• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

مناقشتنا في صحة ما قالوا حول الاجتهاد

كانت هذه مناقشات ابن حزم ، اما مناقشاتنا فانها تدور حول امرين :
اولا - حول مدلول الاجتهاد .
وثانيا - حول مفاهيم الادلة الثلاثة .
اما الاجتهاد فقد سبق ايراد دليلنا على ان مدلول الاجتهاد في القرن الاول كان معناه اللغوى هو بذل الجهد في اي امر كان والحديثان المرويان عن معاذ وابن العاص ان صح سندهما ايضا استعمل فيها " اجتهد " في معناه اللغوي المذكور .
ثم ان مورد الحديثين خارج عن محل النزاع فان موردهما باب القضاء ومحل النزاع جواز تشريع الاحكام من قبل المجتهدين ، وكذلكل الحال في الكتاب المنسوب إلى عمر وكذلك الامر في غيرها مما استدلوا به فانها رغم ضعف اسنادها إلى حد الاطمينان بانها موضوعة فان موارد جميعها شئون القضاء وليس التشريع .
وفي مورد القضاء ايضا لا تدل الاحاديث المذكورة على جواز تشريع القضاة لمورد حاجتهم ففي حديث معاذ مثلا الذي ظنوا ان فيه دلالة على دعواهم قد وهموا فيه فان مغزى الحديث ان الاحكام الاسلامية وردت في الكتاب والسنة على ضربين منها ما ورد في احدهما أو كليهما منصوصا على القضية الجزئية ومنها ما ورد بيانه ضمن قاعدة كلية وعلى الحاكم ان يبذل جهده ليتعرف على الحكم الكلي الذي ينطبق على مورد حاجته وهذا هو الاجتهاد اللغوي الذي هو بمعنى بذل الجهد في البحث عن الحكم المطلوب .
غير ان كيفية استشهاد علماء مدرسة الخلافة بهذا الحديث تدل على انهم يقولون ان التشريع الاسلامي الذي بلغه الرسول كان ناقصا في بعض جوانبه مما احتاج معه الحكام والقضاء والمفتون ان يشرعوا بآرائهم احكاما لقضايا اهمل حكمها في الاسلام ، ويأتي مزيد بيان له بعد عرض كيفية استخراج القواعد من عمل الصحابة في ما يلي :
استخراج القواعد من عمل الصحابة قال الدواليبي في تعريف الاجتهاد : انه رأي غير مجمع عليه وقال : فإذا اجمع عليه فهو الاجماع ولذلك فالاجتهاد بعد الاجماع في المنزلة 1 .
وقسم أنواع الاجتهاد إلى ثلاثة :
 اولا : البيان والتفسير لنصوص الكتاب والسنة 2 .
 ثانيا : القياس على الاشباه مما في الكتاب والسنة .
 ثالثا : الرأي الذي لا يعتمد على نص خاص ، وانما على روح الشريعة المبثوثة في جميع نصوصها معلنة : " ان غاية الشرع انما هي المصلحة ، وحيثما وجدت المصلحة فثم شرع الله " وان " ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن " .
وقال : ولعل من ابرز المسائل الاجتهادية ، والوقائع التي حدثت في عهد الصحابة بعد وفاة النبي، هي قضية قسمة الاراضي التي فتحها المقاتلون عنوة في العراق وفي الشام وفي مصر.
فلقد جاء النص القرآني يقول بصراحة لا غموض فيها ان خمس الغنائم يرجع لبيت المال ويصرف في الجهات التي عينتها الآية الكريمة ، " واعلموا انما غنمتم من شئ فان لله خمسة وللرسول ولذي القربى . . . " اما الاخماس الاربعة الباقية فتقسم بين الغانمين عملا بمفهوم الآية المذكورة وبفعله عليه الصلاة والسلام حين قسم خيبر بين الغزاة .
وعملا بالقرآن والسنة جاء الغانمون إلى عمر بن الخطاب وطلبوا ان يخرج الخمس لله ولمن ذكر في الآية ، وان يقسم الباقي بين الغانمين . فقال عمر : فكيف بمن يأتي من المسلمين فيجدون الارض بعلوجها قد اقتسمت ، وورثت عن الاباء وحيزت ؟ ما هذا برأي . فقال له عبد الرحمن بن عوف : فما الرأي ؟ ما الارض والعلوج الا مما افاء الله عليهم : فقال عمر :
ما هو الا ما تقول ، ولست ارى ذلك . . . فاكثروا على عمر ، وقالوا تقف ما افاء الله علينا باسيافنا على قوم لم يحضروا ولم يشهدوا ، . . . فكان عمر لا يزيد على ان يقول هذا رأيي . فقالوا جميعا الرأي رأيك 3 .
وقال ابن حزم : الرأي ما تخيلته النفس صوابا دون برهان . وقال : القياس : ان يحكم بشئ بحكم لم يأت به نص لشبهه بشئ آخر ورد فيه ذلك الحكم 5 .
وعرف الاستحسان في المدخل بقوله : الاستحسان : الاخذ في مسألة بحكم يخالف الحكم المعروف في القياس اما لرجحان علة في دليل الاستحسان أو لضرورة توجب مصلحة وتدفع حرجا 4 .
وروى عن الحنفية قولها عن الاستحسان انه : العدول بالمسألة عن حكم نظائرها إلى حكم آخر لوجه اقوى يقتضى هذا العدول . وعن المالكية انهم قالوا عن الاستحسان انه : ان لا يتقيد الفقيه المجتهد عند بحث الجزئيات بتطبيق ما يؤدي إليه اضطرار القياس من جلب مضرة أو مشقة ، أو منع مصلحة 6 .
وقال في تعريف الاستصلاح : الاستصلاح في حقيقته نوع من الحكم بالرأي المبني على المصلحة 7 .
وقال في الفرق بين الاصول الثلاثة : ان مسائل القياس والاستحسان تتطلب دوما المقارنة بمسائل اخرى .
ففي القياس توجب الحاق مسائل القياس بحكم المسائل الاخرى المقيس عليها وتوحيد الحكم فيها بسبب الاتحاد في العلة .
وفي الاستحسان توجب العدول بمسائل الاستحسان عن حكم المسائل الاخرى في النظائر والاشباه والمغايرة في الحكم فيها بسبب عدم الاتحاد في بعض الوجوه مما هو أقوى من بعض مظاهر الاتحاد .
 اما مسائل الاستصلاح فهي لا تستلزم المقارنة بمسائل اخرى على نحو ما مر في القياس والاستحسان للحكم فيها بل يعتمد في الحكم في مسائل الاستصلاح على المصلحة فقط 8 .
وقال في باب النصوص وتغيير الاحكام بتغير الزمان في الشرع الاسلامي : اما التغيير لحكم لم ينسخ نصه من قبل الشارع فقد اجازته للمجتهدين من قضاة ومفتين ، تبعا لتغير المصالح في الازمان ايضا ، وامتازت بذلك على غيرها من الشرائع ، واعطت فيه درسا بليغا عن مقدار ما تعطيه من حرية للعقول في الاجتهاد ومن مرونة لتحكيم المصالح في الاحكام . وهكذا اصبح العمل بهذا المبدأ الجليل قاعدة مقررة في التشريع الاسلامي ، تعلن بانه " لا ينكر تغير الاحكام بتغير الزمان " 9 .
واستشهد بقول ابن القيم في اعلام الموقعين : هذا فصل عظيم النفع جدا . . .
وقد اورد ابن القيم في هذا الباب عدة امثلة منها قوله : المثال السابع : ان المطلق في زمن النبي ( ص ) وأبي بكر وصدرا من خلافة عمر كان إذا جمع المطلقات الثلاث بفم واحد جعلت واحدة كما ثبت في الصحيح . . .
ثم اورد الاحاديث الصحاح في ذلك ومنها خبر تطليق عبد يزيد أبو ركانة زوجته حيث طلقها ثلاثا في مجلس واحد فحزم عليها ، فسأله رسول الله ( ص ) : كيف طلقتها ؟ قال : طلقتها ثلاثا . قال : في مجلس واحد ؟ قال : نعم . قال : فانما تملك واحدة فارجعها ان شئت ، فراجعها . وقال : والمقصود ان عمر بن الخطاب ( رض ) لم يخف عليه ان هذا هو السنة وانه توسعة من الله لعباده ، إذ جعل الطلاق مرة بعد مرة وما كان مرة بعد مرة لم يملك المكلف ايقاع مراته كلها جملة واحدة كاللعان فانه لو قال : " اشهد الله بالله اربع شهادات انه لمن الصادقين " كان مرة واحدة ولو حلف في القسامة وقال : اقسم بالله خمسين يمينا ان هذا قاتله " كان ذلك يمينا واحدا .
وهكذا اورد الامثلة عليه ثم قال : فهذا كتاب الله ، وهذه سنة رسول الله ( ص ) وهذه لغة العرب ، وهذا عرف التخاطب وهذا خليفة رسول الله ( ص ) والصحابة كلهم معه في عصره وثلاث سنين من عصر عمر على هذا المذهب . . . وهم يزيدون على الالف قطعا . . .
والمقصود ان هذا القول قد دل عليه الكتاب والسنة والقياس والاجماع القديم ولم يأت بعده اجماع يبطله ولكن رأى أمير المؤمنين عمر ( رض ) . . . ان هذا مصلحة لهم في زمانه 10 .
وفي تعريف الاجماع يقسمه الدواليبي إلى قسمين :
 أ - اتفاق العالمين من الامة في الموضوع المبحوث فيه ، وليس اتفاق الامة بكاملها .
 ب - الاتفاق الكائن في مكان ما من الامكنة التي تحدث فيها الحادثة ، أو تعرض فيها ، كالمدينة المنورة ، وليس هو الاتفاق الكائن في جميع الامكنة والامصار .
وقال : فلما مضى الصحابة ، وجاء من بعدهم من العلماء أخذ هؤلاء بالاجماع ايضا كاصل من اصول الشريعة . غير ان هؤلاء لم يجدوا انفسهم امام اصل واضح في حدوده . . . 11 .
جميع ما استعرضناه آنفا لا يعدو كونه عملا بالرأى سواء في القضايا التي سموا رأيهم فيها " تأويلا " أو " اجتهادا " أو موارد التسميات الاخرى .
فالقياس حقيقته : ان يحكم المجتهد في مسألة بحكم ورد في مسألة اخرى لما يرى بين المسألتين من مشابهة .
والاستحسان : ترك الحكم المشابه للمسألة ، لما يرى المجتهد المصلحة في خلافه .
والاستصلاح : العمل في قضية ما بما يراه المجتهد صالحا دون عمل مقارنة .
والاجماع : اتفاق آراء العلماء أو أهل بلد في حكم قضية ما .
هكذا تنتهى كل قواعد الاجتهاد بمدرسة الخلفاء إلى الرأي ، اضف إليه انهم كانوا يقدمون رأيهم على النص الشرعي ، مثل خبر حبس عمر الاراضي المفتوحة عنوة دون تقسيم أربعة اخماسها على الغزاة خلافا لنص الكتاب وعمل الرسول ، ومثل جعل القول بالتطليق ثلاثا مرة واحدة ثلاث مرات خلافا للكتاب والسنة ، ثم التباهي بالعمل بالرأي خلافا للكتاب والسنة ، ومن ثم كان امام مدرسة الرأي في المجتهدين يصرح احيانا بتقديم رأيه على الحديث النبوي الشريف وان رأيه اولى بالعمل من قول الرسول كما يأتي في الامثلة التالية :

لمتابعة الموضوع اضغط على الصفحة التالية أدناه

    



________
 1 و 2 ) المدخل ص 55 . ( * )
 3 ) المدخل إلى علم اصول الفقه ص 91 - 95 باب انواع الاجتهاد .
 4 ) الاحكام باصول الاحكام لابن حزم ط . مطبعة العاصمة بالقاهرة ونشر زكريا على يوسف راجع 1 / 40 منه . ( * )  
 5 ) المدخل ص 293 .
 6 ) المدخل ص 296 .
 7 ) المدخل ص 301 في الباب الثامن .
 8 ) المدخل ص 304 - 305 الباب الثامن . ( * )
 9 ) المدخل ص 317 .
 10 ) المدخل ص 319 .
 11 ) اعلام الموقعين لابن قيم الجوزية 3 / 30 - 36 فصل حكم جمع المطلقات الثلاث بلفظ واحد . ( * )
 12 ) المدخل ص 334 - 5 الباب التاسع . ( * ) 


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page