• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

حديث المنزلة

67 ـ قال: الشبهة الثانية عشرة زعمو إن من النص للتفصيلي على إمامة علي قوله صلى الله عليه وسلم له لما خرج الى تبوك وإستخلفه على المدينة «أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا إنه لانبي بعدي» قالوا ففيه دليل على أن جميع المنازل الثابتة لهارون من موسى سوى النبوة ثابتة لعلي من النبي صلى الله عليه وسلم وإلا لما صح الإستثناء، ومما ثبت لهارون من موسى إستحقاقه الخلافة عنه لو عاش بعده إذا كان خليفته في حياته فلو لم يخلفه بعد مماته لو عاش بعده لكان لنقص فيه وهو غير جائز على الأنبياء وايضاً فمن جملة منازله منه إنه كان شريكاً له في الرسالة ومن لازم ذلك وجب الطاعة لو بقي بعده فوجب ثبوت ذلك لعلي إلا أن الشركة في الرساله ممتنعة في حق علي فوجب أن يبقى مفترض الطاعة على الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم عملاً بالدليل بأقصى مايمكن وجوابها إن الحديث إن كان غير صحيح كما يقوله الأمدي فظاهر وإن كان صحيحاً كما يقوله أئمة الحديث والمعول في ذلك ليس إلا عليهم كيف وهو في الصحيحين فهو من قبيل الآحاد وهم لايرونه حجة في الإمامة وعلى التنزيل فلا عموم له في المنازل بل المراد مادل عليه ظاهر الحديث إن علياً خليفة عن النبي صلى الله عليه وسلم مدة غيبته بتبوك كما كان هارون خليفة عن موسى في قومه مدة غيبته عنهم للمناجاة وقوله (إخلفني في قومي) لا عموم له حتى يقتضي الخلافة عنه في كل زمن حياته وزمن موته بل المتبادر منه مامر إنه خليفتة مدة غيبته فقط وحينئذ فعدم شموله لما بعد وفاة موسى عليه السلام إنما هو لقصور اللفظ عنه لا لعزله كما لو صرح بإستخلافه في زمن معين ولو سلمنا تناوله لما بعد الموت وإن عدم بقاء خلافته بعده عزل له لم يستلزم نقصاً يلحقه بل إنما يستلزم كمالاً له أي كمال لأنه يصير بعده مستقلاً بالرسالة والتصرف من الله تعالى وذلك أعلى من كونه خليفة وشريكاً في الرسالة سلمنا إن الحديث يعم المنازل كلها لكنه عام مخصوص إذ من منازل هارون كونه أخا نبياً والعام المخصوص غير حجة في الباقي أو حجة ضعيفة على الخلاف فيه ثم نفاذ أمر هارون بعد وفاة موسى عليه السلام لو فزض إنما هو للنبوة لا للخلافة عنه وقد نفيت النبوة هنا لإستحالة كون علي نبياً فيلزم نفي مسببه الذي هو إفتراض الطاعة ونفاذ الأمر فعلم مما تقرر إنه ليس المراد من الحديث مع كونه آحاداً لا يقاوم الإجماع إلاإثبات بعض المنازل الكائنة لهارون من موسى وسياق الحديث وسببه يبينان ذلك البعض لما مر إنه إنما قاله لعلي حين إستخلفه فقال علي كما في الصحيح: أتخلفني في النساء والصبيان ؟ كأنه إستنقص تركه وراءه فقال له: إلا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى حيث إستخلفه عند توجهه الى الطور إذ قاتل له (إخلفني في قومي واصلح) وايضاً فاستخلافه على المدينة لايستلزم أولويته بالخلافة بعده من كل معاصريه إفتراضاً ولا ندباً بل كونه اهلاً لها في الجمله وبه نقول وقد إستخلف صلى الله عليه وسلم في مرار أخرى غير علي كإبن أم مكتوم ولم يلزم فيه بسبب ذلك إنه أولى بالخلافة بعده انتهى.
أقول: يظهر من تفرض الأمدي من بين جميع المتسمين بأهل السنة ومحدثيهم بنفي صحة هذا الحديث إنه لما ظهر عليه قوة دلالة هذا الحديث على إمامة علي عليه السلام التجأ الى القدح في صحته كما هو دأب قومه وإنما لم يوافقه غيره من المتأخرين في ذلك لما رأوه من غاية الشناعة في إنكار صحة ماملأ به المتقدمون كتبهم ولعمري لو تفطن متقدموهم لذلك لأخفوه ولم يكثروا من ذكره كما هو عادتهم في جحد الحق والشهادة بالباطل كما تشهد به مؤلفاتهم إذ كل ماندعيه فيه شواهد من كتبهم نصوص أئمتهم مما لا يقدرون على إنكاره في خيار كتبهم عن خيار مصنفيهم وقد أوضحنا ذلك في هذا التعليق بعون ولي التوفيق ولتوجه الشناعة ترى المتأخرين منهم قد عدلوا عن القدح في صحة سنده الى القدح في دلالة متنه بالتاويل والتخصيص الذي هو أشنع من الأول كما أتى به هذا الشيخ الجاهل ولا يخفى إنه يظهر مما فعله الأمدي إنه لايبالى بما في الصحيحين ولا يعتقد صحة ما فيهما من الأحاديث كلاً او بعضاً فاحفظ هذا.
وأما ماذكره من «إن الشيعة لا يروون أخبار الآحاد حجة في الإمامة» فهب أن يكون كذلك لكنهم جعلوا الإحتجاج بها إلزامياً لأهل السنة فلا يلزم أن تكون جميع دلائلهم على هذا المطلب تحقيقاً.
وأما ماذكره بعد التنزيل فهو أنزل مما تنزل منه لأن ما أتى به فيه من إنكار العموم منع للمقدمة المستدل عليها حيث إستدل الخصم على العموم بما نقله من قولهم وإلا لما صح الإستثناء فافهم. وقوله «بل المراد الى آخره» مردود بان الكلام في الدلالة لا في الإرادة وانى له إثبات المراد وكيف يبقى بعد ظهور دلالة اللفظ على عموم المنازل دلالة ظاهرة للفظ الحديث على ماذكره من التخصيص المخالف للأصل والظاهر.
وأما ماذكره من «إن قول موسى عليه السلام: إخلفني في قومي لا عموم له الى آخره» ففيه إنه إن لم يكن له عموم بحسب الصيغة لكنه يفيد العموم بحسب العرف كما في قولنا «الله وفقنا لما تحب وترضى» فكما إن العرف يفهم هاهنا العموم لا طلب التوفيق في وقت دون وقت فكذا فيما نحن فيه يفهم أن المطلوب الخلافة الثابتة مدة حياة الخليفة لا الخلافة المستعقبة للعزل ولأن الغرض من ذلك الإستخلاف رعاية مصالح الرعية وذلك بعد الموت أهم إذ رعايتها وقت الغلب ممكنة للمستخلف وأما بعد الموت فغير ممكنة وبالجملة لإخفاء في كون ذلك ظاهراً في العموم وبناء الدليل على الظاهر والعدول عنه من غير ضروره غير جائز وأما تخصيص الخلافة بوقت معين فمن الظاهر إنه خلاف الظاهر فكيف يدعي كونه متبادراً.
وأما ماذكره من «إن عدم الشمول لما بعد الوفاة إنما هو لقصور اللفظ» فإنما نشأ عن قصور فهمه وإلا فاللفظ قد خيط على قدر المعنى سواء بسواء كما عرفت.
واما ماذكره من «إن عزل هارون عن الخلافة بعد موسى عليه السلام كمال له لأنه يوجب إستقلاله في الرسالة وإن ذلك أعلى من كونه خليفة له وشريكاً في رسالته» فمدخول بأنه لو سلم إنه كان شريكاً له في النبوة والرسالة فلا يلزم إستقلاله فيها بعد وفاة موسى عليه السلام إذ الشركة لا تقتضي إستقلال التصرف في حصة الشريك بعد وفاته لجواز ضم آخر اليه بدله على إنه إذا كان هارون شريكاً لموسى في النبوة غير مستقل فيه كما هو صريح عبارته فيلزم منه أن يكون موسى عليه السلام ايضاً كذلك ولم يقل أحداً بأنهما عليهما السلام كانا نبياً واحدا مستقلاً وهو ظاهر وايضاً لو صح ذلك لما تميز عن هارون بكونه من أولي العزم دونه، ولما نسب نزول التوراة اليه وحده، ولما نسب بنو إسرائيل الى كونهم أمته وحده، فظهر إن المراد بقوله «إشركه في أمري» المشاركة في دعوة فرعون ونحوه من الأمور وكذا المراد باستخلافه بهارون كونه خليفة بما يختص بموسى عليه السلام من أحكام نبوته بل الظاهر إنه لا معنى لعدم الإستقلال في النبوة سواء كان النبي مبعوثاً على نفسه أو على غيره ايضاً فتأمل.
وأما ماذكره من «إن العام المخصوص غير حجة في الباقي أو حجة ضعيفة» فضعيف جداً لأن المحققين من أئمة الأصول على كونه حجة في الباقي والمخالف شاذ لا يعتد به لكن هذا الشيخ الجاهل غلب الأمر في نسبة القوة والضعف الى المذهبين ترويجاً لما هو في صدده هاهنا والا فقد تراه في غيره من المطالب على خلاف ذلك كما تشهد به كتب أصحابه من الشافعية في الإصول.
وأما ماذكره من «إن نفاذ أمر هارون بعد وفاة موسى لو فرض إنما للنبوة لا للخلافة» مجرد دعوى لا دليل عليه أصلاً ولم لا يجوز أن يكون بالأمرين معاً ففي لوازم نبوة نفسه بها وفي إجراء أحكام نبوة موسى عليه السلام بالخلافة عنه ويؤيد هذا ماروى محمد الشهرستاني الأشعري عند بيان أحوال اليهود من كتاب الملل والنحل حيث قال «إن الأمر كان مشتركاً بين موسى وبين أخيه هارون عليهما السلام إذ قال (إشركه في أمري) فكان هو الوصي فلما مات هارون في حياته إنتقلت الوصاية الى يوشع وديعة ليوصلها الى شبير وشبر قراراً وذلك لأن الوصية والإمامة بعضها مستقروبعضها مستودع» انتهى وهو نص في أن المراد بالمنزلة في حديث المنزلة وهو الوصاية والخلافة.
وأما ماذكره بقوله «فعلم ماتقرر إنه ليس المراد؛ الى آخره» فهو مردود بما علمت من عدم تقرر ماذكره بل كان ذلك كالرقم على الماء والنقش على الهواء.
وأما ماذكره من «إن الحديث مع كونه آحاداً لايقاوم الإجماع» ففيه من قد بينا سابقاً من بطلان إنعقاد الإجماع على خلافة أبي بكر وإنه لغاية وهنه ربما يقاومه ما هو أوهن من بيت العنكبوت فضلاً عن الخبر الواصل الى حد التواتر في الصحة والثبوت.
وأما ما إستدل به على مطلوبه من دلالة السياق بمعونة الدليل المنفصل من موضوعات البخاري ومعونة تفسيره للآية بما شاء لا يخفي وهنه ونحن نبرأ الى الله تعالى من هذا التفسير البارد الفاسد الذي هو أما زله عالم فاضل أو إفتراء كاذب فاسق ونحمده تعالى على السلامة من ذلك.
وأما ماذكره آخراً من «إنه أيضاً فاستخلافه على المدينة لا يستلزم؛ الى آخره» فمقدوح بأن الإجماع من الأمة حاصل على إن هؤلاء لا حظ لهم بعد الرسول صلى الله عليه وآله في إمامة ولا فرض طاعة وذلك دليل ظاهر على ثبوت عزلهم أيضاً الفرق ظاهر لأنه صلى الله عليه وآله عزل إبن أم مكتوم بتولية علي عليه السلام ولم يعزل عندما عرف إنه آخر غزواته ولو عرف إن غيره يقوم مقامه في الحروب وكشف الكروب لأستخلفه في جميع غزواته ولو عرف صلى الله عليه وآله بوقوع قتال في تبوك ماتركه في المدينة كما قال إبن الجوزي حين قيل له: هل جرى في تبوك قتال ؟ قال: قعدت الحرب الشجاع فمن يقاتل ؟ ولو لم يكن في هذه المنقبة الشريفة إلا عزل الغير وتوليته لكفاه شرفاً ونبلاً وأصحابنا كثرهم الله لم يستدلوا بمجرد الإستخلاف بجميع الأمور للإجماع على هذا وعدم القائل بالفرق وهذا أقوى من إستدلالهم بإمامة أبي بكر في الصلاة وعلى تقدير صدقها كما لايخفى على إنا لو أغمضنا عن دلالة الحديث على الخلافة نصاً فنقول لايشك عاقل إن منزلة هارون من موسى أعظم من منزلة غيره من أصحاب موسى عليه السلام فكذا منزلة على (ع) يكون أعظم وأقوى من منزلة غيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله فيكون أولى بالإمامة من غيره بعده ومما يؤيد ذلك ماأخرجه صاحب جامع الإصول في صحيح النسائي عن علي عليه السلام قال: كانت لي منزلة من رسول الله صلى الله عليه وآله لم تكن لأحد من الخلائق انتهى وها هنا زيادة تدقيق وتحقيق وشحنا بها شرحنا بكتاب كشف الحق ونهج الصدق فليطالع ثمة.
68 ـ قال: الشبهة الثالثة عشرة زعموا أيضاً إن من النصوص التفصيلية الدالة على خلافة علي قوله صلى الله عليه وسلم لعلي «أنت أخي ووصيي، وخليفتي وقاضي ديني» أي بكسر الدال وقوله «أنت سيد المسلمين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين» وقوله صلى الله عليه وآله وسلم «سلموا على علي بإمرة الناس وجوابها مر مبسوطاً قبيل الفصل الخامس ومنه إن هذه الأحاديث كذب باطلة موضوعة مفتراة عليه (ص) ألا لعنة الله على الكاذبين. ولم يقل أحد من أئمة الحديث إن شيئاً من هذه الأكاذيب بلغ مبلغ الآحاد المطعون فيها بل كلهم مجتمعون على إنها محض كذب وإفتراء فإن زعم هؤلاء الجهلة الكذبة على الله ورسوله وعلى أئمة الإسلام ومصابيح الضلام إن هذه الأحاديث صحت عندهم قلنا لهم هذا محال في العادة إذ كيف تتفردون بعلم صحة تلك مع إنكم لم تتصفوا قط برواية ولا صحبة محدث ويجهل ذلك مهرة الحديث وسباقه الذين أفنوا أعمارهم في الأسفار البعيدة لتحصيله وبذلوا جهدهم في طلبه وفي السعي الى كل من ظنوا عنده شيئاً منه حتى جمعوا الأحاديث ونقبوا عنها، وعلموا صحيحها من سقيمها ودونها في كتبهم على غاية من الإستيعاب ونهاية من التحرير وكيف والأحاديث الموضوعة جاوزت مئات الألوف وهم مع ذلك يعرفون واضع كل حديث منها وسبب وضعه الحامل لواضعه على الكذب والأفتراء على نبيه صلى الله عليه وسلم ومن عجيب أمر هؤلاء الجهلة إنا إذا إستدللنا عليهم بالاحاديث الصحيحة الدالة صريحاً على خلافة أبي بكر كخبر «إقتدوا بالذين من بعدي» وغيره من الأخبار الناصة على خلافته التي قدمتها مستوفاة في الفصل الثالث قالوا هذا خبر واحد فلا يغني فيما يطلب فيه اليقين وإذا أرادوا أن يستدلوا على مازعموه من النص على خلافة علي أتوا أما بأخبار لاتدل بزعمهم كخبر «من كنت مولاه» وخبر «أنت مني بمزلة هارون من موسى» مع إنها آحاد وأما بأخبار باطلة كاذبة متيقنة البطلان واضحة الوضع والبهتان لاتصل الى درجة الأحاديث الضعيفة التي هي أدنى مراتب الآحاد فتأمل في هذا التناقض الصريح والجهل القبيح لكنه لفط جهلهم وعنادهم وميلهم عن الحق يزعموا التواتر فيما يوافق مذهبهم الفاسد وإن أجمع اهل الحديث والأثر على إنه كذب موضوع مختلق ويزعمون فيما يخالف مذهبهم إنه آحاد وإن إتفق اولئك على صحته وتواتر روايته تهكما وعناداً وزيغاً عن الحق فقاتلهم الله ماأجهلهم وأحمقهم انتهى.
أقول: أما الحديث الأول فهو مذكور في مسند أحمد بن حنبل من عدة طرق بالفاظ متقاربة وكذا رواه الثعالبي في تفسيره وإبن المغازلي في كتاب المناقب بأدنى تغيير فنسبة الشيعة في رواية ذلك الى الإفتراء والإرتياب، كما أتى به هذا الشيخ المعاند في الجواب إنما نشأ من غاية العجر والإضطراب.
وأما الحديث الثاني والثالث فقد مر إنهما من المتواتر في الطبقة الأولى كافة، وإنما إنقطع تواتره في أواخر تلك الطبقة سيما بني أمية وأتباعهم، المنحرفين عن النصوص عليه، المعاندين لظهور نقلها على الكافة فصار الخوف منهم واجباً لكتمان جمهور الطبقة الثانية الموجودين في حاق زمان ملكهم بذلك وبقي بين الشيعة بحالة مستسرين في نقلة طائفة بعد طائفة. إن قيل: كيف يجوز على العدد الكثير وعلى من يتواتر به الإخبار من جماعة أهل السنة أن يكتموا خبراً تحتاج اليه الأمة أشد حاجة وهو في الأمر العظيم الخطير الشريف الرفيع وقد وعدوا على كتمانه ووعدوا على إذعانه لبعض ماذكرتم من الأسباب الفاسدة والأغراض الكاسدة لو جاز هذا عليهم لجاز عليهم تعمد الكذب فيما شاهدوا وعاينوا، وما الفرق بين الكتمان والكذب ؟ قلنا: إنا لا نجيز وقوع الكتمان من العدد الكثير إلا بعد أن يتغير حالهم ويحتال عليهم محتال في إدخال شبهة عليهم يزيلهم بها عن دينهم فإذا تغيرت الحال وعملت الشبهة وزال القوم عن الدين أمكن أن يعرضوا عما قد سمعوه وعاينوه فإذا أعرضوا أمكن وقوع الكتمان على الأيام وتطاولها وما يعرض فيها من غلبة سلطان جائر يقصد الذين يدينون دين الحق فيقتلهم ويشردهم ويخوفهم حتى يسكت العلماء ويتخذ الناس رؤساء جهالاً فساقاً كمعاوية ويزيد، عليهم من اللعن مايربوا ويزيد، فيضلون ويضلون والدليل على صحة ماإدعيناه إنا وجدنا من أمة موسى عليه السلام ماتغيرت حالهم وتمكنت الشبهة في قلوبهم أعرضوا عما كانو سمعوه ووعوه من قول موسى عليه السلام وارتد الذي لامثل له ولم يلتفتوا مع مافي عقولهم من إن الصانع لانسبة لصنعه الى صنعة السامري الى ماكان يذكرهم به هارون (ع) وهموا بقتله وقالوا (لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجعوا الينا موسى) هذا عندما قال لهم هارون «ياقوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني، واطيعوا أمري» وبين وقوع الكتمان على هذه الجهة وبين وقوع الكذب فرق واضح وهو إن الكتمان إذا وقع على هذه الجهة وقع شبهة يمكن معها أن يتوهم القوم إنهم على صواب ما والكذب لايمكن وقوعه من هذه الجهة ألا يمكن للمحتالين من الرؤساء أن يقولوا لقوم الذين سمعوا خبراً إن معنى هذا الكلام وغرض المخاطب لكم به لم يكن ماسبق الى قلوبكم وقد غلطتم واخطأتم ونحن أعلم بمراده ومقصوده وإن أنتم لاتقبلوا منها أفسدتم الإسلام فعند ذلك يتمكن الشيطان وينجوا الذين سبقت لهم من الله الحسنى وليس يمكن للرؤساء أن يقولوا لهم تعالوا حتى نتخرص خبراً نصنعه ونذيعه لأنهم إذا قالوا ذلك كشفوا عما تخفية صدورهم وظهر أمرهم للعامة وتبين نفاقهم فصح بما قررنا إن الكتمان يجوز وقوعه على وجه لايجوزوقوع الكذب عليه وبالجملة يجوز أن يكون السبب في إنقطاع تواتر الخبر أو كتمانه بطول الشبهة لهم في نسخه بما رووه من قوله صلى الله عليه وآله «الأئمة من قريش» أو أن يكون لترك عمل الصحابة بالنص ترجيحاً لرأيهم كما وقع عن عمر حيث قال «متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما» وكما قال أبو حنيفة في مقابل نص النبي صلى الله عليه وآله وسلم على مشروعية القرعة في بعض المشتبهات ومشروعية أشعار الهدي في الحج «إن القرعة قمار والإشعار مثله» أو لطمعهم في ترك النقل التقرب الى ملوك بني أمية ومن قبلهم ومن بعدهم من الملوك الذين سلكوا مسلكهم في بغض أهل البيت عليهم السلامأو كما قاله النيشابوري الشافعي في تفسير سورة طه من إن الدليل قد يكون في غاية الظهور ومع ذلك يخفى على أعقل الناس كما خفي على آدم عليه السلام عداوة إبليس وإنه تعرض لسخط الله في شأنه حين إمتنع عن سجوده فكيف قبل وسوسته لولا كتاب من الله سبق انتهى إذ يعلم من هذا إن مجرد ظهور أدلة الشيعة على الإمامة ونحوها من مطاليبهم في نفس الأمر لا يوجب عدم خفائها على أهل السنة وكذا بالعكس وبعبارة أخرى لاوجه لأن يقال لو كان الأمر كماعليه الشيعة لما جاز على خلق كثير من علماء أهل السنة مثلاً أن لا يتفطنوا بمدلول ذلك الدليل ولا يهتدوا به الى الحق ولنعم ماقال عارف الشيرازي:
زاهد أر راه برندي نبرد معذور است * عشق كاريست كه موقوف هدايت باشود فلا بد لكل من الفريقين من الفحص عن أدله أخرى بل المباحثة والمناضرة معه حتى يتقرر له الدليل ويتضح عليه السبيل وكل من رام الحق بدون ذلك فهو في تضليل ولعله كما قال النيشابوري قد سبق كتاب من الله في أن لاينال أهل السنة مدلول دليل أهل الحق على إثبات الحق فتأمل هذا وقد مر إن من شرط حصول العلم التواتري لسامع الخبر الا يكون السامع ممن سبق الى إعتقاده نفي مخبره بشبهة أو تقليد فمتى كان السامع كذلك لا يحصل له العلم المخبر الخبر المتواتر. لايقال: فعلى هذا الشرط يجب أن لايحصل لمن سبق إعتقاده نفي مكة العلم بوجودها لأنا نقول مادة النقض غير متحققة إذ لاداعي هاهنا الى سبق إعتقاد النفي فلا يطرأ فيه شبهة.
وأما ماذكره من «إنه كيف ينفرد الشيعة بعلم صحة تلك مع إنهم لم يتصفوا قط برواية ولا صحبة محدث ويجهل ذلك مهرة الحديث؛ الى آخره» ففيه إنه إن أراد إنهم لم يتصفوا برواية وصحبة لمحدث من أهل السنة فعلى تقدير تسليمه وجهه ظاهر لحصول المعاندة بينهم على وجه يتقي الشيعة منهم، وإن أراد روا يتهم من أكابر شيعتهم وصحبتهم مع المحدثين منهم أنفسهم فلهم بحمد الله تعالى أكابر فضلاء، محدثون علماء، وقد دونوا في الحديث النبوي والإمامي من نفائس الكتب مايزيد على الإصول الستة لأهل السنة فمن تلك الكتب الجامع المسمى بالكافي لمحمد بن يعقوب الكليني الرازي وكتابا التهذيب والإستبصار للشيخ أبي جعفرالطوسي وكتابا مدينة العلم ومن لايحضره الفقيه لإبن بابويه وغير ذلك لكن أهل السنة لايلتفتون الى تفاصيل أحاديث الشيعة ومؤلفاتهم الكلامية والأصوليه والفروعية حذرا من أن يظهر عليهم ويلزمهم ترك تقليد الأسلاف لا يرحمهم الله ولا يزكيهم.
وأيضاً فالشيعة وإن لم يتصفوا برواية وصحبة محدث من أهل السنة فقد إتصفو برواية أهل السنة منهم وصحبتهم إياهم كما يرشد اليه ماصرحوا به من أن سبعة من مشايخ البخاري كانوا من محدثي الشيعة منهم عبيد الله بن موسى وأبي معاوية كما مر وذكر الذهبي في أول كتابه الموسوم بميزان الإعتدال في أحوال الرجال أبان بن تغلب رحمه الله وقال إنه شيعي صلب لكنه لما كان صدوقاً فصدقه لنا وبدعته له وقد وثقه أحمد بن حنبل وإبن معين وقال إبن عدي: «إنه كان غالياً في التشيع» ثم قال «فإن قيل كيف يحكم بثقة المبتدع مع إن العدالة التي هي ضد البدعة مأخوذ في تعريف الثقة قلنا الغلو في التشيع والتشيع بلا غلو كان كثيراً في التابعين مع إنهم كانوا متحلين بحلية التدين والورع والصدق فلو ردت أحاديثهم مع كثرتها لضاع كثير من الآثار النبوية وهذه مفسدة ظاهرة» آنتهى.
ومن محدثي الشيعة الذين قد روي عنه جماعة من محدثي أهل السنة الحافظ أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد السبيعي الهمداني الكوفي الملقب بإبن عقدة وقد ذكره الذهبي في ميزانه واليافعي وإبن كثير الشامي في تاريخهما وقالوا «أبوالعباس كوفي شيعي وهو أحد من أركان الحديث والحفاظ الكبار وكان قد سمع أحاديث كثيرة وسافر في طلب الحديث أسفاراً عديدة وإستفاد من خلق كثير واستمع منه الطبراني والدار قطني والجعامي وبن عدي وبن مظفر وبن شاهين وكان آية من أيات الله تعالى في الحفظ حتى قال الدار قطني: إن أهل بغداد أجمعوا على إنه لم يظهر من زمان إبن مسعود الى زمان إبن عقدة من يكون أبلغ منه في حفظ الحديث» وأيضاً قال الدار قطني «سمعت منه إنه قال قد ضبطت ثلاثمائة الف حديث من أحاديث أهل البيت وبني هاشم وحفظت مائة الف حديث بأسانيدها» ونقل الذهبي عن عبدالغني بن سعيد إنه قال «سمعت عن الدارقطني إنه قال إن إبن عقده يعلم ماعند الناس ولا يعلم الناس ماعنده» وقال الثلاثة «إن إبن عقدة كان يقعد في جامع البراثي من كوفة ويذكر مثالب الشيخين عند الناس فلهذا تركوا بعض أحاديثه وإلا فلا كلام في صدقه» انتهى وأما ماذكره من «إن محدثي أهل السنة دونوا الأحاديث في كتبهم على غاية من الإستيعاب» فهو كذب صريح ظاهر على أصحابه ايضاً لأنهم صرحوا بأن كتاب البخاري مشتمل على أربعة الآف حديث بعد إسقاط المكررات وقد نقل عنه إنه كان يحفظ مائة الف حديث وقس على هذا مسلماً وغيره جمعاً وحفظاً مع تداخل أكثر أحاديث جوامعه وقال النووي في مقدمة شرحه لصحيح مسلم «إن البخاري ومسلماً لم يلتزما إستيعاب الصحيح بل صحح عنهما تصريحهما بأنهما لم يستوعباه وإنهما قصدا جمع جمل من الصحيح كما يقصد المصنف في الفقه جمع جملة من مسائله لا إنه يحصر جميع مسائله هذا مع ما سمعت منا سابقاً من القدح التفصيلي في الكتابين فتذكر وأعجب من جميع ماذكر تعجبه من الشيعة في نفيهم لصحة شطر من أحاديث أهل السنة كيف ودعوى صحة تلك الأحاديث أول المسألة ومصادرة على المطلوب كما مر مراراً خصوصاً في دعوى صحة خبر «إقتدوا بالذين من بعدي» ولقد أحسن حيث حذف ذكر أبي بكر وعمر ها هنا فافهم.
وأما ماذكره من «إن الشيعة يقولون في مقابلة استدلال أهل السنة بتلك الأحاديث إنها أخبار آحاد؛ الى آخره» فهو إفتراء عليهم بل هم لايسلمو صحتها من أول الأمر.
وأما استدلالهم بالخبر الواحد الثابت عند اهل السنة المذكور في بعض كتبهم عليهم فإنما وقع إلزاماً كما مر مراراً ولا تناقض في ذلك وإنما التناقض عند إبن حجر البليد المتحجر الذي لم يفهم بجمود طبعه معنى التناقض كما لم يفهم بطلان المصادرة التي شحن بها كتابه هذا فتأمل.
69 ـ قال: الرابعة عشر زعموا إنه لو كان أهلاً للخلافة لما قال لهم «أقيلوني أقيلوني» لأن الإنسان لايستقيل من الشيء إلا أذا لم يكن أهلاً له وجوابها منع الحصر فيما عللوا به فهو من مفترياتهم وكم وقع للسلف والخلف التورع عن أمور هم لها أهل وزيادة بل لاتكمل حقيقة الورع والزهد إلا بالإعراض عما تأهل له المعرض وأما مع عدم التأهل فالإعراض واجب لازهد ثم سببه هنا إنه أما خشي من وقوع عجز ما منه عن إستيفاء الأمور على وجهه الذي يليق بكماله له أو إنه قصد بذلك إستبانة ماعندهم وإنه هل فيهم من يود عزله فأبرز ذلك كذلك فرآهم جميعهم لا يودون ذلك أو إن خشي من لعنته صلى الله عليه وسلم لإمام قوم وهم له كارهون فاستعلم إنه هل فيهم أحد يكرهه أولاً والحاصل إن زعمهم إن ذلك يدل على عدم الأهلية غاية في الجهالة والغباوة والحمق فلا ترفع بذلك رأساً انتهى.
أوقال: الرواية المشهورة إنها قال أبو بكر عند إمتناع علي عليه السلام عن بيعته وإدعاء الخلافة لنفسه محتجاً عليه بما إحتج هو به على الأنصار وغيرهم «اقيلوني أقيلوني فإني لست بخيركم وعلي فيكم» ولا ريب إن شيئاً من الوجوه التي تكلف إبداءها في تأويل هذه الإقالة مما لايتمشى ولايصلح جواباً بعد أن يكون وجه إقالته ماذكرناه وعبارته مانقلناه وإن إرتكب متكلف إرجاع بعض وجوهه الى ماذكره الشارح الجديد للتجريد من إنه قصد بما ذكره التواضع وهضم النفس فيتوجه عليه أولاً ماذكرناه عند الكلام على رواية ذكرها فى أواخر الفصل الأول من الباب الأول وثانياً إن هضم النفس فى أمر الدين غير موجه كيف ولا يبقى حينئذ وثوق لكلامه لعدم العلم بقصده بل نقل ولا يعقل ممن أعطاه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله الإمامة والخلافة في أمور المسلمين بحسب الدين والدنيا أن يقول لهم دعوا قبولي للإمامة لأني لست بخيركم وغيري خير مني موجود فيكم لأن ذلك يصير كذباً على الله ورسوله وثالثاً إن القول المذكور إنما وقع منه عند إنكار علي عليه السلام لإمامته وتعريض الناس عليه وعدم لياقته بذلك مع وجود علي عليه السلام كما مر فلو كان غرضه هضم النفس لما خص الخيرية لعلي عليه السلام بل قال أقيلوني فإن كل واحد منكم خير مني كما قال عمر «كل الناس أفقه من عمر حتى المخدرات في البيوت» مع إن هذا ايضاً في الحقيقة إعتراف بالواقع فافهم.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page