وهو يقضي ويحكم ببعثة الأنبياء ولزوم النبوّة من وجوه عديدة :
1 ـ إنّ الإجتماع مظنّة النزاع ، وإنّما تزول مفسدته بشريعة مستفادة من الإله الحكيم المدبّر للعالم دون غيره ، وتلك الشريعة لابدّ لها من رسول متميّز من بني نوعه ، فالحكمة تدعو إلى نصبه ليحول دون الفساد ، كما يستفاد هذا الإستدلال من العلاّمة الحلّي (قدس سره) (1).
2 ـ إنّ قاعدة اللطف تقضي بإرسال النبي ليقرّب العباد إلى الطاعة ويبعّدهم عن المعصية ; لأنّ الغرض والحكمة في إيجاد الخلق هي المعرفة والعبادة ، وذلك يتوقّف على تعيين واسطة بين الحقّ والخلق يعلّمهم ذلك ، لإستحالة الإفاضة والإستفاضة بلا واسطة ; إذ لا ربط ولا نسبة بين النور والظلمة حتّى لا يحتاج إلى واسطة ، كما يستفاد الإستدلال بها من السيّد الشبّر طاب ثراه (2).
3 ـ إنّ عدالة الله تعالى تأبى أن يخلق الخلق بهذه الكثرة العظيمة والطبقات المختلفة ، ثمّ يتركهم سُدى يتيهون في ظلمات الجهل ، ودَرَكات الضلالة بدون معلّم ولا مرشد ، فالعدالة تقتضي نصب نبي للهداية .
ويدرك العقل بوضوح أنّ الله تعالى أرشد حتّى الحيوانات إلى ما فيه خيرُها وصلاحها ، وهو الذي أعطى كلّ شيء خلقه ثمّ هدى ، فكيف يمكن أن يترك الإنسان سدى في غواية وبلا هدى ؟! وإهمال الخلق خلاف الحكمة ..
فلابدّ إذن من إرشادهم وأن يرسل لهم من يهديهم إلى الخير الأمثل والسعادة القصوى .
مع أنّ نظام الدين لا يستغني عمّن يعرّف الإنسان صلاح دنياه وآخرته ، وينبّهه على ما فيه خيره ، ويحذّره عمّا فيه شرّه ، ويضمن له النفع في العاجل والسلامة في الآجل ، ويبيّن له آثار أعماله من الخير والشرّ ، ويرشده في مواضع التحيّر والشكّ ويُنير قلبه بالعلم والحكمة ، ويزكّيه في مرحلة التربية والتعليم ، ويحكي له أخبار النشأة الاُولى والاُخرى ليعرف مبدأه ومنتهاه ، ويسلك به إلى طريق إطاعة الله وإجتناب معصيته ، ويضع له الدستور الصحيح في حياته الفرديّة والإجتماعية ، ولا يليق بهذا المنصب الجليل إلاّ من يختاره الله ويصطفيه ، ويعلّمه ويزكّيه ، وهم رسله وأنبياؤه .
فيقضي العقل بضرورة بعثة الرسل والأنبياء ، ولزوم متابعة النبيين للإهتداء ، لأنّ الأنبياء اُسوة وقدوة ، وهم طرق السعادة والهداية ، وسبيل النجاة في الدنيا والآخرة .
ثمّ إنّه بعد إثبات أصل النبوّة لنبدأ بدراسة نبوّة الأنبياء في بحثين :
الأوّل : مبحث النبوّة العامّة الثابتة لجميع الأنبياء الكرام من آدم إلى الخاتِم سلام الله عليهم .
الثاني : مبحث النبوّة الخاصّة الثابتة لنبي الإسلام وأشرف الأنام الرسول محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) .
________________________________________
(1) نهج المسترشدين : (ص58) .
(2) حقّ اليقين : (ج1 ص84) .
الثالث : دليل العقل :
- الزيارات: 914