فإنّا نرى العالم الكبير بجميع ما فيه متحرّكاً ، ويراه الجميع من الإلهيّين والمادّيين في تغيّر ، والكلّ يعرفه بحركة وعدم سكون ، ومعلوم أنّ الحركة تحتاج إلى محرّك وبديهي أنّ الأثر لابدّ له من مؤثّر ، لأنّ الحركة قوّة والقوّة لا توجد بغير علّة .
إذن فلابدّ لهذه الحياة المتحرّكة في جميع نواحيها من أعلاها إلى أسفلها ، بكواكبها وأراضيها وشمسها وقمرها ، وأفلاكها ومجرّاتها .. لابدّ لها ممّن يحرّكها ويديم حركتها ، وحتّى أجزاء العناصر الساذجة ثبت في علم الفيزياء أنّها تدور وتتحرّك حول مركزها بدوام .
ومن المعلوم أنّ القوّة والحركة لا توجد إلاّ بدافع ومحرِّك ، وهذا أمر بديهي يدركه كلّ ذي لبّ وشعور ، ويعرف أنّه لابدّ لهذه الحركات العظيمة والتحوّلات الدائمة من محرّك حكيم قدير .
فمن ترى يمكن أن يكون مصدر هذه القوّة وفاعل هذه الحركة ؟
هل المخلوقات التي نراها يعرضها الضعف وتحتاج بنفسها إلى المساندة ؟!
وهل يناسب أن يكون المحرّك غير الله القوي الخبير ؟
ولقد سُئِلَتْ امرأة بدويّة كانت تغزل الصوف بمغزل صغير عن دليلها على وجود الله تعالى ، فأمسكت عن تحريك المغزل حتّى توقّف فقالت : دليلي هو هذا التوقف ..
قالوا : وكيف ذلك ؟
فأجابت : إذا كان مغزل صغير لا يتحرّك إلاّ بوجود محرِّك ، فهل يمكن أن يتحرّك هذا الفلك الدوّار الكبير بلا محرّك له ؟
وقد جاءت الحكمة في هذا المجال : إنّ البعرة تدلّ على البعير ، وأثر الأقدام يدلّ على المسير ، فهذه السماء ذات أبراج والأرض ذات حركة وإرتجاج ألا تدلاّن على وجود الخبير البصير ؟!.
الرابع : برهان الحركة
- الزيارات: 1432