والإرادة في أصل اللغة بمعنى المشيئة ، لكن إرادة الله تفترق عن إرادة المخلوقين ، فإرادة الله هو فعله كما بيّنه أبو الصلاح الحلبي أعلى الله مقامه (1).
واستدلّ لهذا المعنى قوله تعالى : ( إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَىْء إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) (2).
وإلى هذا المعنى ذهب الشيخ الجليل المفيد (قدس سره) ، إستدلالا له بالأخبار التي يأتي ذكرها .
قال (قدس سره) : ( إنّ الإرادة من الله جلّ اسمه نفس الفعل ... وبذلك جاء الخبر عن أئمّة الهدى ) كما حكاه عنه شيخ الإسلام المجلسي طاب ثراه (3).
ونقل في مجمع البحرين الحديث عن الإمام الرضا (عليه السلام) :
( إنّ الإبداع والمشيئة والإرادة معناها واحد والأسماء ثلاثة ) (4).
والحجّة في هذا المعنى إضافةً إلى ما تقدّم ، نصّ حديث صفوان بن يحيى عن الإمام الكاظم (عليه السلام) جاء فيه :
( الإرادة من الخلق الضمير وما يبدو لهم بعد ذلك من الفعل ، وأمّا من الله تعالى فإرادته إحداثه لا غير ذلك ... ) (5).
فالمستفاد من هذه الأدلّة أنّ إرادة الله معناها : إحداثه للأشياء وإبداعه وفعله لها .
لكن فسّرها شيخ المحدّثين الصدوق في التوحيد بقوله : ( مشيّة الله وإرادته في الطاعات الأمر بها والرضا ، وفي المعاصي النهي عنها والمنع منها بالزجر والتحذير ) (6).
ولعلّ نظره (قدس سره) إلى إرادة العزم التي جاء ذكرها في حديث الفتح بن يزيد الجرجاني عن الإمام أبي الحسن الكاظم (عليه السلام) فلاحظ (7).
وذكر هذا المعنى أيضاً السيّد الشبّر بالتعبير التالي :
( ومعنى إرادته لأفعال عبيده أنّه أراد إيقاع الطاعات منهم على وجه الإختيار ... ومعنى كراهته تعالى لأفعال غيره نهيه إيّاهم عن إيقاع المعاصي المفسدة لهم على وجه الإختيار ... ) (8).
لكن أفاد بعد هذا المعنى ما نصّه :
( قد ورد في جملة من الأخبار عن الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) الملك الغفّار ، أنّ إرادته عبارة عن إيجاده وإحداثه ، وأنّها من صفات الفعل الحادثة ، كالخالقيّة والرازقية ونحوها لا من صفات الذات بمعنى العلم بالأصلح ) (9).
وبهذا يظهر عدم تماميّة قول المتكلّمين في الإرادة وتفسيرهم لها بأنّها هي : ( العلم بالخير والنفع وما هو الأصلح ) .
فإنّ هذا المعنى يرجع إلى كون الإرادة هو العلم الذاتي ، وهذا خلاف ما يأتي من الأخبار في كون الإرادة محدَثة مع ما له من تالي فاسد القِدَم وتعدّد القدماء الذي ثبت بطلانه ، فلا يمكن قبول هذا المعنى في الإرادة .
والمُتَّبَع كلام أهل البيت الذين بهم النجاة ومنهم الهدى ، وفي طريقهم الصواب ، والله العاصم .
وعلى الجملة ، فالمستفاد من الأخبار الشريفة كون إرادة الله تعالى هي نفس فعله وإحداثه وإيجاده ، وهي الإرادة الحتميّة .
وتطلق أيضاً على أمره بالطاعات ونهيه عن المعاصي ، وهي الإرادة العزميّة .
ولذلك أفاد العلاّمة الكازراني : ( تحقيق المقام أنّ لله تعالى إرادتين ، إرادة حتم وإرادة عزم .
فالحتمية هي ما لا يقدر العباد على ضدّ مراده ، وهي من صفات فعله يتّصف بها الله تعالى عند صدور كلّ فعل منه ، كالإماتة والإحياء والإمراض والشفاء .
والعزمية هي إتيانه تعالى بشيء من جملة مخلوقاته لمصلحة وحكمة ، كخلق جوارح الإنسان وسيلة لصالح أعماله مع إستعمال العبد هذه الجوارح في الحلال أو الحرام بفعل نفسه وقد أمره الله تعالى بالحلال ، ونهاه عن الحرام ) (10).
وقد دلّت البراهين الحقّة على إرادة الله تعالى التي هي صفة من صفات كماله ووصف من أوصاف جماله ، دلّت عليها أدلّة الكتاب والسنّة والعقل ، بالبيان التالي :
---------------------------
(1) تقريب المعارف : (ص85) .
(2) سورة النحل : (الآية 40) .
(3) بحار الأنوار : (ج4 ص138) .
(4) مجمع البحرين : (ص52 مادّة ـ شيأ ـ ) .
(5) اُصول الكافي : (ج1 ص109 ح3) .
(6) التوحيد : (ص346) .
(7) اُصول الكافي : (ج1 ص151 ح4) .
(8) حقّ اليقين : (ج1 ص30) .
(9) حقّ اليقين : (ج1 ص32) .
(10) مرآة الأنوار : (ص107) .
4 ) أنّه تعالى مريدٌ ومن صفات كماله إرادته
- الزيارات: 748