• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

مسير جيش الخلافة إلى الحرمين

لما اقبل مسلم بالجيش وبلغ أهل المدينة خبرهم ، اشتد حصارهم لبني أمية بدار مروان وقالوا : والله لا نكف عنكم حتى نستنزلكم ونضرب أعناقكم أو تعطونا عهد الله وميثاقه ان لا تبغونا غائلة ولا تدلوا لنا على عورة ، ولا تظاهروا علينا عدوا فنكف عنكم ونخرجكم عنا ، فعاهدوهم على ذلك ، فأخرجوهم من المدينة ، فساروا بأثقالهم حتى لقوا مسلم بن عقبة بوادي القرى ، فدعا بعمرو بن عثمان بن عفان أول الناس فقال له : خبرني ما وراءك ، وأشر علي ؟ فقال : لا استطيع قد أخذ علينا العهود والمواثيق أن لا ندل على عورة ولا نظاهر عدوا فانتهره وقال : والله لولا انك ابن عثمان لضربت عنقك ، وايم الله لا أقيلها قرشيا بعدك ، فخرج إلى أصحابه فاخبرهم خبره ، فقال مروان بن الحكم لابنه عبد الملك : ادخل قبلي لعله يجتزي بك عني فدخل عبد الملك فقال : هات ما عندك ؟ فقال : نعم أرى أن تسير بمن معك فإذا انتهيت إلى ذي نخلة نزلت فاستظل الناس في ظله فأكلوا من صقره ! فإذا أصبحت من الغد مضيت وتركت المدينة ذات اليسار ثم درت بها حتى تأتيهم بها من قبل الحرة مشرقا ثم تستقبل القوم فإذا استقبلتهم وقد أشرقت عليهم الشمس طلعت بين أكتاف أصحابك فلا تؤذيهم ويصيبهم أذاها ، ويرون من ائتلاق بيضكم وأسنة رماحكم وسيوفكم ودروعكم ما لا ترونه أنتم ما داموا ؟ ربين ، ثم قاتلهم واستعن بالله عليهم ، فقال له مسلم : لله أبوك أي امرئ ولد ، ثم ان مروان دخل عليه فقال له : ايه : أليس قد دخل عليك عبد الملك ؟ ! قال : بلى واي رجل عبد الملك ، قلما كلمت من رجال قريش رجلا شبيها به ، فقال : إذا لقيت عبد الملك فقد لقيتني .
ثم انه صار في كل مكان يصنع ما أمر به عبد الملك . فجاءهم من قبل المشرق ، ثم أمهلهم ثلاثا ، فلما مضت الثلاث قال : يا أهل المدينة ما تصنعون ؟ أتسالمون أم تحاربون ؟ قالوا : بل نحارب ، فقال لهم : لا تفعلوا بل ادخلوا في الطاعة ونجعل حدنا وشوكتنا على أهل هذا الملحد الذى قد جمع إليه المراق والفساق من كل أوب ، يعني ابن الزبير فقالوا له : يا أعداء الله لو أردتم أن يجوزوا إليه ما تركناكم ، نحن ندعكم أن تأتوا بيت الله الحرام وتخيفوا أهله وتستحلوا حرمته لا والله لا نفعل ! ( 1 )
قال المسعودي والدينوري واللفظ للأول : احتفر أهل المدينة خندق رسول الله ( ص ) الذي كان قد حفره يوم الاحزاب وشكوا المدينة بالحيطان وقال شاعرهم مخاطبا ليزيد :

ان بالخندق المكلل بالمجد * لضربا يبدي عن النشوات
لست منا وليس خالك منا * يا مضيع الصلوات للشهوات
فإذا ما قتلتنا فتنصر * واشرب الخمر واترك الجمعات ( 2 )

قال الذهبي : فكان ابن حنظلة يبيت تلك الليالي في المسجد ، وما يزيد على أن يشرب يفطر على شربة سويق ويصوم الدهر ، وما رؤي رافعا رأسه إلى السماء أحيانا ، فلما قرب القوم خطب أصحابه وحرضهم على القتال وأمرهم بالصدق في اللقاء ، وقال : اللهم انا بك واثقون .
فصبح القوم المدينة ، فقاتل أهل المدينة قتالا شديدا ، فسمعوا التكبير خلفهم من المدينة وأقحم عليهم بنو حارثة وهم على الحرة فانهزم الناس و عبد الله بن حنظلة متساند إلى بعض بنيه يغط نوما فنبهه ابنه ، فلما رأى ما جرى أمر أكبر بنيه فقاتل حتى قتل ثم لم يزل يقدمهم واحدا بعد واحد حتى اتى على آخرهم !
قال : وبقي ابن حنظلة يمشي بها مع عصابة من الناس أصحابه ، فقال لمولى له : احم ظهري حتى أصلي الظهر ، فلما صلى ، قال له مولاه : ما بقي أحد فعلام تقيم ؟ ولواؤه قائم ، ما حوله الا خمسة ، فقال : ويحك انما خرجنا على أن نموت ، قال : وأهل المدينة كالنعام الشرود وأهل الشام يقتلون فيهم ، فلما هزم الناس طرح الدرع وقاتلهم حاسرا حتى قتلوه فوقف عليه مروان وهو ماد أصبعه السبابة ، فقال : والله لئن نصبتها ميتا فطالما نصبتها حيا ( 3 ).

 جيش الخلافة يستبيح حرم الرسول ( ص ) :

قال الطبري وغيره : وأباح مسلم المدينة ثلاثا يقتلون الناس ويأخذون الأموال ( 4 ) .
قال اليعقوبي : فلم يبق بها كثير أحد الا قتل وأباح حرم رسول الله حتى ولدت الابكار لا يعرف من أولدهن ( 5 ) .
وفي تاريخ ابن كثير : قتل يوم الحرة سبعمائة رجل من حملة القرآن ، وكان فيهم ثلاثة من أصحاب رسول الله ! وقال : قتل بشر كثير حتى كاد لا يفلت أحد من أهلها ( 6 ) .
وقال : ووقعوا على النساء ، حتى قيل : أنه حبلت ألف امرأة في تلك الأيام من غير زوج !
وروى عن هشام بن حسان أنه قال : ولدت ألف امرأة من أهل المدينة بعد وقعة الحرة من غير زوج ! وروى عن الزهري أنه قال : كان القتلى سبعمائة من وجوه المهاجرين والأنصار ، ووجوه الموالي ، وممن لا أعرف من حر أو عبد وغيرهم عشرة آلاف ( 7 ) وفي تاريخ السيوطي : وكانت وقعة الحرة بباب طيبة قتل فيها خلق من الصحابة ومن غيرهم ونهبت المدينة وافتض فيها ألف بكر ( 8 ) !
قال الدينوري والذهبي واللفظ للأول : وذكر أبو هارون العبدي ، قال : رأيت أبا سعيد الخدري ، ولحيته بيضاء ، وقد خف جانباها وبقي وسطها ، فقلت " يا أبا سعيد ما حال لحيتك ؟ " فقال : " هذا فعل ظلمة أهل الشام يوم الحرة ، دخلوا علي بيتي ، فانتهبوا ما فيه حتى أخذوا قدحي الذي كنت أشرب فيها الماء ، ثم خرجوا ، ودخل علي بعدهم عشرة نفر ، وأنا قائم أصلي ، فطلبوا البيت ، فلم يجدوا فيه شيئا ، فأسفوا لذلك ، فاحتملوني من مصلاي ، وضربوا بي الأرض ، وأقبل كل رجل منهم على ما يليه من لحيتي ، فنتفه ، فما ترى منها حفيفا فهو موضع النتف ، وما تراه عافيا فهو ما وقع في التراب ، فلم يصلوا إليها ، وسأدعها كما ترى حتى أوافي بها ربي ( 9 ) .
هكذا انتهت الأيام الثلاثة على مدينة الرسول .

أخذ البيعة من أهل المدينة على أنهم عبيد للخليفة يزيد :

قال الطبري وغيره: فدعا الناس للبيعة على أنهم خول ليزيد بن معاوية يحكم في دمائهم وأموالهم وأهليهم ما شاء ( 10 )
وقال المسعودي : وبايع من بقي من أهلها على أنهم قن ليزيد غير علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب ، لانه لم يدخل فيما دخل فيه أهل المدينة وعلي بن عبد الله بن العباس فان من كان في الجيش من أخواله من كندة منعوه . وقال : ومن أبى أمره على السيف ( 11 ) .
وفي طبقات ابن سعد : إن مسرف بن عقبة لما قتل الناس وسار إلى العقيق فسأل عن علي بن الحسين أحاضر فقيل له : نعم ، فقال : مالي ما أراه ؟ فجاءه مع ابني عمه محمد بن الحنفية فلما رآه رحب به وأوسع له على سريره ( 12 ) .
وفي تاريخ الطبري : قال : مرحبا وأهلا ، ثم أجلسه معه على السرير والطنفسة ، ثم قال : ان أمير المؤمنين أوصاني بك قبلا وان هؤلاء أخبثاء شغلوني عنك وعن وصلتك ، ثم قال لعلي : لعل أهلك فزعوا ، قال : اي والله ! فأمر بدابته فأسرجت ثم حمله فرده عليها ( 13 ) .
قال الدينوري : فلما كان اليوم الرابع جلس مسلم بن عقبة ، دعاهم إلى البيعة ، فكان أول من أتاه يزيد بن عبد الله بن ربيعة بن الأسود ، وجدته أم سلمة زوج
النبي ( ص ) . فقال له مسلم : بايعني . قال : أبايعك على كتاب الله وسنة نبيه ( ص ) . فقال مسلم : بل بايع على أنك فيئ لأمير المؤمنين ، يفعل في أموالكم وذراريم ما يشاء . فأبى أن يبايع على ذلك ، فأمر به ، فضربت عنقه ( 14 ) .
وقال الطبري : دعا الناس مسلم بن عقبة بقبا إلى البيعة وطلب الأمان لرجلين من قريش ليزيد بن عبد الله بن زمعة ومحمد بن أبي الجهم فأتى بهما بعد الوقعة بيوم فقال : بايعوا . فقالا : نبايعك على كتاب الله وسنة نبيه ، فقال : لا والله لا أقيلكم هذا أبدا فقدمهما فضرب أعناقهما فقال له مروان : سبحان الله أتقتل رجلين من قريش أتيا ليؤمنا فضربت أعناقهما ، فنخس بالقضيب في خاصرته ، ثم قال : وأنت والله لو قلت بمقالتهما ما رأيت السماء لا برقة .
قال : وأتى بيزيد بن وهب بن زمعة ، فقال : بايع قال : أبايعك على سنة عمر ، قال : أقتلوه قال : أنا أبايع قال : لا والله لا أقيلك عثرتك ، فكلمه مروان بن احكم لصهر كان بينهما فأمر بمروان فوجئت عنقه ثم قال : بايعوا على أنكم خول ليزيد بن معاوية ، ثم أمر به فقتل ( 15 ) .

إرسال الرؤوس إلى الخليفة يزيد :

قال ابن عبد ربه : وبعث مسلم بن عقبة برؤوس أهل المدينة إلى يزيد ، فلما ألقيت بين يديه ، جعل يتمثل بشعر ابن الزبعرى يوم أحد :

1 - ليت أشياخي ببدر شهدوا * جزع الخزرج من وقعي الاسل
2 - لأهلوا واستهلوا فرحا * ثم قالوا : يا يزيد لا تشل

فقال له رجل من أصحاب رسول الله ( ص ) : ارتددت عن الإسلام يا أمير المؤمنين ! قال : بلى نستغفر الله ، قال : والله لا أساكنك أرضا أبدا ، وخرج عنه ( 16 ) .
وفي رواية ابن كثير ، جاء بعد البيت الأول :

حين حلت بقباء بركها * واستحر القتل في عبد الاشل
قد قتلنا الضعف من أشرافهم * وعدلنا ميل بدر فاعتدل

ثم قال : وزاد بعض الروافض فيها فقال :

لعبت هاشم بالملك فلا * ملك جاء ولا وحي نزل

قال ابن كثير بعده : فهذا ان قاله يزيد بن معاوية فلعنة الله عليه ولعنة اللاعنين وان لم يكن قاله فلعنة الله على من وضعه عليه ( 17 ) .
قال المؤلف : قد وهم ابن كثير وظن أنهم قالوا : أضاف يزيد هذا البيت على شعر ابن الزبعرى في هذا المقام فأنكره بينما هم لم ينقلوا ذلك وانما روى الشعبي وغيره أن يزيد أضاف هذا البيت على شعر ابن الزبعرى عندما تمثل بشعره ورأس الحسين بين يديه ولم يكن الشعبي رافضيا ولا شيعيا وانما كان من كبار المتعصبين لمدرسة الخلافة .
ولست أدرى لماذا لم يعتذر ابن كثير عن يزيد ويقول : انه مجتهد وانه أنشد هذا البيت باجتهاده ؟ !
 



__________
 1 ) الصقر بكسر القاف التمر الذي يصلح للدبس . ( * )
 2 ) الطبري 7 / 6 - 8 ، وابن الأثير 4 / 45 - 46 .
 3 ) التنبيه والاشراف ص 264 ، والأخبار الطوال ص 265 ( * ).
 4 ) تاريخ الإسلام للذهبي 2 / 356 - 357 .
 5 ) تاريخ الطبري 7 / 11 ، وابن الأثير 3 / 47 ، وابن كثير 8 / 220 .
 6 ) تاريخ اليعقوبي 6 / 251 .
 7 ) تاريخ ابن كثير 6 / 234 .
 8 ) تاريخ ابن كثير 8 / 22 .
 9 ) تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 209 ، وراجع تاريخ الخميس 2 / 302 ( * ) .
 10 ) الدينورى في الأخبار الطوال ص 269 ، والذهبي في تاريخ الإسلام 2 / 357 .
 11 ) تاريخ الطبري 7 / 13 .
 12 ) التنبيه والاشراف ص 264 ، ومروج الذهب 3 / 71 .
 13 ) طبقات ابن سعد 5 / 215 .
 14 ) تاريخ الطبري 7 / 11 - 12 ، وفتوح ابن أعثم 5 / 300 ( * ) .
15 ) تاريخ الطبري 7  / 11 - 2
16 ) الأخبار الطوال ص 265 .
17 ) العقد الفريد 4 / 390 ( * ) .
18 ) ابن كثير 8 / 224 ، وفى رواية الدينورى بأخبار الطوال ص 267 ( * ) .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
رمضان
الأدعية
المحاضرات
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

30 رمضان

وفاة الخليفة العباسي الناصر لدين الله

المزید...

23 رمضان

نزول القرآن الكريم

المزید...

21 رمضان

1-  شهيد المحراب(عليه السلام). 2- بيعة الامام الحسن(عليه السلام). ...

المزید...

20 رمضان

فتح مكّة

المزید...

19 رمضان

جرح أميرالمؤمنين (عليه السلام)

المزید...

17 رمضان

1 -  الاسراء و المعراج . 2 - غزوة بدر الكبرى. 3 - وفاة عائشة. 4 - بناء مسجد جمكران بأمر الامام المهد...

المزید...

15 رمضان

1 - ولادة الامام الثاني الامام الحسن المجتبى (ع) 2 - بعث مسلم بن عقيل الى الكوفة . 3 - شهادة ذوالنفس الزكية ...

المزید...

14 رمضان

شهادة المختار ابن ابي عبيدة الثقفي

المزید...

13 رمضان

هلاك الحجّاج بن يوسف الثقفي

المزید...

12 رمضان

المؤاخاة بين المهاجرين و الانصار

المزید...

10 رمضان

1- وفاة السيدة خديجة الكبرى سلام الله عليها. 2- رسائل أهل الكوفة إلى الامام الحسين عليه السلام . ...

المزید...

6 رمضان

ولاية العهد للامام الرضا (ع)

المزید...

4 رمضان

موت زياد بن ابيه والي البصرة

المزید...

1 رمضان

موت مروان بن الحكم

المزید...
012345678910111213
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page