طباعة

1 ـ باب ( في أنَّ النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) قصَّر الصلاة بمِنى وخالفه عثمان مِن بعده فأتمَّها ) ( 1 ) .

المؤلِّف : أمّا ما جاء في أنَّ النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، قصّر الصلاة بمِنى ، مِن دون اشتماله على مُخالفة عثمان مِن بعده ، فالأخبار الواردة في هذا المعنى كثيرة ، وهذا هو بعضها مِمَّا ظفرتُ عليه على العُجالة .
1 ـ روى البخاري بسنده ، عن حارثة بن وهب ، قال :
صلَّى بنا النبي ( صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ) آمن ما كان بمِنى برَكعتين ( 2 ) .
المؤلِّف : وقول حارثة آمن ما كان ، يُشير به إلى أنَّ النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) صلَّى قصراً بمِنى ؛ مِن جِهة السفر ، لا مِن جِهة الخوف ؛ فإنَّ الخوف هو سبب آخر للقصر غير السفر .
ثمَّ إنَّ الرواية المذكورة ، قد رواها البخاري ثانياً في كتاب الحَجِّ ، في باب الصلاة بمِنى باختلاف يسير .
قال ـ بعد ذكر السند ـ : عن حارثة بن وهب الخزاعي ، قال :
صلَّى بنا النبي ( صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ) ، ونحن أكثر ما كنَّا قَطّ وآمنه بمِنى رَكعتين ( 3 ) .
وقد روى النسائي أربعة أحاديث ، في أنَّ النبي ( صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ) كان يُصلِّي بمِنى قصراً ( 4 ) .
وأمَّا ما جاء في أنَّ النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، قصَّر الصلاة بمِنى ، مع اشتماله على مُخالفة عثمان مِن بعده فأتمَّها ، فالأخبار الواردة في هذا المعنى كثيرة جِدَّاً ، وهذه جُملة منها ، مِمَّا ظفرتُ عليه على العُجالة .
2 ـ روى مسلم بسنده ، عن عبد الرحمان بن يزيد ، يقول : صلَّى بنا عثمان بن عفان بمِنى أربع رَكعات ؛ فقيل ذلك لعبد الله بن مسعود ؛ فاسترجع ، ثمَّ قال :
صلَّيت مع رسول الله بمِنى رَكعتين ، وصلَّيت مع أبي بكر بمِنى رَكعتين ، وصلَّيت مع عمر بن الخطاب بمِنى رَكعتين ، فليت حظِّي مِن أربع ركعات رَكعتان مُتقبَّلتان ( 5 ) .
( الصلاة بمِنى ) .
3 ـ روى البخاري بسنده ، عن عبد الرحمان بن يزيد ، عن عبد الله ، قال :
صلَّيت مع النبي ( صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ) رَكعتين ، ومع أبي بكر رَكعتين ، ومع عمر رَكعتين ، ثمَّ تفرَّقت بكم الطُّرق ، فيا ليتَ حظّي مِن أربع رَكعات رَكعتان مُتقبَّلتان ( 6 ) .
4 ـ روى أبو حنيفة بسنده ، عن علقمة ، عن عبد الله ، أنَّه أتى ، فقيل : صلَّى عثمان بمِنى أربعاً .
فقال : إنّا لله ، وإنّا إليه راجعون ؛ صلَّيت مع رسول الله ( صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ) رَكعتين ، ومع أبي بكر رَكعتين ، ومع عمر رَكعتين ، ثمَّ حضر مع عثمان فصلَّى معه أربع رَكعات .
فقيل : له استرجعت ، وقلتَ ما قلتَ ، ثمَّ صلَّيت أربعاً ؟!
قال : الخلافة .
ثمَّ قال : وكان أوَّل مَن أتمَّها أربعاً ( 7 ) .
5 ـ روى المُتَّقي الهندي ، عن قتادة : أنَّ رسول الله ( صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ) ، وأبا بكر ، وعمر ، وعثمان صدراً مِن خِلافته ، كانوا يُصلُّون بمَكَّة وبمِنى رَكعتين . ثمَّ إنَّ عثمان صلاَّها أربعاً ، فبلغ ذلك ابن مسعود ؛ فاسترجع .
ثمَّ قام فصلّى أربعاً .
فقيل له : استرجعتَ ، ثمَّ صلَّيت أربعاً ؟!
قال : الخِلاف شَرٌّ .
قال : أخرجه عبد الرزاق في الجامع ( 8 ) .
6 ـ روى البيهقي بسنده ، عن معاوية بن قرة بواسط ، عن أشياخ الحيِّ ، قال : صلَّى عثمان الظهر بمِنى أربعاً ، فبلغ ذلك عبد الله ؛ فعاب عليه . ( الحديث ) ( 9 ) .
7 ـ روى أحمد بن حنبل بسنده ، عن القاسم بن عوف الشيباني ، عن رجل ، قال : كنَّا قد حملنا لأبي ذَرْ شيئاً ، نُريد أنْ نُعطيه إيَّاه ، فأتينا الرَّبَذَة فسألنا عنه ، فلم نجده . قيل : استأذن في الحَجِّ فأُذِنَ له ، فأتيناه بالبلدة ـ وهي مِنى ـ فبينا نحن عنده ، إذ قيل له : إنَّ عثمان صلَّى أربعاً ؛ فاشتدَّ ذلك على أبي ذَرْ وقال قولاً شديداً .
وقال : صلَّيت مع رسول الله ، فصلَّى رَكعتين ، وصلَّيت مع أبي بكر وعمر ـ إلى أنْ قال أبو ذَرْ ـ : أمرنا رسول الله ( صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ) أنْ لا يغلبونا على ثلاث : أنْ نأمر بالمعروف ، وننهى عن المُنكر ، ونعلّم الناس السُّنَن ( 10 ) .
8 ـ روى مسلم بطريقين ، عن نافع عن ابن عمر ، أنَّه قال :
صلَّى رسول الله ( صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ) بمِنى رَكعتين ، وأبو بكر بعده ، وعمر بعد أبي بكر ، وعثمان صدراً مِن خِلافته . ثمَّ إنَّ عثمان صلَّى بعده أربعاً ، فكان ابن عمر إذا صلَّى مع الإمام ، صلَّى أربعاً ، وإذا صلاَّها وحده صلَّى رَكعتين ( 11 ) .
9 ـ روى مسلم بطريقين ، عن حفص بن عاصم ، عن ابن عمر ، قال : صلَّى النبي ( صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ) بمِنى صلاة المُسافر ، وأبو بكر ، وعمر ، وعثمان ثماني سِنين أو ( قال : ) سِتَّ سِنين .
قال حفص : وكان ابن عمر يُصلِّي بمِنى رَكعتين ، ثمَّ يأتي فراشه ؛ فقلت له : أيْ عمِّ لو صلَّيت بعدها رَكعتين ؟
قال : لو فعلتُ لأتممتُ الصلاة ( 12 ) .
روى البخاري بسنده ، عن عبد الله بن عمر ، قال : صلى رسول الله ( صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ) بمِنى رَكعتين ، وأبو بكر ، وعمر ، وعثمان صدراً مِن خِلافته ( 13 ) .
المؤلِّف : يعني أنَّه أتمَّها بَعداً .
10 ـ روى مسلم بسندين ، عن سالم بن عبد الله بن أبيه ، عن رسول الله ( صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ) : أنَّه صلَّى صلاة المُسافر بمِنى وغيره رَكعتين ، وأبو بكر ، وعمر ، وعثمان ركعتين صدراً مِن خلافته . ثمَّ أتمَّها أربعاً ( 14 ) .
11 ـ قال الترمذي : وقد صَحَّ عن النبي ( صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ) أنَّه كان يُقصِّر في السفر ، وأبو بكر ، وعمر ، وعثمان صدراً مِن خلافته .
ثمَّ روى بسنده عن أبي نضرة قال :
12 ـ سُئل عمران بن حصين ، عن صلاة المُسافر ، فقال : حَجَجت مع رسول الله ( صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم )
فصلّى رَكعتين ، وحَججت مع أبي بكر فصلَّى رَكعتين ، ومع عمر فصلَّى رَكعتين ، ومع عثمان سِتَّ سنين مِن خلافته أو ثمان سِنين فصلَّى رَكعتين ( 15 ) .
ورواه أحمد بن حنبل ـ أيضاً ـ في مُسنده 4/440 مُختصراً وص430 مبسوطاً ، وفيه التصريح بأنَّ النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ما سافر إلاّ وقصَّر ، وفي مَكَّة وحُنين والطائف .
وقصّر أبو بكر ، وعمر ، وعثمان صدراً مِن إمارته .
قال في آخره : ثمَّ إنَّ عثمان صلَّى بعد ذلك أربعاً .
13 ـ روى أحمد بن شعيب النسائي بسنده ، عن أنس بن مالك ، أنَّه قال : صلَّيت مع رسول الله ( صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ) بمِنى ، ومع أبي بكر ، وعمر ركَعتين ، ومع عثمان رَكعتين ، صدراً مِن إمارته . يعني : أنَّه صلَّى بعداً تماماً .( 16 )
ورواه الطحاوي ـ أيضاً ـ في شرح معاني الآثار ، في باب صلاة المُسافر .
وقال في آخره : ثمَّ أتمّها بعد ذلك ، يعني : عثمان .
14 ـ روى الإمام مالك بسنده ، عن هاشم بن عروة ، عن أبيه : أنَّ رسول الله ( صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ) قد صلَّى الصلاة بمِنى رَكعتين ، وأنَّ أبا بكر صلاّها بمِنى رَكعتين ، وأنَّ عمر بن الخطاب صلاَّها بمِنى رَكعتين ، وأنَّ عثمان صلاَّها بمِنى رَكعتين شَطر إمارته . ثمَّ أتمَّها بعد ( 17 ) .
المؤلِّف : إنَّ النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) بعدما قصَّر الصلاة بمِنى ، وفي مُطلق السفر ، سِيَّما بعدما تبعه أبو بكر وعمر ، بلْ وعثمان أيضاً بنفسه في صدرٍ مِن إمارته ؛ فلا يبقى مجال لعثمان أنْ يُتمَّ الصلاة بعداً بمِنى ، أو في مُطلق السفر ؛ فإنَّ التأويل والاجتهاد في مُقابل النَّصِّ الصريح مِمَّا لا معنى له ، وإنْ هو إلاّ حُكم منه بغير ما أنزل الله ، وقول منه في دين الله برأيه ؛ فإنَّ الذي يُتمُّ الصلاة في السفر ، هو مِمَّن يحكم به لا محالة ، ويقول به ، ويُفتي به قطعاً .
وقد عرفت ـ في آخر باب تحريم عمر مُتعة الحَجِّ ـ حُكم مَن حكم بغير ما أنزل الله ، وحُكم مَن قال في دين الله برأيه .
ويؤيِّد ذلك كلَّه ، بلْ يَدلُّ عليه ، ما رواه البيهقي بسنده ، عن صفوان بن محرز ، قال : سألت ابن عمر عن صلاة السفر .
قال : رَكعتان . مَن خالف السُّنَّة كفر ( 18 ) .
وعليه ؛ فصار نتيجة هذا الباب مِن أوَّله إلى آخره ، أنَّ حال عثمان كحال عمر عيناً ، وإنْ شِئت التفصيل أكثر مِن ذلك ، فراجع باب تحريم عمر مُتعة الحَجِّ ؛ ليتَّضح لك الأمر بنحو أكمل
ـــــــــــــــــــــــ
( 1 ) ـ فيه أربعة عشر حديثاً .
( 2 ) صحيح البخاري : 2/35 ، أبواب التقصير باب الصلاة بمِنى البخاري ط استانبول . شرح معاني الآثار : 4/416 .
( 3 ) صحيح البخاري ط استانبول : 2/173 ، كتاب الحَجِّ باب الصلاة جامعة . شرح معاني الآثار للطحاوي : 4/416 باب صلاة المُسافر . كنز العمَّال للمُتَّقي ط الهند : 3/31 ، قال : أخرجه العدني ، والطحاوي ، والعقيلي . حلية الأولياء : 4/344 ـ 7/188 رواه بطريقين .
( 4 ) ـ الرضوي : الحديث الذي رواه النسائي ، عن عبد العزيز بن رُفيع ، قال : سألت أنس بن مالك فقلت : اخبرني بشيء عقلته عن رسول الله ( صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ) ، أين صلَّى الظهر يوم التروية ؟
 قال : بمِنى . ولم يقُل صلَّى قصراً .
سُنن النسائي : 5/249 ـ 250 ، أين يُصلّى الإمام الظهر يوم التروية .
( 5 ) صحيح مسلم ط استانبول : 2/146 ـ 147 . صحيح النّسائي ط المطبعة الميمنيّة بمصر : 1/212 باختصار . مُسند أحمد بن حنبل : 1/378 ـ 425 . السُّنن الكبرى : 3/143. سُنن أبي داود : 1/438 ، كتاب الحَجِّ ، باب الصلاة بمِنى تحقيق سعيد محمد اللّحام . شرح معاني الآثار للطحاوي : 1/416 باب صلاة المُسافر .
( 6 )  صحيح البخاري ط استانبول : 2/173 ، باب الصلاة بمِنى . سُنن الدارمي : 2/55 . سُنن البيهقي : 3/143 . سُنن أبي داود : 1/438 ، كتاب الحَجّ رواه باختلاف يسير في اللّفظ .
( 7 ) مُسند الإمام أبي حنيفة : ص16 . مطبعة محمدي لاهور ـ باكستان .
( 8 ) كنز العمَّال : 4/242 . ط حيدر آباد ـ الهند .
( 9 ) السُّنن الكبرى : 3/144 .
( 10 ) المُسند : 5/165 .
( 11 ) صحيح مسلم : 2/146ط استانبول ، كتاب الصلاة ، باب قصر الصلاة بمِنى . المُسند : 2/16 ـ 15 باختصار .
( 12 ) المصدر نفسه : 2/146 ، باب قصر الصلاة بمِنى . مُسند أحمد بن حنبل : 2/31 باختصار .
( 13 ) صحيح البخاري : 2/173ط استانبول ، باب الصلاة بمِنى . شرح معاني الآثار للطحاوى : 4/416 ، باب صلاة المُسافر تحقيق الشيخ محمد زهرى النجار .
( 14 ) صحيح مسلم : 2/145 ـ 146 ، باب قصر الصلاة بمِنى . مُسند أحمد بن حنبل : 2/140 . مُسند الطيالسي : 8/250ط حيدر آباد ـ الهند . سُنن الدارمي : 1/354 و2/55 . السُّنن الكبرى للبيهقي : 3/126. شرح معاني الآثار للطحاوي : 4/417 ـ 418 ، باب صلاة المسافر ، تحقيق الشيخ محمد زهري النجار .
( 15 ) سُنن الترمذي : 2/430 ، تحقيق أحمد محمد شاكر ، باب ما جاء في التقصير في السفر . السُّنن الكبرى للبيهقي : 3/135 ـ 153 رواه مبسوطاً .
( 16 ) صحيح النسائي : 1/212 ، ط مصر عام 1312هـ . مُسند أحمد بن حنبل : 3/144 ـ 145 ـ 168 .
شرح معاني الآثار الطبعة الأُولى للطحاوي : كتاب مناسك الحَجِّ .
كنز العمَّال للمُتَّقي الهندي : 3/31ط حيدر آباد ـ الهند ، قال : أخرجه العدني ، والطحاوي ، والعقيلي .
( 17 ) موطِّأ الأمام مالك : 1/402 ، كتاب الحَجِّ ، باب الصلاة بمِنى ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي . شرح معاني الآثار : 4/418 ، تحقيق الشيخ محمد زهري النجار .
( 18) السُّنن الكبرى للبيهقي : 3/140 .