• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

النظام الاُموي والعصبيّة القبليّة


معلوم أنّ الإسلام جاء مساوياً بين الناس وجعلهم شعوباً وقبائل ليتعارفوا ، ونظر إليهم على أنّهم سواسية كأسنان المشط ، ولمْ يضع إلاّ معياراً وحيداً لتمايزهم ، وهو التقوى . فلمْ يعرف فضلاً لعربي على أعجمي ، ولا لأبيض على أحمر .
والإسلام أرسى قاعدة وحيدة أصيلة للانتماء بين الناس ، تسبق ما عداها من صلات وانتماءات ثانويّة . فليست القاعدة هي المواطنة ولا القوميّة ولا المصلحة المشتركة ، ولا الأصل العرقي ولا حتّى قرابة الدم ، وإنّما هي العقيدة . فإذا ما وُجد رباط العقيدة في الأساس ، أضحى لبعض الروابط الاُخرى دلالاتها الخاصّة النابعة من رباط العقيدة ذاته . وهذا بالطبع لا ينفي بل يؤكّد وجوب شمول العلاقات الإنسانيّة عامّةً بقواعد : العدل وحسن المعاملة وسماحة المعايشة . فتلك أيضاً منطوقات قواعد العقيدة ، ولكنّا نتحدّث تحديداً عن الانتماء .
وقد بيّن لنا القرآن حقيقة هذه القاعدة في كثير من آياته ، فيقول الله تعالى : ( إِنّ الذينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالذينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ )(1) .
وضرب الله تعالى لنا الأمثلة على جميع صور القرابة القريبة ، وأنّها لا تُغني من العقيدة شيئاً : في البنوة ، وفي الأبوّة ، وفي الزوجية : ( وَنَادَى‏ نُوحٌ رَبّهُ فَقَالَ رَبّ إِنّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنّ وَعْدَكَ الحقّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَانُوحُ إِنّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ )(1) . ( وَإِذِ ابْتَلَى‏ إِبْرَاهِيمَ رَبّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمّهُنّ قَالَ إِنّي جَاعِلُكَ لِلنّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرّيَتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ)(2) .
( وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلّا عَن مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيّاهُ فَلما تَبَيّنَ لَهُ أَنّهُ عَدُوّ للّهِ‏ِ تَبَرّأَ مِنْهُ إِنّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوّاهٌ حَلِيمٌ )(3) . ( ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً لِلّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلاَ النّارَ مَعَ الدّاخِلِينَ )(4) .
وقد وعى المسلمون الأوائل هذه الحقيقة بما لمْ يدع في نفوسهم أدنى شكّ في فحواها , وإنّ نظرةً واحدةً في وقعة واحدة كوقعة بدر لكفيلة بإظهار هذه الحقيقة واضحةً لا لبس فيها , فهذا أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة يشهد مع الرسول (صلّى الله عليه وآله) مصارع أبيه عتبة ، وعمّه شيبة وأخيه الوليد , وهذا مصعب بن عمير يمرّ بأخيه أبي عزيز بن عمير ، وهو أسير في يد رجل من الأنصار ، فيقول : شد يديك به ؛ فإنّ اُمّه ذات متاع ، لعلّها أنْ تفتديه منك(5) .
ثمّ ألاَ تدلّنا هجرة الرسول (صلّى الله عليه وآله) من مكّة إلى مدينة إلى المعنى العميق لحقيقة الانتماء ، فقد آذاه قومه وفيهم عشيرته ، ومنهم بعض قرابته القريبة وتربّصوا به وأرصدوا له واستعدّوا عليه ، بينما انتصر بقوم غير القوم وقبائل غير القبيلة .
إذاً حارب الرسول (صلّى الله عليه وآله) قومه بغير قومه ، وأحلّت له دماء قومه وأموالهم ، بل إنّ بلده وهو الحرام أحلّ له يوم الفتح .
ولو أنّ مقاييس أخرى كالمواطنة وغيرها طُبّقت ، لاتّهم (صلّى الله عليه وآله) بأشنع التهم ، وهو ما تجده واضحاً في أقوال المشركين من قوم الرسول (صلّى الله عليه وآله) الأقربين ، الذين فزعوا من هذا الدين الجديد بمفاهيمه المستحدثة ، وأحدها مخالفة ما شبّوا عليه من اعتقاد جازم في الأواصر بينهم بالمفهوم القِبَلي . مثال ذلك ما حدث عندما تحيّر القوم في وصف القرآن ، فاجتمع نفر من قريش يتدارسون ما يفعلون كيداً لمحمّد (صلّى الله عليه وآله) ، ألاّ يتّصل بقبائل العرب في الموسم ، فقال الوليد بن المغيرة(1) : إنّ أقرب القول فيه لأنْ تقولوا : ساحر جاء بقول هو سحر يفرّق به بين المرء وأخيه ، وبين المرء وزوجته ، وبين المرء وعشيرته . ومثاله كذلك قول عتبة بن ربيعة للرسول (صلّى الله عليه وآله) يوم وجده في المسجد(2) : يابن أخي ، إنّك منّا حيث قد علمت من السلطة في العشيرة ، والمكان في النسب ، وإنّك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرّقت به جماعتهم . وعندما التقى الجمعان يوم بدر ، استفتح أبو جهل على نفسه ، فقال(3) : اللهمّ ، أقطعنا للرحم ، وآتانا بما لا يعرف فأحنه الغداة .
إذاً ليست الأرض ولا القوم ، ولا القرابة ، ولا الدم بمنتجة رباطاً إلاّ العقيدة أوّلاً ، وتلك هي نظرة الإسلام ، وغيرها من مفاهيم الجاهليّة ، فكيف كانت رؤية وسياسة بني اُميّة ؟
عمد معاوية منذ البدء ، وضمن خُطّته لإحكام الملك لنفسه ولتوريثه بنيه إلى إحياء القبلية ، واستنفارها بعد الجهد الهائل الذي بذله الرسول (صلّى الله عليه وآله) لإماتتها . وقد كانت خُطّته تلك متعدّدة المستويات وإنْ تلازمت معاً ، ونحن نستعرضها أوّلاً ثمّ نُقيم الأدلة التي قادتنا إليها ثانياً :

أ ـ تمييز قريش من سائر العرب .
ت ـ تمييز معاوية ورهطه من قريش .
ث ـ التفرقة بين قبائل العرب .
ج ـ التفرقة بين العرب بعامّة والعجم .

ـــــــــــــــ
(1) سورة الأنفال / 72 .
(2) سورة هود / 45 ـ 46 .
(3) سورة البقرة / 124 .
(4) سورة التوبة / 114 .
(5) سورة التحريم / 10 .
(6) الطبري ، مرجع سابق 2 / 460 .
(7) سيرة ابن هشام ، مرجع سابق 1 / 270 .
(8) المرجع السابق / 293 .
(9) تاريخ الطبري ، مرجع سابق 2 / 449 .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page