قال الكشي في الحسين بن عبيداللّه [ المحرر ] : أنّه أُخرج من قم في وقت كانوا يخرجون منها من اتهموه بالغلو (1).
وروى الكشي ، عن جعفر بن معروف القمي قال : صرت إلى محمد بن عيسى [ العبيدي ] لاكتب عنه فرأيته يتقلنس بالسوداء فخرجت من عنده ولم أعد إليه ، ثمّ اشتدّت ندامتي لِما تركت من الاستكثار منه لمّا رجعت وعلمت أنِّي قد غلطت.
وعن علي بن محمد القتيبي قال : كان الفضل يحبُّ العبيدي ويثني عليه ويمدحه ويميل إليه ويقول : ليس في أقرانه مثله (2).
ولو راجعت ترجمة القاسم بن يقطين القمي (3) والحسن بن محمد المعروف بابن بابا (4) ترى في ترجمتهما ما يظهر اعتبار محمد بن عيسى العبيدي عند الإمام
الهادي والعسكري عليهماالسلام ، لان محمد بن عيسى العبيدي قال : كتب إلّى أبو الحسن العسكري [ وفي آخر العسكري ] ابتداء منه (5).
قال أبو العباس بن نوح : وقد أصاب شيخنا أبو جعفر محمد بن الحسن بن الوليد في ذلك كله وتبعه أبو جعفر بن بابو يه على ذلك إلاّ في محمد بن عيسى بن عبيد ، فما أدري مارابه فيه!! لأ نّه كان على ظاهر العدالة والثقة (6).
وقال النجاشي : ورأيت أصحابنا ينكرون هذا القول ويقولون : مَن مِثل أبي جعفر محمد بن عيسى؟! سكن بغداد (7).
وشخص كهذا هو ممن اتّهم عند القميين بالغلوّ فلم يرووا عنه ، لما قيل عنه : إنّه كان يذهب مذهب الغلاة (8).
وقد تسرّعوا كذلك في محمد بن موسى بن عيسى السمّان والقول فيه أنّه وضع كتابي زيد النرسي وزيد الزّراد ، ولو راجعت ترجمة زيد النرسي وزيد الزراد لوقفت على قول ابن الغضائري : قال أبو جعفر بن بابويه :إنّ كتابهما موضوع وضعه محمد بن موسى السمان ؛ وغلط أبو جعفر في هذا القول ، فإنّي رأيت كتبهما مسموعة من محمد بن أبي عمير (9).
قال النجاشي : محمد بن موسى بن عيسى ، أبو جعفر الهمداني السمان ، ضعفه القميّون بالغلوّ ، وكان ابن الوليد يقول : إنّه كان يضع الحديث ، واللّه أعلم.
له كتاب ما روي في أيّام الأسبوع ، وكتاب الردّ على الغلاة اخبرنا ابن شاذان عن أحمد بن محمد بن يحيى ، عن أبيه ، عنه بكتبه (10).
كيف يقول الصدوق ذلك تبعا لابن الوليد ، والنجاشي يقول في رجاله : حدّثنا علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن زيد النرسي بكتابه (11).
ونص شيخ الطائفة في الفهرست على رواية ابن أبي عمير لكتاب زيدالنرسي كما ذكره النجاشي ثم ذكر في ترجمة ابن أبي عمير طرقه المعتبرة الصحيحة التي تنتهي إليه (12).
وقال الشيخ في العدّة عن ابن أبي عمير : إنّه لا يروى ولا يرسل إلاّ عمّن يوثق به وهذا توثيق عامّ لمن روى عنه (13) [ وفيه روايته لكتاب زيد النرسي ] ولا معارض له ها هنا.
قال السيّد بحر العلوم : وفي كلام الشيخ تخطئة ظاهرة للصدوق وشيخه في حكمهما بأنّ أصل زيد النرسي من موضوعات محمد بن موسى الهمداني ، فإنه متى صحّت رواية ابن أبي عمير إيّاه عن صاحبه امتنع إسناد وضعه إلى الهمداني المتأخّر العصر عن زمن الراوي والمرويّ عنه.
وأمّا النجاشي فقد عرفت مما نقلناه عنه روايته لهذا الأصل في الحسن كالصحيح بل الصحيح على الأصح عن ابن أبي عمير عن صاحب الأصل ، وقد روى أصل زيد الزراد عن المفيد عن ابن قولو يه عن أبيه وعلي بن بابويه ، عن علي بن إبراهيم ، عن محمد بن عيسى بن عبيد ، عن ابن أبي عمير ، عن زيد الزراد. ورجال هذا الطريق وجوه الأصحاب ومشايخهم (14) وليس فيهم من يتوقّف في شأنه سوى العبيدي ، والصحيح توثيقه.
وقد اكتفى النجاشي بذكر هذين الطريقين ولم يتعرّض لحكاية الوضع في شيء من الأصلين ، بل أعرض عنها صفحا ، وطوى عنها كشحا ، تنبيها على غاية فسادها مع دلالة الإسناد الصحيح المتّصل على بطلانها ، إلى أن يقول رحمهالله :
ويشهد لذلك أيضا أنّ محمد بن موسى الهمداني وهو الذي ادُّعي عليه وضع هذه الاُصول لم يتّضح ضعفه بعد فضلاً عن كونه وضّاعا للحديث ، فإنّه من رجال نوادر الحكمة ، والرواية عنه في كتب الأحاديث متكرّرة ومن جملة رواياته : حديثه الذي انفرد بنقله في صلاة عيد الغدير ، وهو حديث مشهور ، أشار إليه المفيد رحمهالله في « المقنعة » وفي « مسار الشيعة » (15)ورواه الشيخ رحمهالله في التهذيب (16) وأفتى به الأصحاب ، وعوّلوا عليه ، ولا رادّ له سوى الصدوق (17) وابن الوليد ، بناء على أصلهما فيه.
والنجاشي ذكر هذا الرجل في كتابه ولم يضعّفه ، بل نسب إلى القميّين تضعيفه بالغلوّ ، ثمّ ذكر له كتبا منها كتاب الرّد على الغلاة ، وذكر طريقه إلى تلك الكتب ، قال رحمهالله : وكان ابن الوليد رحمهالله يقول : إنّه كان يضع الحديث واللّه أعلم (18).
وابن الغضائري وإن ضعّفه ، إلاّ أنّ كلامه فيه يقتضي أنّه لم يكن بتلك المثابة من الضعف ، فإنّه قال فيه : إنّه ضعيف ، يروي عن الضعفاء ، ويجوز أن يخرج
شاهدا ، تكلّم فيه القمّيّون فيه بالرد فأكثروا ، واستثنوا من نوادر الحكمة ما رواه (19) ، وكلامه ظاهر في أنّه لم يذهب فيه مذهب القمّيّين ، ولم يرتضِ ما قالوه ، والخطب في تضعيفه هيّن ، خصوصا إذا استهانه وقد فصّل سيدنا بحر العلوم الكلام عن أصل زيد النرسي في رجاله بحيث كفى الآخرين مؤونة الكلام عنه (20).
ومن الطريف أنّ الشيخ الصدوق قد روى عن ابن أبي عمير في كتاب ثواب الأعمال باب ( ثواب غسل الرأس بورق السدر ) عن زيد النرسي بهذا الاسناد :
أبي رحمهالله ، قال : حدثني علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن محمد بن أبي عمير ، عن زيد النرسي ، عن بعض أصحابه ، قال : سمعت ابا عبداللّه يقول : كان(21) الخبر.
وفي من لا يحضره الفقيه كتاب الوصية ، باب ضمان الوصي لِما يغيره بما اوصى به الميّت : وروى محمد بن أبي عمير عن زيد النرسي ، عن علي بن مزيد (22) صاحب السابري قال :الخبر (23).
*************
(1) رجال الكشي ٢ : ٧٩٩ / رقم ٩٩٠.
(2) رجال الكشي ٢ : ٨١٧ / رقم ١٠٢٢ ، التحرير الطاووسي : ٥٢٧ / الرقم ٣٨٧.
(3) رجال الكشي ٢ : ٧٨٧ / رقم ٩٩٦.
(4) رجال الكشي ٢ : ٧٨٧ / رقم ٩٩٩ وفي ابن أبي الزرقاء ما يظهر منه اعتباره كذلك.
(5) رجال الكشي ٢ : ٨٠٤ / الرقم ٩٩٦.
(6) فهرست مصنفات اصحابنا المعروف برجال النجاشي : ٣٤٨ / ت ٩٣٩ ، خلاصة الأقوال : ٤٣١ / الفائدة الرابعة.
(7) فهرست مصنفات اصحابنا المعروف برجال النجاشي : ٣٣٣ / ت ٨٩٦.
(8) الفهرست : ٢١٦ / ت ٦١١.
(9) رجال ابن الغضائري : ٦٢ / ت ٥٣ ، وعنه في خلاصة الاقوال : ٣٤٧ / الفصل ١٠ / الباب ١ / ت ٤.
(10) فهرست مصنفات اصحابنا المعروف برجال النجاشي : ٣٣٨ / ت ٩٠٤. وقد يكون فيما كتبه في الرد على الغلاة كان دفاعا عن نفسه ضد التهمة الموجهة إليه.
(11) فهرست مصنفات اصحابنا المعروف برجال النجاشي : ١٧٦ / ت ٤٦٠ : وانظر كلام الشهيد في الرعاية : ٩٠ ، والوافي ١ : ٥ ـ ٦ ، والحدائق ١ : ٩٠ ، ينظر إلى كلام الشيخ في عدة الاصول ١ : ١٤٧ / الفصل الخامس / في ذكر القرائن التي تدل على صحة اخبار الآحاد أو على بطلانها وما ترجح به الأخبار بعضها على بعض ، وحكم المراسيل.
(12) انظر الفهرست : ١٣٠ / ت ٣٠٠ ، وفهرست مصنفات اصحابنا المعروف برجال النجاشي : ١٧٤ / ت ٤٦٠.
(13) عدة الأُصول ١ : ١٥٤.
(14) وغالب هؤلاء من القميين.
(15) المقنعة : ٢٠٤ ، مسار الشيعة : ٣٩ ضمن المجلد السابع من مصنفات الشيخ المفيد.
(16) التهذيب ٣ : ١٤٣/ باب صلاة الغدير / ح ٣١٧.
(17) الفقيه ٢ : ٩٠ / ذيل الحديث ١٨١٧.
(18) فهرست مصنفات اصحابنا المعروف برجال النجاشي : ٣٤٨ / ت ٩٠٤ ، الفوائد الرجالية ٢ : ٣٧٦ / ترجمة زيد النرسي.
(19) حكاها عنه العلاّمة في الخلاصة : ٤٠١/ ت ٤٤.
(20) انظر ترجمته في الفوائد الرجاليه ٢ : ٣٦٠ ـ ٣٧٦ ، وكلام المحدث النوري في خاتمة مستدرك الوسائل ١ : ٦٢.
(21) ثواب الاعمال : ٢٠ والحديث موجود في اصل زيد النرسي كذلك.
(22) في الكافي ٧ : ٢١ ح ١ علي بن فرقد وكلاهما مجهول.
(23) من لا يحضره الفقيه ٤ : ٢٠٧ / ٥٤٨٢.
نماذج أخرى من تشدّد القمّيين
- الزيارات: 1091