة الحزب الاُموي . وعلينا الآن أنْ نخضعها للبحث ، ونطابق الأحداث عليها ليتبيّن مدى صحّة افتراضها .