على ضوء ما أوردنا من تعريف مصطلحاتهم ندرس ألفاظهم في الأسانيد لنعلم مدى اتصال المشايخ في رواية الحديث بأئمة أهل البيت : في ترجمة ظريف : قال النجاشي كان ثقة في حديثه ، صدوقا ، له كتب ، منها كتاب الديات رواه عدة من أصحابنا . اخبرنا عدة من أصحابنا ، عن أبي غالب احمد بن محمد ، قال : قرأ علي عبد الله ابن جعفر وأنا أسمع ، قال : حدثنا الحسن بن ظريف ، عن أبيه به . وقال الطوسي : له كتاب الديات ، اخبرنا الشيخ أبو عبد الله . . . واخبرنا ابن أبي جيد . . . ( 1 ) .
قال النجاشي : ( أخبرنا عدة من أصحابنا ، عن أبي غالب ) واخبرنا في اصطلاحهم مشترك بين سماع التلميذ من الشيخ ، وقراءة التلميذ أو قراءة زميله على الشيخ والشيخ يسمع ولعل كل ذلك وقع في رواية عدة من الأصحاب عن أبي غالب ، اما رواية أبي غالب عن شيخه والى آخر سلسلة السند فقد كان سماعا عن الشيخ حسب مفاد الألفاظ الواردة في السند .
وقال الطوسي هنا أي في الفهرست " اخبرنا المفيد وابن أبي جيد " وذكر صدر السند بينما هو يحذف صدور الأسانيد في رواياته بكتابية : الاستبصار والتهذيب ويختزل ألفاظ الأسانيد . وكذلك فعل الصدوق في الفقيه وقبله الكليني في الكافي وحذفا صدور أسانيد كتاب الديات .
وكذلك دأب المشايخ مع إسناد جل رواياتهم يحذفون صدور الأسانيد ويرمزون إلى مقصودهم أحيانا ، وأخرى يجملون القول ، مثل قولهم : " علي بن إبراهيم ، عن أبيه " . " وعدة من أصحابنا ، أو عدة عن سهل بن زياد " .
ثم يشرحون في محل آخر رمزهم ، ويبينون تفصيل ذلك المجمل ، ويذكرون تمام السند ، كما فعل الصدوق في ذكر مشيخته بآخر الفقيه ، والطوسي في شرح مشيخته بآخر الاستبصار والتهذيب . وقد قصدنا في ما أوردنا ببحث " معرفة رواة كتاب الديات " اراءة شرحهم لكيفية تلقيهم الرواية من كل شيخ في ترجمة ذلك الشيخ ، ووجدنا في ما ذكروا بتلك التراجم تثبتا في تحمل الحديث ونقله بما لا مزيد عليه فهذا العالم يروي عن شيخه أربعة من أحاديثه بلا واسطة لانه قد سمعها عنه بنفسه ، ويروي سائر رواياته عنه بواسطة أبيه وأخيه .
وآخر يسمع من أبيه كتبه مقابلة ومع ذلك فانه لا يرويها عنه بلا واسطة لان سنه كان عند سماعه إياها عنه ثمانية عشر عاما ولم يكن يفهم درك الحديث تماما . ولهذا فهو يروي تلك الكتب عن أبيه بواسطة أخويه اللذين سمع الكتب عنهما في حال كمال إدراكه . وذلك الشيخ الثالث يروى جميع ما في كتاب الشرائع ويستثني منه حديثا واحدا في حكم لحم البعير ويحتاط في روايته . والرابع يقول : سمعت منه روايات يسيرة في دار ابن همام وليس لي منه اجازة .
* * *
من كل ما أوردناه آنفا ومن نظائرها الكثيرة في سلاسل أسانيد الروايات ومحتويات رسائل الاجازات يطمئن الباحث إلى سلامة اتصال سلاسل إسناد المشايخ إلى أئمة أهل البيت في حدود القدرات البشرية .
وبعد البرهنة على ذلك ينبغي البحث عن كيفية اتصال فقهاء مدرسة أهل البيت عبر القرون بالموسوعات الحديثية التي ألفها أولئك المشايخ ، ولنضرب مثلا لذلك اتصالهم بأول الموسوعات الحديثية بمدرسة أهل البيت ، وأقدمها زمنا ، وهو كتاب الكافي تأليف محمد بن يعقوب الكليني ، وفي هذا الصدد ، قال الشيخ الطوسي في الفهرست : " محمد بن يعقوب الكليني ، يكنى أبا جعفر ، ثقة ، عارف بالأخبار ، له كتب منها كتاب الكافي ، وهو يشتمل على ثلاثين كتابا ، أوله كتاب العقل " . ثم سجل أسماء كتاب الكافي ، وقال في آخره : " كتاب الروضة آخر كتاب الكافي " .
وقال : اخبرنا بجميع كتبه ورواياته الشيخ أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان ، عن أبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه عن محمد بن يعقوب بجميع كتبه . واخبرنا الحسين بن عبيدالله قراءة عليه اكثر هذا الكتاب الكافي عن جماعة ، منهم : أبو غالب احمد بن محمد الزرارى ، وأبو القاسم جعفر بن محمد بن قولويه .
وأبو عبد الله احمد بن إبراهيم الصيمري المعروف بابن أبي رافع ، وأبو محمد هارون بن موسى التلعكبري ، وأبو المفضل محمد بن عبد الله بن المطلب الشيباني ، كلهم ، عن محمد بن يعقوب . واخبرنا الأجل المرتضى ، عن أبي الحسين أحمد بن علي بن شعيب الكوفي ، عن محمد بن يعقوب .
واخبرنا أبو عبد الله احمد بن عبدون ، عن ، احمد بن إبراهيم الصيمري ، وأبي الحسين عبد الكريم بن عبد الله بن نصر البزاز بتفليس وبغداد ، عن : أبي جعفر محمد ابن يعقوب الكليني بجميع مصنفاته ورواياته . . . - انتهى .
إذا فالشيخ الطوسي عرف كتب الكافي واحدا بعد الآخر وكان أولها كتاب العقل وآخرها كتاب الروضة . وقال : انه يرويه عن أربعة من شيوخه ، وكان هؤلاء الأربعة يروون الكتاب عن تلاميذ الكليني ، وكان أحد شيوخ الطوسي يروي الكتاب عن خمسة من تلاميذ الكليني ، وآخر عن اثنين منهما .
وروى الطوسي عن شيوخه بلفظ أخبرنا واخبرنا مشترك بين سماع لفظ الشيخ والقراءة على الشيخ ، غير انه لما ذكر في روايته عن الحسين بن عبيد الله انه يروي الكتاب عنه قراءة عليه أكثرها ، نفهم بأنه قد روى الكتاب من بقية شيوخه في سلسلة هذا السند سماعا منهم . هذا ما كان عن الشيخ الطوسي اما النجاشي فقد قال : . . . صنف الكتاب الكبير المعروف بالكليني ، يسمى الكافي في عشرين سنة ، شرح كتبه : كتاب العقل . . . كتاب الروضة . يظهر مما ذكره النجاشي وغيره ان الكتاب كما كان يسمى باسم " الكافي " كان يسمى أحيانا باسم مؤلفه " الكليني " كما نسمي نحن اليوم أحيانا كتاب " تاريخ الأمم والملوك " تأليف الطبري باسم مؤلفه " الطبري " .
ويظهر أيضا من تعريف النجاشي والطوسي للكافي انه كان مقسما حسب مواضيعه إلى ثلاثين كتابا على صورة أجزاء ، كل كتاب منه في مجلد واحد ، غير أنها لم تكن مرقمة بالتسلسل ، كما هو شأن مجلدات الكتب في عصرنا ، لذلك حصل بعض التقديم والتأخير في ذكر أسماء كتبه ، عدا اسم الأول : كتاب العقل ، واسم الكتاب الأخير ، الروضة .
وقال النجاشي أيضا : كنت أتردد إلى المسجد المعروف بمسجد اللؤلؤي ، وهو مسجد نفطويه النحوي ، أقرأ القرآن على صاحب المسجد ، وجماعة من أصحابنا يقرؤون كتاب الكافي على أبي الحسين أحمد بن احمد الكوفي الكاتب : " حدثكم محمد بن يعقوب الكليني " ورأيت أبا الحسن العقراوى يرويه عنه .
إذا فالشيخ النجاشي أدرك اثنين من تلاميذ الكليني يرويان الكافي عنه ، احدهم كان يخاطب تلاميذه عند ما يقرأ الكافي ، وهو يقول : " حدثكم محمد بن يعقوب الكليني " وذلك بحكم سماعه الكتاب عن الكليني واجازته له ان يرويه عنه ، ولكن النجاشي لا يروي الكافي عن هذين الشيخين من تلاميذ الكليني وان أدركهما وسمعهما ، وانما يرويه عن تلاميذ الكليني فقد قال : وروينا كتبه كلها عن جماعة شيوخنا ، منهم : محمد بن محمد - الشيخ المفيد - ، والحسين بن عبيد الله - الغضايري - ، واحمد بن علي بن نوح ، عن أبي القاسم جعفر بن قولويه ، عنه رحمه الله . انتهى .
ولنشرح بعد هذا العرض أسلوب الدراسة يومذاك لنتفهم مغزى أقوالهم .
لمتابعة الموضوع اضغط على الصفحة التالية أدناه
________
1 ) مجمع الرجال 3 / 233 ( * ) .