تواترت الاخبار بأن ائمة أهل البيت ورثوا كتاب الامام علي ( الجامعة ) في الاحكام ، والجفر ، ومصحف فاطمة ، وفيها انباء الحوادث الكائنة ، ويظهر من بعض الاحاديث السابقة والآتية ان هذه الكتب كانت في وعاء من جلد ثور يسمونه بالجفر الابيض ، وما ورثوه من سلاح رسول الله ( ص ) كان في وعاء من جلد ثور يسمونه بالجفر الاحمر :
في الكافي وبصائر الدرجات : عن الحسين بن ابي العلاء ، قال : سمعت ابا عبد الله ( ع ) يقول : عندي الجفر الابيض ، قال : قلت فأي شئ فيه ؟ قال : زبور داود ، وتوراة موسى ، وانجيل عيسى ، وصحف ابراهيم ( ع ) والحلال والحرام ، ومصحف فاطمة ما ازعم ان فيه قرآنا ، وفيه ما يحتاج الناس الينا ولا نحتاج إلى احد حتى فيه الجلدة ، ونصف الجلدة وربع الجلدة وارش الخدش ، وعندي الجفر الاحمر ، قال : قلت : واي شئ في الجفر الاحمر ؟ قال : السلاح . . . الحديث 1 .
ويقصد الامام من " وفيه ما يحتاج الناس الينا . . . " ان في الجفر كتاب علي ، وفي كتاب علي ما يحتاج الناس إليه .
وعن ابي حمزة عن ابي عبد الله قال مصحف فاطمة ما فيه شئ من كتاب الله وانما هو شئ القي عليها بعد موت ابيها ( ص ) 2 .
وفي رواية : عندي مصحف فاطمة ليس فيه شئ من القرآن 3 .
وانما يؤكد الامام في حديث بعد حديث انه ليس في مصحف فاطمة قرآن لئلا يلتبس على الناس لفظ المصحف كما التبس على بعضهم في عصرنا .
وفي بصائر الدرجات : عن على بن سعيد قال : كنت قاعدا عند ابى عبد الله - الامام الصادق - ( ع ) وعنده اناس من اصحابنا فقال له معلى بن خنيس جعلت فداك ما لقيت من الحسن بن الحسن ثم قال له الطيار جعلت فداك بينا امشي في بعض السكك إذ لقيت محمد بن عبد الله بن الحسن على حمار حوله : اناس من الزيدية - إلى ان قال أبو عبد الله - .
واما قوله في الجفر فانما هو جلد ثور مدبوغ كالجراب فيه كتب وعلم ما يحتاج إليه الناس إلى يوم القيامة من حلال وحرام املاء رسول الله وخطه علي
( ع ) بيده وفيه مصحف فاطمة ما فيه آية من القرآن وان عندي خاتم رسول الله ودرعه وسيفه ولواءه وعندي الجفر على رغم انف من رغم 4 .
روى هذا الحديث بسندين اوردنا اتمهما 5 .
ما أوردناه في هذا الباب من شرح مصادر العلوم بمدرسة أهل البيت لم يكن من باب حصر مصادر علوم أئمة أهل البيت بها بل مصداقا لقاعدة اثبات الشئ لا ينفي ما عداه وقد ورد عن الامام موسى بن جعفر انه قال : مبلغ علمنا على ثلاثة وجوه : ماض وغابر وحادث ، فاما الماضي فمفسر ، واما الغابر فمزبور ، واما الحادث فقذف في القلوب ، ونقر في الاسماع ، وهو افضل علمنا ولا نبي بعد نبينا 6 .
شرح الحديث : ملخص ما ذكره المجلسي ( ره ) بمرآة العقول : " مبلغ علمنا " اي غايته وكماله أو محل بلوغه ومنشؤه . " ماض " ما تعلق بالامور الماضية . " غابر " ما تعلق بالامورالاتية والغابر : الباقي والماضي ، من الاضداد .
" فاما الماضي فمفسر " أي فسره لنا رسول الله ( ص ) .
" وأما الغابر " أي العلوم المتعلقة بالامور الاتية المحتومة .
" فمزبور " أي مكتوب لنا في الجامعة ومصحف فاطمة وغيرها والشرايع والاحكام داخل فيها أو في أحدهما .
" واما الحادث " وهو ما يتجدد من الله حتمه من الامور أو العلوم والمعارف الربانية أو تفصيل المجملات .
" فقذف في القلوب " : بالالهام من الله تعالى بلا توسط ملك .
" أو نقر في الاسماع " بتحديث الملك إياهم ، وكونه من افضل علومهم لاختصاصه بهم ولحصوله بلا واسطة بشر أو لعدم اختصاص العلمين الاولين بهم إذ قد اطلع على بعضهما بعض خواص الصحابة مثل سلمان وأبي ذر باخبار النبي ( ص ) وقد رآى بعض أصحابهم ( ص ) مواضع من تلك الكتب ، ولما كان هذا القول منه ( ع ) يوهم ادعاء النبوة فان الاخبار عن الملك عند الناس مخصوص بالانبياء نفى ( ع ) ذلك الوهم بقوله " ولا نبى بعد نبينا " وذلك لان الفرق بين النبي والمحدث إنما هو برؤية الملك عند القاء الحكم للنبي وعدمها بالاسماع من الملك للمحدث . انتهى .
وفي الكافي عن الامام محمد الباقر ( ع ) قال : ان أوصياء محمد عليه وعليهم السلام محدثون . وعن أبي الحسن موسى ، قال : الائمة علماء صادقون مفهمون محدثون .
وعن محمد بن مسلم ، قال : ذكر المحدث عند أبي عبد الله ( ع ) فقال : انه يسمع الصوت ولا يرى الشخص فقلت : له : جعلت فداك ، كيف يعلم انه كلام الملك ؟ قال : انه يعطى السكينة والوقار حتى يعلم انه كلام ملك 7 .
نجد في كتب الحديث بمدرسة الخلفاء احاديث تثبت نظير هذه الصفات لبعض الخلفاء مثل ما روت ام المؤمنين عائشة في حق الخليفة عمر ، قالت : قال رسول الله ( ص ) " قد كان في الامم قبلكم محدثون فان يكن في امتي منهم احد فان عمر بن الخطاب منهم " .
وروى أبو هريرة أيضا نظير هذا الحديث في حق الخليفة عمر 8 ومهما ورد في مصادر مدرسة الخلفاء فانه لم يرد فيها ان احدهم ورث عن رسول الله كتابا مثل ما ورد ذلك في حق أئمة أهل البيت بكل وضوح وتفصيل وفي ما يلي كيفية تداول ائمة أهل البيت كتب العلم التي ورثوها عن رسول الله ( ص ) .
لمتابعة الموضوع اضغط على الصفحة التالية أدناه
__________
1 ) اصول الكافي 1 / 240 ح 3 ، وبصائر الدرجات 150 - 151 ، والاشارد للمفيد ص 257 مع اختلاف في اللفظ . الحسين بن ابي العلاء أبو على الخفاف الاعور يروي عن الامام الصادق له كتاب . قاموس الرجال 3 / 262 .
2 ) بصائر الدرجات 159 . ( * )
3 ) بصائر 154 . وابو حمزة الثمالي ثابت بن ابي صفية دينار له كتاب روى عن الائمة علي بن الحسين والباقر والصادق له كتاب . قاموس الرجال 2 / 270 و 10 / 53 .
4 ) بصائر الدرجات 156 .
5 ) بصائر الدرجات ص 160 و 161 وفيها الرواية الموجزة .
6 ) اصول الكافي 1 / 264 باب جهات علوم الائمة وشرحه بمرآة العقول 3 / 136 . ( * )
7 ) الاحاديث الثلاثة : في اصول الكافي 1 / 270 - 271 باب ان الائمة ( ع ) محدثون مفهمون .
8 ) رواية عائشة في صحيح مسلم باب فضائل الصحابة ح 2 ، ومسند أحمد 6 / 55 ،
ورواية أبي هريرة في صحيح البخاري 2 / 173 و 196 ، ومسند الطيالسي ح 2348 . ( * )