بعد أن قرأنا جملةً من الحديث النبوي الشريف في زيارة القبر الشريف ، نقرأ في حديث أهل البيت عليهمالسلام بعض ما جاء في زيارته صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ثمّ بعض ما جاء في زيارتهم عليهمالسلام.
أوّلاً : في زيارة قبر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم خاصة :
١ ـ حديث الاِمام عليٍّ عليهالسلام :
قال الاِمام علي عليهالسلام : « من زار قبر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كان في جواره » (1).
ـ وفي حديث مرفوع إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ما يشهد لهذا الحديث ويوافقه :
رواه الشيخ الطوسي ، عن محمد بن يعقوب ، عن محمد بن يحيى ، عن سلمة ، عن علي بن سيف بن عميرة ، عن طفيل بن مالك النخعي ، عن إبراهيم بن أبي يحيى ، عن صفوان بن سليمان ، عن أبيه ، عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال : « من زارني في حياتي وبعد موتي ، كان في جواري يوم القيامة » (2).
٢ ـ حديث الاِمام جعفر الصادق عليهالسلام :
رواه الشيخ الطوسي بالاِسناد عن الحسن بن الجهم ، عن الاِمام أبي الحسن الكاظم عليهالسلام قال : « جاء الاِمام الصادق عليهالسلام يوم عيد الفطر إلى قبر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فسلم عليه ، ثمَّ قال : قد فَضَلْنا الناس اليوم بسلامنا على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم » (3).
٣ ـ وحديثه عليهالسلام : « مرّوا بالمدينة فسلِّموا على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم من قريب ، وإن كانت الصلاة تبلغه من بعيد » (4).
٤ ـ وحديثه عليهالسلام : « صلّوا إلى جانب قبر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وإن كانت صلاة المؤمنين تبلغه أينما كانوا » (5).
وقوله عليهالسلام في أول الحديث : « صلّوا » يريد الصلاة على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، بقرينة ما بعدها.
٥ ـ حديث الاِمام الكاظم عليهالسلام :
رواه الشيخ الطوسي مسنداً ، قال : أتى هارون المدينة المنورة ومعه عيسى بن جعفر ، فاستدعى الاِمام موسى الكاظم لصحبته ، فقصدوا قبر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فتقدم هارون فسلّم عليه وقال : « السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا ابن عمّ » فتقدم الاِمام الكاظم فقال : « السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا أبه ، أسأل الله الذي اصطفاك واجتباك وهداك وهدى بك أن يصلّي عليك » فقال هارون لعيسى : سمعتَ ما قال! قال : نعم ، قال هارون : أشهد أنّه أبوه حقّاً (6).
٦ ـ حديث الاِمام الجواد عليهالسلام :
قال الشيخ الطوسي : محمد بن الحسن بن الوليد ، عن محمد بن يحيى العطار ، عن محمد بن أحمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن أبي نجران ، قال : سألت أبا جعفر الثاني عليهالسلام عمن زار النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قاصداً ، قال : « له الجنّة » (7).
وسيأتي في « آداب الزيارة » عنهم عليهمالسلام ما يستدل به أيضاً على استحباب زيارة قبره صلىاللهعليهوآلهوسلم وحثهم عليها وتذكيرهم بفضيلتها.
ثانياً : في زيارة مراقدهم عليهمالسلام :
في حديث أهل البيت عليهمالسلام من الحث على زيارة مراقدهم والترغيب فيها والتذكير بحكمتها وعوائدها ما يغني المحتاج ، وهذه طائفة منتخبة منها :
١ ـ من حديث الاِمام علي عليهالسلام : رواه الشيخ الطوسي عن محمد بن أحمد بن داود ، عن محمد بن علي بن الفضل ، قال : أخبرني الحسين بن محمد الفرزدق ، قال : حدَّثنا علي بن موسى بن الاَحول ، قال : حدَّثنا محمد بن أبي السري إملاءً ، قال : حدَّثني عبدالله بن محمد البلوي ، قال : حدَّثني عمارة بن زيد ، عن أبي عامر الساجي واعظ أهل الحجاز ، قال : أتيت أبا عبدالله جعفر بن محمد عليهالسلام فقلت له : يا ابن رسول الله ما لمن زار قبر أمير المؤمنين وعمَّر تربته؟
قال : « يا أبا عامر ، حدّثني أبي عن أبيه عن جدّه الحسين بن علي عليهالسلام : انّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قال له : والله لتقتلنّ بأرض العراق وتدفن بها ، فقلت : يا رسول الله ، ما لمن زار قبورنا وعمرها وتعاهدها؟ فقال لي : يا أبا الحسن ، إنّ الله جعل قبرك وقبر وُلدِك بقاعاً من بقاع الجنّة ، وعرصة من عرصاتها ، وانّ الله جعل قلوب نجباء من خلقه وصفوته من عباده تحنّ إليكم ، وتحتمل المذلّة والاَذى فيكم ، فيعمرون قبوركم ويكثرون زيارتها تقرّباً منهم إلى الله ، [ و ] مودّةً منهم لرسوله ، أولئك ـ يا علي ـ المخصوصون بشفاعتي ، والواردون حوضي ، وهم زواري غداً في الجنّة ... » الحديث (8).
ولعل في هذا الاِسناد ضعف من جهة البلوي وعمارة بن زيد ، ولكن في الاَحاديث التالية ما يعضده ويقويه ..
٢ ـ من حديث الاِمام الحسن السبط عليهالسلام : عن سعد بن عبدالله الاَشعري ، عن أحمد ابن محمد بن عيسى ، عن محمد بن خالد البرقي ، عن القاسم بن يحيى ، عن جدّه الحسن بن راشد ، عن عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله الصادق عليهالسلام ، قال : « بينا الحسن بن علي عليهالسلام في حجر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إذ رفع رأسه فقال : يا أبه ، ما لمن زارك بعد موتك؟ فقال : يا بني ، من أتاني زائراً بعد موتي فله الجنّة ، ومن أتى أباك زائراً بعد موته فله الجنّة ، ومن أتى أخاك زائراً بعد موته فله الجنّة ، ومن أتاك زائراً بعد موتك فله الجنّة » (9).
وفي إسناد هذا الحديث ثلاثة هم من كبار أئمة الحديث وحفاظه ونقاده : الاَول طرف الاِسناد الاَقصى ، عبدالله بن سنان ، والثاني والثالث ، هما طرفه الاَدنى ، سعد ابن عبدالله الاَشعري ، وأحمد بن محمد بن عيسى.
وأمّا ما جاء في تضعيف محمد بن خالد البرقي ، فليس بقادح فيه بعد العلم بما أقرّوا به من منزلة البرقي في العلم والاَدب والمعرفة بالاَخبار وعلوم العرب (10) ، هذا أولاً ، وثانياً بعد معرفة أنّ أحمد بن محمد بن عيسى لا يروي عن رجل متهم ، ولا يتساهل في الرواية عن الضعفاء والمتهمين ، فكان لا يروي إلاّ عمّن يعتقد وثاقته. وهو يعدّ شيخ القميين ووجههم وفقيههم ، غير مدافع (11).
ومن أجل هذا أيضاً يشفع الضعف المروي في الحسن بن راشد (12).
وبعد هذا فالحديث مشفوع بالحديث الآتي أيضاً ، وهو مطابق له متناً.
٣ ـ من حديث الاِمام الحسين السبط عليهالسلام : محمد بن أحمد بن داود ، عن محمد بن الحسن الكوفي ، قال : حدَّثنا محمد بن علي بن معمر ، قال : حدّثنا محمد بن مسعدة ، قال : حدّثني عبدالرحمن بن أبي نجران ، عن علي بن شعيب ، عن أبي عبدالله الصادق عليهالسلام ، قال : « بينا الحسين عليهالسلام قاعدٌ في حجر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ذات يوم ، إذ رفع رأسه إليه فقال : يا أبه ، قال : لبيك يا بني ، قال : ما لمن أتاك بعد وفاتك زائراً لا يريد إلاّ زيارتك؟ قال : يا بني ، من أتاني بعد وفاتي زائراً لا يريد إلاّ زيارتي فله الجنّة ، ومن أتى أباك بعد وفاته زائراً لا يريد إلاّ زيارته فله الجنّة ، ومن أتى أخاك بعد وفاته زائراً لا يريد إلاّ زيارته فله الجنّة ، ومن أتاك بعد وفاتك زائراً لا يريد إلاّ زيارتك فله الجنّة » (13).
٤ ـ من حديث الاِمام الباقر عليهالسلام : محمد بن أحمد بن داود ، عن الحسن بن محمد بن أحمد بن الوليد ، قال : حدّثنا الحسن بن متيل الدقاق وغيره من الشيوخ ، عن أحمد بن أبي عبدالله البرقي ، قال : حدّثني الحسن بن علي بن فضّال ، عن أبي أيوب الخزاز ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليهالسلام ، قال : « مروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين عليهالسلام ، فإنّ إتيانه يزيد في الرزق ، ويمد في العمر ، ويدفع مدافع السوء. وإتيانه مفترض على كل مؤمن يقرّ له بالاِمامة من الله » (14).
٥ ـ من حديث الاِمام الصادق عليهالسلام : محمد بن أحمد بن داود ، عن الحسن بن محمد ابن علان ، عن حميد بن زياد ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن يزيد ، عن علي ابن الحسن ، عن عبدالرحمن بن كثير ، قال : قال أبو عبدالله عليهالسلام : « لو أن أحدكم حجّ دهره ثمَّ لم يزر الحسين بن علي عليهماالسلام لكان تاركاً حقّاً من حقوق رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، لاَنّ حق الحسين عليهالسلام فريضة من الله تعالى واجبة على كل مسلم » (15).
ولا ريب في أن تكون لزيارة الاِمام الحسين عليهالسلام مثل هذه المزية ، ذلك أنّ للحسين عليهالسلام خصوصية فريدة ، في دوره الفريد في تاريخ الاِسلام ، فلقد كان في حركته العظمى من أجل إحياء الدين وكشف أسطورة السلاطين العابثين ، تجسيداً حياً للفاروق الاَعظم الذي لم يدع برزخاً بين الولاء الحق لرسالة السماء الصافية ، وبين التحايل على الدين لدى طائفة الحكام وحواشيهم ، والذل والخنوع والرضا بالدون لدى سائر الناس .. لذا فإنّ زيارته التي تستحضر هذا البعد الاَساس ، هي مصداق الولاء لله ولرسوله ولاَوليائه ولدينه الحنيف ، من ناحية ، ومصداق البراءة من سلاطين الجور وشياطين الاَنس من ناحية أخرى.
ومن هنا أكثر أئمة أهل البيت عليهمالسلام من الحث على زيارته ، وافرادها بفضائل خاصة قد لا نجد نظيرها في ما ورد في زيارة غيره من الاَئمة عليهمالسلام (16).
ونجد البعد الاَساس في الزيارة المتمثل في الاعتراف بالحق وتجديد العهد وأداء الاَمانة ، صريحاً في حديث الاِمام الرضا عليهالسلام الآتي :
٦ ـ من حديث الاِمام علي بن موسى الرضا عليهالسلام : محمد بن أحمد بن داود ، عن أبيه ، قال : حدّثنا محمد بن السندي ، عن أحمد بن إدريس ، عن علي بن الحسين النيسابوري ، عن عبدالله بن موسى ، عن الحسن بن علي الوشاء ، قال : سمعت أبا الحسن الرضا عليهالسلام يقول : « إنّ لكل إمام عهداً في عنق أوليائهم وشيعتهم ، وإنّ من تمام الوفاء بالعهد وحسن الاَداء ، زيارة قبورهم ، فمن زارهم رغبة في زيارتهم وتصديقاً لما رغبوا فيه ، كان أئمتهم شفعاءهم يوم القيامة » (17).
هذه هي فلسفة الزيارة في أوجز عبارة.
___________
(1) نيل الاَوطار / الشوكاني ٥ : ١٠٩ ، مختصر تاريخ دمشق / ابن منظور ٢ : ٤٠٦.
(2) تهذيب الاَحكام ٦ : ٣ / ٢.
(3) تهذيب الاَحكام ٦ : ١٧ ـ ١٨ / ١٩.
(4) الكافي ٤ : ٥٥٣ / ٧ ، تهذيب الاَحكام ٦ : ٧ / ٤.
(5) الكافي ٤ : ٥٥٢ / ٥.
(6) تهذيب الاَحكام ٦ : ٦ / ٣ ، تاريخ بغداد ١٣ : ٣١ ، وفيات الاَعيان ٥ : ٣٠٩ ، سير أعلام النبلاء ٦ : ٢٧٣.
(7) تهذيب الاَحكام ٦ : ١٤ / ٩.
(8) تهذيب الاَحكام ٦ : ٢٢ / ٧.
(9) تهذيب الاَحكام ٦ : ٢٠ / ١ ، و ٤٠ / ١.
(10) انظر : رجال النجاشي : ٣٣٥ / رقم ٨٩٨.
(11) انظر : رجال النجاشي : ٨١ ـ ٨٢ رقم ١٩٨.
(12) رجال النجاشي : ٣٨ رقم ٧٦.
(13) تهذيب الاَحكام ٦ : ٢١ / ٥ ، و ٤٠ / ٢.
(14) تهذيب الاَحكام ٦ : ٤٢ / ١.
(15) تهذيب الاَحكام ٦ : ٤٢ / ٢.
(16) انظر : تهذيب الاَحكام ٦ : ٤٢ ـ ٥٢ باب ١٦.
(17) تهذيب الاَحكام ٦ : ٧٨ ـ ٧٩.
في حديث أهل البيت عليهمالسلام
- الزيارات: 1147