كما زعمته بعض الفرق الضالّة ، وعبّروا عنه بالحلول والإتّحاد .
فهما باطلان شرعاً ، لما تقدّم من أحاديث تنزّه الخالق عن ذلك ، نظير حديث أبي المغرا عن أبي عبدالله (عليه السلام) :
« إنّ الله تعالى خلوٌ من خَلقه وخلقه خلوٌ منه » (1).
وكذلك هما باطلان عقلا لما يلي :
أمّا بطلان الحلول فلوجوه هي :
أوّلا : لأنّ الحال يحتاج إلى محلٍّ يحلّ فيه ، والإحتياج من خواصّ الممكن ، وأمّا الواجب فهو أجلّ من الإحتياج فلا يمكن فيه الحلول .
ثانياً : إنّ الحلول في مكان يستلزم الخلوّ من مكان آخر ، والله تعالى موجود في كلّ مكان ومحيط بكلّ شيء .
ثالثاً : إنّ حلول شيء في شيء ملازم للجسمية ، والله سبحانه منزّه عن الجسمية (2).
وأمّا بطلان الإتّحاد فلوجهين :
الأوّل : قضاء الضرورة والوجدان والبداهة ، ببطلان الإتّحاد ، وإدراك المغايرة بين الخالق وبين المخلوق ، وكلّ يعرف أنّه غير ربّه ، كما بيّنه العلاّمة أعلى الله مقامه (3).
الثاني : أنّه مع فرض الإتّحاد ، فالمتّحدان بعد اتّحادهما إن بقيا موجودين فهما إثنان لا واحد ، وإن صارا معدومين وصارا وجهاً ثالثاً فلا إتّحاد في البين ، بل هو إعدام شيء وإيجاد شيء آخر ، وإن عدم أحدهما وبقي الآخر لم يتحقّق اتّحاد لأنّ المعدوم لا يتّحد مع الموجود ، كما بيّنه الفاضل المقداد (4).
فالإتّحاد محال في نفسه ، فكيف يمكن إثباته في الخالق ؟
فيبطل ما إدّعاه النصارى في حقّه تعالى اتّحاد الأقانيم الثلاثة : الأب والإبن وروح القدس ، واتّحاد ناسوت المسيح باللاهوت (5).
كما يبطل ما ادّعته جماعة من المتصوّفة ، من الإتّحاد وأنّه إذا وصل العارف نهاية مراتبه انتفت هويّته ، وصار الموجود هو الله تعالى وحده وسُمّي هذه المرتبة عندهم بالفناء في التوحيد .
وقد ردّ عليهم ابن سينا في أكثر كتبه كما يستفاد من الإرشاد (6).
كما وأنّ العلاّمة المجلسي جعل الإعتقاد بأي واحد من الحلول والإتّحاد من الكفر ، كما تلاحظه في كتاب الإعتقادات (7).
كما وأنّ السيّد الفقيه الطباطبائي في العروة الوثقى (8) حكم بنجاسة القائلين بوحدة الوجود من الصوفية مع العلم بالتزامهم بلوازم مذاهبهم من المفاسد ، وقرّره الفقهاء المحشّون على العروة .
هذا تمام الكلام في بحث التوحيد ، والحمد لله الربّ المجيد .
________________________________________
(1) بحار الأنوار : (ج3 ص322 ب14 ح18) .
(2) حقّ اليقين : (ج1 ص38) .
(3) نهج المسترشدين : (ص47) .
(4) إرشاد الطالبين : (ص238) .
(5) يعبّرون باللاهوت عن الاُلوهية ، وبالناسوت عن الطبيعة البشرية كما في الرائد : (ص1270 و1467) .
(6) إرشاد الطالبين : (ص238) .
(7) إعتقادات العلاّمة المجلسي : (ص26) .
(8) العروة الوثقى : (الثامن من النجاسات المسألة2) .
الثامنة : أنّه تعالى لا يحلّ في غيره ، ولا يتّحد مع غيره
- الزيارات: 645