• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الفصل الثالث : في بيان انحصار الإمامة في الهداة الغرر المعصومين الإثني عشر(سلام الله عليهم أجمعين)

    بعد أن ثبت إحتياج الخلق إلى الإمام ، وثبت كون تعيينه بيد الخالق العلاّم ، فالحقيقة الحقّة التي لا يعتريها ريب ولا يدانيها شكّ ، هي انّ الذين إصطفاهم الله تعالى للإمامة ، وإختارهم للخلافة ، وعيّنهم للوصاية هم السادة الغرر الأئمّة الإثنا عشر .
    أوّلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، ثمّ الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) ، ثمّ الإمام الحسين سيّد الشهداء (عليه السلام) ، ثمّ الإمام السجّاد علي بن الحسين (عليه السلام) ، ثمّ الإمام الباقر محمّد بن علي (عليه السلام) ، ثمّ الإمام الصادق جعفر بن محمّد (عليه السلام) ، ثمّ الإمام الكاظم موسى بن جعفر (عليه السلام) ، ثمّ الإمام الرضا علي بن موسى (عليه السلام) ، ثمّ الإمام الجواد محمّد بن علي (عليه السلام) ، ثمّ الإمام الهادي علي بن محمّد (عليه السلام) ، ثمّ الإمام العسكري الحسن بن علي (عليه السلام) ، ثمّ خاتمهم الإمام الثاني عشر والوليّ المنتظر الحجّة بن الحسن المهدي صلوات الله عليهم .
   وقد دلّ على ذلك الدليل القاطع والبرهان الساطع ، كتاباً وسنّةً وعقلا وإعجازاً بالبيان التالي ذكره في الأدلّة الأربعة .
    مضافاً إلى قاعدة السنخيّة الثابتة ، وملاحظة الحكمة البارعة ، ولزوم المسانخة بين الخليفة والمستخلف ، وبين النبي ووصيّه الذي هو قائم مقامه ..
    فالسنخيّة موجودة في جميع الأشياء ، وواضحة في الاُمور بلا خفاء ، في الأفعال والأقوال وفي كلّ مجال .
    لذلك قال الله تعالى : ( وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ ) (1).
    وقال عزّ إسمه : ( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ) (2).
    وهذه السنخية نحسّها بوضوح فيما نشاهدها في حياتنا الطبيعية ، والعلاقات البشرية ..
    وممّا لا شكّ فيه أنّ الذي هو مسانخ لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في ذاته وصفاته ، وعلمه وأخلاقه ، وشجاعته ونزاهته ، ومكارمه وفضائله ، واُخوّته وقرابته هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) لا غيره .. فهو الذي يليق بوصاية الرسول الأعظم ، ويتعيّن لخلافة النبي الأكرم ، ويجدر أن يكون سيّد الاُمم .
    وأمّا الأدلّة الأربعة على إمامة الأئمّة المعصومين (عليهم السلام) فهو كما يلي :
   1 ـ دليل الكتاب :
    وقد دلّت منه آيات بيّنات ودلائل واضحات على إمامة أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب (عليه السلام) والأئمّة المعصومين من أولاده الطاهرين ، باتّفاق الفريقين ، نقطتف منها زهرة واحدة بها الكفاية والحجّة البالغة وهو قوله تعالى : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (3).
    وقد اتّفقت الاُمّة ولم تختلف منها الكلمة في نزول هذه الآية المباركة في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أرواحنا فداه .
    وهذه الآية الشريفة صريحة في إختصاص الإمامة الكبرى والولاية العظمى به صلوات الله عليه .
    بيان ذلك : أنّ الولي وإن اُطلق في اللغة على المحبّ والناصر والصديق وغيرها أيضاً من المعاني إلاّ أنّ المعنى الشائع المنصرف إليه هو المعنى اللغوي والعرفي المعهود فيه ، وهو مالك الأمر ، والأولى بالتصرّف ، والأحقّ بالشيء ، والذي يلي تدبير الأمر ، ومنه قولهم : وليّ اليتيم ، أي الذي يلي أمره ويقوم بكفايته ، ووليّ المرأة : أي الذي يلي عقد النكاح عليها ، وولي الدم : أي الذي له حقّ المطالبة بالقصاص ..
    وحقيقة الولاية هو معنى تولّي الأمر كما في المفردات (4).
    والمولى حقيقة في الاُولى كما في العمدة (5).
    وقال أبو عبيدة معمّر بن المثنّى في كتاب المجاز : « أنّ معنى مولاكم : أولى بكم » كما حكاه في التلخيص (6).
    وقال المبرّد في كتاب العبارة: «أصل الوليّ: الذي هو أولى أي أحقّ ، ومثله المولى » كما حكاه عنه في المجمع (7).
    وذكر الزمخشري في الأساس : « أنّ الولي بمعنى ولي الأمر والسيّد والمولى » (8).
    ونقل الزبيدي في تاج العروس عن ابن الأعرابي : « أنّ الولي هو الذي يلي عليك أمرك » (9).
    وذكر ابن الأثير في النهاية : « كأنّ الولاية تشعر بالتدبير والقدرة والفعل ، وما لم يجتمع ذلك فيه لم ينطلق عليه إسم الوالي » .
    ثمّ تعرّض إلى أنّه قد تكرّر ذكر المولى في الحديث وهو إسم يقع على جماعة كثيرة :
    « الربّ والمالك والسيّد والمُنعِم والمعتِق والناصر والمحبّ والتابع والجار وابن العمّ والحليف والعقيد ـ أي المعاقد المعاهد ـ والصهر والعبد والمعتَق والمنعَم عليه » .
    ثمّ ذكر الحديث : « من كنت مولاه فعلي مولاه » ونصّ بكلامه الآتي : « وقال الشافعي (رضي الله عنه) : يعني بذلك ولاء الإسلام كقوله تعالى : ( ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لاَ مَوْلَى لَهُمْ ) (10) » (11).
    ونقل ابن منظور في لسان العرب عن الفرّاء : « أنّ الوليّ والمولى واحد في كلام العرب » .
    ثمّ قال ما نصّه : « وروى ابن سلام ، عن يونس قال : المولى له مواضع في كلام العرب منها : المولى في الدين وهو الوليّ ، وذلك قوله تعالى : ( ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لاَ مَوْلَى لَهُمْ ) أي لا وليّ لهم ، ومنه قول سيّدنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) : « من كنت مولاه فعلي مولاه » أي من كنت وليّه » (12).
    وقال الصاحب بن عبّاد في المحيط : « المولى : الوليّ ، والله تعالى مولاه أي وليّه » (13).
    ولا يصحّ في الآية المباركة بالنسبة إلى ولاية الذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ، بل لا يجوز شيء من المعاني سوى الولاية بمعنى مالكية الأمر ، كما أفاده في المجمع (14) ، وكما يظهر لك بالتدبّر فيه وسيأتي مزيد تحقيقه .
    وإذا تبيّن أنّ المعنى الحقيقي المتعيّن المنصرف إليه المعهود هنا هي الأحقّية والأولوية وولاية الأمر .. قلنا إنّ الآية الشريفة ، حصرت هذه الولاية الحقّة بالذوات المقدّسة الثلاثة : الله ورسوله والمتصدّق في ركوعه ، بكلمة ( إنّما ) المفيدة للحصر باتّفاق أهل العربية .
    وفي مجمع البيان : لفظة إنّما مخصّصة لما أثبت بعدها ، نافية لما لم يثبت ، يقول القائل لغيره : إنّما لك عندي درهم ، فيكون مثل أن يقول : إنّه ليس لك عندي إلاّ درهم ، وقالوا : إنّما السخاء حاتم ، يريدون نفي السخاء عن غيره والتقدير :
إنّما السخاء ، سخاءُ حاتم (15).
    فتنحصر الولاية بمن ذكر في الآية وتنتفي عمّا عداهم ، وتتعيّن في الله ورسوله والمزكّي في ركوعه .
    ونفس ذكر ولاية الثلاثة في آية واحدة في سياق متّصل قرينة ظاهرة على سنخيّة ولاية المزكّي في ركوعه مع ولاية الله ورسوله ، وهي ولاية الأمر والأولى بالنفس .
    بل إنّ نفس حصر الولاية فيمن ذكر في الآية والإخبار عنها بخبر واحد قرينة قطعيّة على تعيّن معنى الولاية بما يرجع إلى أولوية الأمر والإمامة والتدبير .
    وذلك لأنّ ما تحتمله لفظة ( ولي ) من المعاني الاُخرى كالمحبّ والصديق وغيرهما ممّا تقدّم إمّا لا تناسب المورد ، وإمّا لا تنحصر بالله ورسوله والذين يقيمون الصلاة ويعطون الزكاة وهم راكعون فلا يكون وجه لحصرها .
    حيث إنّ المؤمنين كلّهم مشتركون في هذه المعاني الاُخرى ، وقد عبّر الكتاب بذلك في قوله عزّ إسمه : ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْض ) (16).
    وإذا بطل الحمل على تلك المعاني تعيّن الحمل على المعنى الظاهر المسانخ المنصرف وهي الأولوية والأحقّية وولاية الأمر .
    وإذا عرفت تعيّن الآية الشريفة بولاية الأمر ثمّ حصرها فيمن خصّهم الله بالذكر ..
    قلنا : إنّ الاُمّة على إختلافها مجتمعة ، وأخبار الخاصّة والعامّة على كثرتها
مطبقة على نزولها في أمير المؤمنين ومولى الموحّدين علي بن أبي طالب (عليه السلام) عند تصدّقه بخاتمه في حال ركوعه ، كما أفاده شيخ الطائفة في التلخيص (17).
    وقد أحصى شيخنا الأميني في كتابه الشريف الغدير (18) ، ستّة وستّين مصدراً من مصادر العامّة ذكرت نزول هذه الآية المحكمة في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) .
    ثمّ اعلم أنّه إنّما عبّر عنه (عليه السلام) في الآية بلفظ الجمع إمّا للتفخيم والتعظيم فانّه يعبّر عن الواحد بلفظ الجمع إذا كان معظّماً عالي الذكر نظير قوله : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) (19) ، كما أفاده شيخ الطائفة في التبيان (20) ، أو لشموله سائر الأئمّة الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين ، كما أفاده السيّد الشبّر في حقّ اليقين (21).
    ويظهر من بعض الأحاديث الشريفة (22) أنّ المراد به جميع الأئمّة (عليهم السلام) ، وأنّهم قد وفّقوا جميعاً لمثل هذه الفضيلة ، كما أفاده شيخنا العلاّمة المجلسي أعلى الله مقامه (23).
    وأضاف الزمخشري في الكشّاف بعد التنصيص على نزولها في علي (عليه السلام) : « إنّما جيء به على لفظ الجمع وإن كان السبب فيه رجلا واحداً ليرغب الناس في
مثل فعله ، وليُنبّه على أنّ سجيّة المؤمنين يجب أن تكون على هذه الغاية من الحرص على البرّ والإحسان » (24).
    فهذه الآية الكريمة إذاً هي من أوضح الأدلّة ، وأجلى البراهين على أنّ الإمام والحجّة والولي الذي عيّنه الله تعالى هو أمير المؤمنين (عليه السلام) .
    وقد روي هذا من طرق الخاصّة بتسعة عشر حديثاً ، ومن طرق العامّة بأربعة وعشرين حديثاً تجدها في غاية المرام لسيّدنا البحراني طاب ثراه (25) وغيره .
    وللنموذج نذكر من أحاديث الخاصّة المفسّرة ، حديث العياشي بإسناده عن عمّار بن ياسر أنّه قال : وقف لعلي بن أبي طالب سائل وهو راكع في صلاة تطوّع فنزع خاتمه فأعطاه السائل فأتى رسول الله فاعلم بذلك ، فنزل على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هذه الآية ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (26).. إلى آخر الآية ، فقرأها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) علينا ، ثمّ قال :
    « من كنت مولاه فعلي مولاه اللهمّ والِ مَن والاه وعادِ من عاداه » (27).
    ومن أحاديث العامّة حديث ابن المغازلي بسنده عن ابن عبّاس في قوله : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) قال : نزلت في علي (عليه السلام) (28).
    وترى أحاديث أهل بيت العصمة ، المتظافرة في بحار الأنوار (29) وغيرها من كتب الشيعة الأبرار التي تؤكّد هذه الحقيقة وهي نزولها في شأن أمير المؤمنين (عليه السلام) .
    هذه زهرة عطرة ، وآية زاهرة من رياض آيات الله الباهرة إقتطفناها نموذجاً حيّاً ودليلا قطعيّاً من أدلّة الإمامة ..
    وآيات الذكر الحكيم في هذا الأصل كثيرة جدّاً تراها في مواردها مذكورة مفصّلة مثل آية الإطاعة ، وآية التطهير ، وآية الصادقين ، وآية إكمال الدين ، وآية الشاهد وغيرها من الآيات المباركات ، النازلة في شأن خليفة سيّد الكائنات صلوات الله عليه وآله المعصومين والمفسّرة بالأئمّة الطاهرين عليهم سلام الملك الحقّ المبين ; ممّا إعترف بها القوم واُحصيت في المجلّد الثاني من إحقاق الحقّ للسيّد القاضي التستري أعلى الله مقامه ، والمجلّد الثامن من دلائل الصدق للشيخ المظفّر طيّب الله رمسه في فصل إمامة علي والآل (عليهم السلام) في القرآن .
    وأضاف السيّد شرف الدين قدّس الله روحه أنّه تكفي آية التطهير في دليليتها لإمامة أمير المؤمنين (عليه السلام) بتصديق أهل البيت المعصومين في بيانهم إمامتهم من قِبَل ربّ العالمين (30).
    2 ـ دليل السنّة :
    الأحاديث الشريفة الدالّة على إمامة الهداة الإثني عشر أكثر من أن تُحصى ، إلاّ أنّا نتيمّن بذكر لؤلؤة باهرة من تلك اللئالي الفاخرة ، وهي حديث الدعوة الإلهيّة والعزيمة الربّانية ، حديث إكمال الدين وإتمام النعمة ، حديث الغدير الأغرّ ، الذي نزل به الكتاب المبين ، وتواترت فيه أحاديث النبي الأمين .. بأنّه ألقى وأجاد رسول الله بخطبته المباركة ، وناشد فيه القوم قائلا :
    « ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا : بلى ، ثمّ أخذ بيد علي (عليه السلام) ورفعه وقال : من كنت مولاه فهذا علي مولاه ، اللهمّ والِ من والاه ، وعادِ من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله .. » .
    وقد إعترف المؤالف والمخالف حتّى الخوارج والنواصب بصحّته وتواتره والتسالم عليه .
    ففي نزل الأبرار للبدخشي ما نصّه : « هذا حديث صحيح مشهور لم يتكلّم في صحّته إلاّ متعصّب جاحد ولا إعتبار بقوله » (31).
    وفي روح المعاني للآلوسي حكى عن الذهبي أنّه قال : « ( من كنت مولاه ) متواتر يُتيقّن أنّ رسول الله قاله » (32).
    وفي سرّ العالمين المنسوب إلى الغزالي : « أجمع الجماهير على متن الحديث من خطبته في يوم غدير خمّ باتّفاق الجميع وهو يقول : من كنت مولاه فعلي مولاه » (33).
    وفي المناقب للشافعي : « وهذا الخبر قد تجاوز حدّ التواتر ، فلا يوجد خبر قطّ نقل من طرق كهذه الطرق » (34).
    وقد جاءت نصوص الحديث من طريق الخاصّة في ثلاثة وأربعين حديثاً ومن طريق العامّة في تسعة وثمانين حديثاً تلاحظها بأسنادها ومتونها في غاية المرام وغيرها (35).
    وللنموذج نذكر من طرق الخاصّة ، حديث علي بن إبراهيم قال : حدّثني أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن سنان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال :
    « لمّا أمر الله نبيّه أن ينصب أمير المؤمنين للناس في قوله : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ) (36) في علي بغدير خمّ فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، فجاءت الأبالسة إلى إبليس الأكبر وحثوا التراب على وجوههم ، فقال لهم إبليس : ما لكم ؟! قالوا : إنّ هذا الرجل قد عقد اليوم عقدة لا يحلّها شيء إلى يوم القيامة ، فقال لهم إبليس : كلاّ ! إنّ الذين حوله قد وعدوني فيه عِدة لن يخلفوني ، فأنزل الله على رسوله ( وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ ) (37) الآية » (38).
    ومن طرق العامّة حديث أحمد بن حنبل بإسناده قال : كنّا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله ) في سفره فنزلنا بغدير خمّ ونودي فينا : الصلاة جامعة ، وكسح لرسول الله (صلى الله عليه وآله) تحت شجرة ، فصلّى الظهر وأخذ بيد علي (عليه السلام) فقال :
    « ألستم تعلمون أنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا : بلى .
    قال : ألستم تعلمون أنّي أولى بكلّ مؤمن من نفسه ؟ قالوا : بلى ، وأخذ بيد علي (عليه السلام) فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهمّ والِ من والاه وعادِ من عاداه . قال : فلقيه عمر فقال : هنيئاً لك يا بن أبي طالب أصبحت مولى كلّ مؤمن ومؤمنة » (39).
    وقد أوفى البحث غاية الإيفاء شيخنا العلاّمة الأميني في موسوعته الغرّاء الغدير ، فلاحظ إستقصاء البحث من حيث الكتاب والسنّة والأدب في المجلّد الأوّل منه ، ونحن نشير إلى فهرَسَة ما فصّل فيه هذا البحث الطيّب والحديث المستطاب ، راجعها لمزيد المعرفة :
    ففي صفحة 5 أحصى المحدّثين والمؤرخين والمتكلّمين والمفسّرين واللغويين الذين ذكروا حديث الغدير .
    وفي صفحة 9 ذكر المجموعة الكثيرة التي كانت في ركاب النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) حين إلقاء خطبة الغدير وأخذ العهد من الحاضرين وطلب إبلاغه للغائبين . وأقلّ عدد ذكر في إحصاء الحاضرين هو تسعون الف شخص .
    وفي صفحة 14 ذكر رواة حديث الغدير من الصحابة مئة وعشر صحابياً ، مع ذكر تواتر جميع الطبقات في القرون الأربعة عشر .
    وفي صفحة 62 ذكر رواة حديث الغدير من التابعين وهم أربعة وثمانون تابعيّاً .
    وفي صفحة 73 ذكر طبقات رواة حديث الغدير من أئمّة الحديث وحفّاظه وهم ثلاث مئة وستّون نسمة .
    وفي صفحة 152 ذكر المؤرخين في حديث الغدير وهم ستّة وعشرون مؤلّفاً .
    وفي صفحة 214 ذكر نزول قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ) (40) في علي (عليه السلام) نقلا عن ثلاثين مصدراً من مصادر العامّة مضافاً إلى مصادر الخاصّة المتواترة .
    وفي صفحة 230 ذكر نزول قوله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الاِْسْلاَمَ دِيناً ) (41) يوم الغدير بعد نصب علي أمير المؤمنين نقلا عن ستّة عشر مصدراً من مصادر العامّة .
    وفي صفحة 239 ذكر نزول قوله تعالى : ( سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَاب وَاقِع * لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِنَ اللهِ ذِي الْمَعَارِجِ ) (42) في الحارث بن النعمان الفهري حينما ردّ على النبي (صلى الله عليه وآله) نصبه عليّاً أميراً ، نقلا عن ثلاثين مصدراً من مصادر العامّة .
    وفي صفحة 294 تعرّض إلى بيان سند هذا الحديث المتواتر واستغناؤه عن الإثبات .
    وفي صفحة 340 تطرّق إلى بيان دلالته القطعيّة على إمامة مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) بالقرائن المتّصلة والمنفصلة العشرين المعيّنة للأولوية مضافاً إلى حقيقة معنى الأولوية للولي ..
    ويحسن مراجعة تلك القرائن الصريحة التي كان يلزم ذكرها هنا لولا طلب الإختصار .
ثمّ إعجازه في الثمار والأشجار حيث مدّ يده إلى اسطوانة المسجد ، ودعا ربّه ، فخرج منها غصن فيها أربع رمّانات ، فدفع إلى الحسن (عليه السلام) إثنتين ، وإلى الحسين (عليه السلام) إثنتين وقال : هذه من ثمار الجنّة ، فقال بعض الأصحاب : يا أمير المؤمنين ! أوَ تقدر عليها ؟
    فقال (عليه السلام) : أولستُ قسيم الجنّة والنار بين اُمّة محمّد (صلى الله عليه وآله) ؟
    ومرّة اُخرى ضرب بيده الشريفة إلى أصل شجرة يابسة وقع لحاؤها ، وبقي عودها ، وقال : « ارجعي بإذن الله خضراء ذات ثمر » فإذا هي تهتزّ بأغصانها وأخرجت حمل الكمثرى ، فقطع منها الأصحاب وأكلوا منها ، وحملوا معهم ثمرها .
    وأقبل إليه وهو يخطب يوم الجمعة على منبر مسجد الكوفة ثعبان عظيم من باب المسجد يهوي نحو المنبر ، حتّى صعد المنبر وتطاوَلَ إلى اُذُنِ أمير المؤمنين (عليه السلام) فأصغى (عليه السلام) إليه ثمّ أقبل عليه يُسارّه مليّاً في جواب سؤال الثعبان ثمّ مضى .
    وفي جبّانة بني أسد أقبل أسد يهوي إلى علي (عليه السلام) حتّى قام بين يديه ، فوضع علي (عليه السلام) يده بين اُذني الأسد وقال : « إرجع بإذن الله تعالى ، ولا تدخل في دار هجرة بعد اليوم وبلّغ ذلك السباع عنّي » ، فرجع .
    وقد رُدّت له الشمس مرّتين في حياة النبي (صلى الله عليه وآله) مرّة ، وبعد وفاته اُخرى .
    ومن إعجازه أنّه لمّا دخل إلى صفّين ونزل بقرية صندوداء ثمّ سار عنها إلى أرض بلقع ، قال له مالك الأشتر : يا أمير المؤمنين ! أَتُنزِل الناس على غير ماء ؟ فقال (عليه السلام) : يا مالك ! إنّ الله عزّ وجلّ سيسقينا في هذا المكان ماءً أعذب من الشَهد ، وألين من الزبد ، وأبرد من الثلج ، وأصفى من الياقوت .. ثمّ وقف على أرض وأمر بحفرها فخرجت صخرة سوداء عظيمة ، فيها حلقة تبرق كاللجين .. فقال لهم :
روموها ، فراموها بأجمعهم وهم مئة رجل فلم يستطيعوا أن يزيلوها عن موضعها ..
    فدنا هو (عليه السلام) ودعا الله تعالى ثمّ إجتذبها ورماها أربعين ذراعاً فظهر لهم ماء بالوصف الذي وصفه ، فشربوا وسقوا ، ثمّ ردّ الصخرة وأمر بحثِّ التراب عليها ، وكانت (عين راحوما) من عيون الجنّة كما فصّل حديثه في ثاقب المناقب .
    ومنها إخباراته عن الغيب في مواضع كثيرة كإخباره حبيب بن جمّاز بحمله رأس الإمام الحسين (عليه السلام) ودخوله إلى مسجد الكوفة من باب الفيل .
    وكذا إخباره بحديث رشيد الهجري ، وكيفية شهادة ميثم التمّار ، وواقعة كربلاء ، وموضع القتال ، ومصارع الرجال ، فكان كما أخبر .
    ومنها أنّه هتف به يوماً هاتف غيبي : يا أمير المؤمنين ! خذ ما عن يمينك ، فإذا منديل فيه قميص ملفوف ، فأخذ (عليه السلام) القميص ولبسه ، فسقطت من جيبه رقعة مكتوب فيها : بسم الله الرحمن الرحيم هديّة من الله العزيز الحكيم إلى علي بن أبي طالب ، هذا قميص هارون بن عمران ( كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ ) (43).
    وأصاب البقيع بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رجفة تعدّت إلى حيطان المدينة وعزم أهل المدينة على الخروج منها ، فتوسّط (عليه السلام) البقيع ، وضَرَبَ برجله الأرض فسكنت .
    وقال له بعض أصحابه في مسجد الكوفة : بأبي أنت واُمّي ! إنّي لأتعجّب من هذه الدنيا التي في أيدي هؤلاء القوم وليست عندكم ، فقال (عليه السلام) : أترى أنّا نريد الدنيا ولا نُعطاها ؟ ثمّ قبض قبضة من الحصى فقال : ما هذا ؟ قال صاحبه : هذا من أجود الجواهر . فقال (عليه السلام) : لو أردنا هذا لكان ، لكنّا لم نُرد ، ثمّ رمى الحصى فعاد
كما كان .
    ومنها تسليم الذئب عليه وشهادته بإمارته حينما لاقاه في بعض طرق المدينة ، فجعل الذئب خدّيه على الأرض أمامه ويؤمي بيده إلى علي (عليه السلام) ثمّ قال علي (عليه السلام) : اللهمّ أطلِق لسان الذئب فيكلّمني ، فأطلق الله لسان الذئب فإذا هو بلسان طلق ذلق يقول : السلام عليك يا أمير المؤمنين .. إلى آخر الكلام .
    ومنها إعجازه حين شكاية أهل الكوفة زيادة الفرات وفيضان الماء ، فضرب (عليه السلام) الماء بقضيبه وهو قضيب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فنزل الماء .
    ومنها أنّه تكلّم في اُذن زاذان بكلام وألقى ماء فمه المبارك في فيه ، فما زالت قدم زاذان من عنده إلاّ وهو حافظ للقرآن بإعرابه .
    ومنها أنّه نزل عليه في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في بيت فاطمة (عليها السلام) ماء وضوئه في إبريق من الجنّة يقطر ماؤه كالجُمان .. وهاتف يهتف به : يا علي ! دونك الماء .. فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : يا علي ! تدري مَن الهاتف ، ومن أين كان الإبريق ؟
    فقال علي (عليه السلام) : الله ورسوله أعلم .
    فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : أمّا الهاتف فحبيبي جبرئيل (عليه السلام) ، وأمّا الإبريق فمن الجنّة ، وأمّا الماء فثلث من المشرق ، وثلث من المغرب ، وثلث من الجنّة . فهبط جبرئيل (عليه السلام) وقال : يا رسول الله ! الله يقرؤك السلام ، ويقول لك : أقرئ عليّاً السلام منّي .
    .. إلى غير ذلك من الآيات الباهرات والمعجزات الظاهرات التي هي أكثر من أن تحصى في هذا الكتاب ، وكذلك معاجز سائر المعصومين التي لا يحصرها هذا الخطاب ، وقد إقتصرنا على هذا القليل مخافة التطويل .
    وعلى الجملة ; فأدلّة الكتاب والسنّة والعقل والإعجاز واضحة الدلالة على إمامة الحجج الطاهرة سلام الله عليهم أجمعين .
_______________________________
(1) سورة النور : (الآية 26) .
(2) سورة فاطر : (الآية 10) .
(3) سورة المائدة : (الآية 55) .
(4) المفردات للراغب : (533) .
(5) العمدة لابن بطريق : (ص55) .
(6) تلخيص الشافي : (ج2 ص177) .
(7) مجمع البيان : (ج3 ص209) .
(8) أساس البلاغة : (ص689) .
(9) تاج العروس : (ج10 ص399) .
(10) سورة محمّد : (الآية 11) .
(11) النهاية : (ج5 ص228) .
(12) لسان العرب : (ج15 ص408) .
(13) المحيط في اللغة : (ج10 ص380) .
(14) مجمع البحرين : (ص97 مادّة ـ ولا ـ ) .
(15) مجمع البيان : (ج3 ص209) .
(16) سورة التوبة : (الآية 71) .
(17) تلخيص الشافي : (ج2 ص18) .
(18) الغدير : (ج3 ص156) .
(19) سورة الحجر : (الآية 9) .
(20) التبيان : (ج3 ص562) .
(21) حقّ اليقين : (ج1 ص144) .
(22) تفسير البرهان : (ج1 ص293) .
(23) بحار الأنوار : (ج35 ص206) .
(24) تفسير الكشّاف : (ج1 ص422) .
(25) غاية المرام : (ص103 ـ 109 ب18 و19) ، وجاءت في إحقاق الحقّ : (ج2 ص399 ، وج3 ص502 ، وج4 ص60 ، وج14 ص2 ، وج20 ص2) .
(26) سورة المائدة : (الآية 55) .
(27) غاية المرام : (ص108 ب19 ح10) .
(28) غاية المرام : (ص104 ب18 ح5 و6) .
(29) بحار الأنوار : (ج35 ص183 ب4) .
(30) الكلمة الغرّاء : (ص317) .
(31) نزل الأبرار : (ص21) .
(32) تفسير روح المعاني : (ج2 ص350) .
(33) سرّ العالمين : (ص9) .
(34) المناقب لعبدالله الشافعي : (ص108) .
(35) غاية المرام : (ص79 ـ 103 ب16 و17) ، وإحقاق الحقّ : (ج2 ص426 ، وج3 ص322 ، وج6 ص225 ، وج16 ص559 ، وج21 ص1) .
(36) سورة المائدة : (الآية 67) .
(37) سورة سبأ : (الآية 20) .
(38) غاية المرام : (ص91 ب17 ح8) .
(39) غاية المرام : (ص79 ب16 ح1) .
(40)    سورة المائدة : (الآية 67) .
(41) سورة المائدة : (الآية 3) .
(42) سورة المعارج: (الآيات 1 ـ 3) .
(43) سورة الدخان : (الآية 28) .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page