قضية الإمامة في كتب السنة
قلنا ، من قبل ، إننا سنقدم ما نعتقد أنه الصورة الحقيقية لقضية الإمامة . ولكي نتمكن من تقديم هذا التصور ، كان علينا ألا نقيد أنفسنا بما أورده أصحاب السنن في فصل الإمامة ، وألا نتقيد بمصدر واحد ، وإنما علينا أن نفتش في مصادر السنة المختلفة المتاحة لدينا .
وقلنا أيضا إننا سنلتزم بالقواعد القرآنية المحكمة التي لا يأتيها الباطل ، وخاصة قاعدة الاصطفاء الإلهي وأن حمل أمانة الدين والدنيا محصور في ذرية الأنبياء والهم لا غيرهم ، إلا إذا قام لدينا دليل قاطع يقول غير هذا الكلام ، ولا نظن أن رواية مكذوبة منسوبة إلى الرسول الأكرم تصلح لأن ترد صريح القرآن .
وهناك أيضا ملاحظة هامة ، وهي أننا لن نتعرض لأسانيد الأحاديث ، ورجالها ، ورواتها ، فمعظم الأحاديث التي سنوردها قد فرغ فيها القول وحققت وأصبحت أسانيدها مقطوع بصحتها .
كما لن نحرص على استقصاء كميع الروايات المتعلقة بالمسألة فإن هذا الأمر يطول ، وإنما سنركز على هدد قليل من الروايات التي ذكرتها كتب أهل السنة وصحاحهم ، تقودنا إلى ما نريد .
1 - حديث الغدير
أخرج أصحاب السنن ، واللفظة لابن المغازلي عن زيد بن أرقم قال : ( أقبل نبي الله من مكة في حجة الوداع حتى نزل بغدير الجحفة بين مكة والمدينة ، فأمر بالدوحات فقم ما تحتهن من شوك ، ثم نادى الصلاة جامعة ، فخرجنا إلى رسول الله ( ص ) في يوم شديد الحر وإن منا لمن يضع رداء ه على رأسه وبعضه على قدميه من شدة الرمضاء حتى انتهينا إلى رسول الله ( ص ) ، فصلى بنا الظهر ثم انصرف إلينا فقال : الحمد لله نحمده ونستعينه ونؤمن به ونتوكل عليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، الذي لا هادي لمن أضل ولا مضل لمن هدى ، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد عبده ورسوله .
أما بعد ، أيها الناس فإنه لم يكن لنبي من العمر إلا نصف عمر من قبله وإن عيسى بن مريم لبث في قومه أربعين سنة وإني قد أسرعت في العشرين ، ألا وإني أوشك أن أفارقكم ، ألا وإني مسؤول وأنتم مسؤولون فهل بلغتكم فماذا أنتم قائلون ؟ فقام من كل ناحية من القوم مجيب يقولون : نشهد أنك عبد الله ورسوله قد بلغت رسالته وجاهدت في سبيله وصدعت بأمره وعبدته حتى أتاك اليقين ، جزاك الله عنا خير ما جازى نبيا عن أمته . فقال : ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن الجنة حق وأن النار حق وتؤمنون بالكتاب كله ؟ قالوا : بلى . قال : فإني أشهد أن صدقتكم وصدقتموني ألا وإني فرطكم وأنكم تبعي توشكون أن تردوا علي الحوض فأسألكم حتى تلقوني عن ثقلي كيف خلفتموني فيهما . فأعيل علينا ما ندري ما الثقلان حتى قام رجل من المهاجرين قال : بأبي أنت وأمي يا نبي الله ما الثقلان ؟ فقال ( ص ) : الأكبر منهما كتاب الله تعالى سبب طرفه بيد الله وطرف بأيديكم فتمسكوا به ولا تضلوا ، والأصغر منهما عترتي من استقبل قبلتي وأجاب دعوتي فلا تقتلوهم ولا تقهروهم ولا تقصروا عنهم فإني قد سألت لهم اللطيف الخبير فأعطاني ناصرهما لي ناصر ، وخاذلهما لي خاذل ، ووليهما لي ولي وعدوهما لي عدو ، ألا وإنها لم تهلك أمة قبلكم حتى تتدين بأهوائها تتظاهر على نبوتها وتقتل من قام بالقسط . ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب فرفعها ثم قال : من كنت مولاه فهذا مولاه ومن كنت وليه فهذا وليه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه . قالها ثلاثا ) (19)
2 - خطبة حجة الوداع
روى الترمذي ، في الباب ( 32 ) ، تحت عنوان ( مناقب أهل بيت النبي ( ص ) ، حديث رقم ( 3786 ) ، بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري : ( رأيت رسول الله ( ص ) في حجته يوم عرفة وهو على ناقته القصواء يخطب ، فسمعته يقول : أيها الناس إني تركت فيكم ما أن أخذتم به لن تظلوا : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي ) (20) .
وفي حديث رقم ( 3788 ) للترمذي أيضا عن زيد بن أرقم قال : ( قال رسول الله ( ص ) : إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر : كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض . وعترتي أهل بيتي ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، فانظروا كيف تخلوني فيهما ) (21) .
3 - حديث المنزلة
روى البخاري وغيره من أصحاب السنن عن رسول الله ( ص ) ، أنه قال لعلي بن أبي طالب : ( أنت مني بمنزلة هارون من موسى غبر أنه لا نبي بعدي (22) .
_______________________________
(19) للتوسع في مصادر حديث الغدير ، أنظر : - سنن الترمذي : 2 / 298 دار إحياء التراث العربي - بيروت ( غير مؤرخ ) . - سنن ابن ماجة : 1 / 43 حديث رقم 116 . تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي دار الفكر - بيروت . - المستدرك على الصحيحين 3 / 109 ، 533 دار الكتب العلمية - بيروت 1411 ه . - مسند أحمد بن حنبل : 4 / 270 دار الفكر - بيروت .
( 20 ) أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي : الجامع الصحيح ، 5 / 621 . دار الكتب العلمية - بيروت 1408 ه / 1987 م .
( 12 ) المصدر نفسه ، 5 / 622 .
( 22 ) روي هذا الحديث بهذا المعنى ، وبألفاظ مختلفة في المصادر التالية : - تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ، 7 / 453 ط . دار الكتب العلمية - بيروت - كنز العمال للمتقي الهندي ، 6 / 395 . - مسند أحمد بن حنبل ، 1 / 170 و / 369 دار الفكر - بيروت - صحيح مسلم ، باب فضائل علي بن أبي طالب ، 5 / 23 حديث رقم 2404 . - صحيح البخاري كتاب بدء الخلق ، باب غزوة تبوك ، حديث رقم 3503 .