الصدق لغةً ضدّ الكذب ، ويكون أصله في القول ، فيقال : قول صدق وكلام صدق ، وصاحبه صادق .
وذكر في المفردات : « أنّ الصدق والكذب لا يكونان في القول إلاّ في الكلام الخبري دون غيره من أصناف الكلام كالإنشاء » (1).
لكن هذا غير صحيح ، فمقتضى التحقيق أنّه يطلق الصدق والكذب عرفاً على الإنشاء أيضاً إذا كان منبئاً عن شيء إلزاماً ، وكان ذلك المدلول الالتزامي مطابقاً للواقع أو غير مطابق كما تلاحظه في طلب الفقير المال حيث ينبئ عن فقره فيوصف بأنّه صادق أو كاذب .
وكذلك من قال شيئاً واعتقد خلافه ، فإنّه يكون كذباً ، كما أفاده في المجمع (2) إستشهاداً بقوله تعالى : ( وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ) (3).
فيكون الصدق والكذب محقّقاً نيّةً وقولا وعملا .
وأضاف في مجمع البحرين : « إنّ الصدق يكون بالقول وغيره ، فقوله تعالى : ( وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) (4) معناه الذين صدقوا في دين الله نيّةً وعملا وقولا ، وكذا ( صَادِقَ الْوَعْدِ ) (5) يعني إذا عمل بشيء وفى به . وقد جاء وصف الصدق في صفات الله العليا وأسمائه الحسنى » (6).
قال الشيخ الصدوق : إنّ معنى كونه صادقاً هو : « أنّه صادق في وعده ، ولا يبخس ثواب من يفي بعهده » (7).
وقال الشيخ الكفعمي : « الصادق : الذي يصدق في وعده ، ولا يبخس ثواب من يفي بعهده ، والصدق خلاف الكذب » (8).
وقد ثبتت هذه الصفة الكريمة لله تعالى كتاباً وسنّةً وعقلا :
أمّا الكتاب : ففي مثل :
1 ـ قوله تعالى : ( وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ ) (9).
2 ـ قوله تعالى : ( وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللهِ حَدِيثاً ) (10).
3 ـ قوله تعالى : ( وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللهِ قِيلا ) (11).
وأمّا السنّة ; ففي أحاديث كثيرة منها :
1 ـ خطبة أمير المؤمنين (عليه السلام) ، جاء فيها توصيف الله تعالى ، بقوله (عليه السلام) :
« الذي صدق في ميعاده ، وارتفع عن ظلم عباده » (12).
2 ـ حديث سليمان بن مهران ، المتقدّم (13)، عدّ فيها « الصادق » من أسمائه الحسنى .
3 ـ الأدعية المأثورة الشريفة ، كدعاء الجوشن الكبير ، المروي عن سيّد الساجدين عن آبائه الطاهرين ، وجاء فيه توصيف الله تبارك وتعالى بالصادق (14).
وأمّا العقل :
فإنّه يقضي وبديهة العقل تحكم بقبح الكذب ، والقبيح لا يصدر من الله تعالى الحكيم الكامل الواجب المنزّه عن جميع القبائح والنقائص ، مع أنّه غير محتاج إليه وغني عنه .
والعقل يحكم بقبح الكذب من البشر المخلوق الناقص ، فكيف بكونه من الله تعالى الغني الكامل ؟
فهو تعالى صادق لا يكذب ولا يخلف أبداً ، وله الأسماء الحسنى وهو السميع البصير .
هذا تمام الكلام في ذكر ما تشرّفنا ببيانه من ذكر صفاته الكمالية الثبوتية .
---------------------------
(1) المفردات للراغب : (ص277) .
(2) مجمع البيان : (ج10 ص290) .
(3) سورة المنافقون : (الآية 1) .
(4) سورة التوبة : (الآية 119) .
(5) سورة مريم : (الآية 54) .
(6) مجمع البحرين : (ص437 مادّة ـ صدق ـ ) .
(7) التوحيد : (ص207) .
(8) المصباح : (ص342) .
(9) سورة الحجر : (الآية 64) .
(10) سورة النساء : (الآية 87) .
(11) سورة النساء : (الآية 122) .
(12) نهج البلاغة : (ص138 رقم الخطبة180 من الطبعة المصرية) .
(13) التوحيد : (ص194 ب29 ح8) .
(14) البلد الأمين : (ص404) .
8 ) أنّه تعالى صادق
- الزيارات: 705