1 ـ قال الإمام مالك : إنَّ عثمان بن عفان أُتي بامرأةٍ ، قد ولدت في سِتَّة أشهر ؛ فأمر بها أنْ تُرجَم ؛ فقال له عليّ بن أبي طالب [ عليه السلام ] : ( ليس ذلك عليها ؛ إنَّ الله تبارك وتعالى يقول في كتابه :
( ... وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً ... ) الأحقاف : 15 .
وقال : ( وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ... ) البقرة : 233 .
؛ فالحمل يكون ستَّة أشهُر ؛ فلا رجم عليها ) .
فبعث عثمان في أثرها ، فوجدها قد رُجِمت ( 3 ) .
2 ـ روى أبو جعفر الطبري بسنده ، عن بعجة بن زيد الجهني : أنَّ امرأة منهم دخلت على زوجها ، وهو رجل منهم ـ أيضاً ـ فولدت له في سِتَّة أشهُر ، فذُكِر ذلك لعثمان بن عفان ؛ فأمر بها أنْ تُرجَم ، فدخل عليه عليّ بن أبي طالب ، فقال : ( إنَّ الله تبارك وتعالى يقول في كتابه :
( ... وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً ... ) الأحقاف : 15 .
وقال : ( ... وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ ... ) ) .
قال : فو الله ، ما عَبَد عثمان أنْ بعث إليها تُرَدُّ .
قال : يونس ـ يعني : الراوي ـ قال ابن وهب عَبَد استنكف ( 4 ) .
المؤلِّف : فيكون المعنى هكذا : فو الله ، ما استنكف عثمان أنْ بعث إلى المرأة ، التي أمر برجمها أنْ تُردُّ .
3 ـ السيوطي في ذيل تفسير قوله تعالى :
( وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً ... ) الأحقاف : 15 قال :
وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، عن بعجة بن عبد الله الجهني ، قال :
تزوَّج رجل مِنَّا امرأة مِن جهينة ، فولدت له تماماً لسِتَّة أشهُر ، فانطلق زوجها إلى عثمان بن عفان ؛ فأمر برجمها ، فبلغ ذلك عليَّاً فأتاه ، فقال : ( ما تصنع ؟ ) .
قال :
ولدت تماماً لسِتَّة أشهُر ، وهل يكون ذلك ؟!
قال عليّ : ( أما سمعت الله يقول :
( ... وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً ... ) .
وقال : ( وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ... ) ، فكم تجده بقي إلاّ سِتَّة أشهُر ! ) .
فقال عثمان : والله ما فطنت لهذا ، عَلَيَّ بالمرأة ، فوجدوها قد فُرِغَ منها .
وكان من قولها لأُختها : يا أُخيَّة ، لا تحزني ، فو الله ، ما كشف فرجي أحد قطّ غيره .
قال : فشبَّ الغلام بعد ، فاعترف الرجل به ، وكان أشبه الناس به ( 5 ) .
4 ـ روى الإمام أحمد بن حنبل بسنده ، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل الهاشمي ، قال :
كان أبي ـ الحارث ـ على أمرٍ مِن أمرِ مَكَّة في زمن عثمان ، فأقبل عثمان إلى مَكَّة .
ـ فقال عبد الله بن الحارث ـ : فاستقبلت عثمان بالنزل بقَديد ، فاصطاد أهل الماء حِجَّلاً ، فطبخناه بماء وملح ، فجعلناه عَراقاً للثريد ، فقدّمناه إلى عثمان وأصحابه ، فأمسكوا .
فقال عثمان : صيد لم أصطده ، ولم نأمر بصيده ، اصطاده قوم حِلٌّ ، فأطعموناه فما بأس .
فقال عثمان : مَن يقول في هذا ؟
فقالوا : عليّ ؛ فبعث إلى عليّ ؛ فجاء .
ـ قال عبد الله بن الحارث : ـ فكأنِّي انظُر إلى عليّ حين جاء وهو يَحتُّ الخبط عن كفَّيه .
فقال له عثمان : صيد لم نصطده ، ولم نأمر بصيده ، اصطاده قوم حِلٌّ فاطعموناه ، فما بأس ؟ ـ قال : ـ فغضب عليّ ، وقال :
( أَنشد الله رجُلاً ، شهد رسول الله ( صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ) حين أُتي بقائمة حمار وحش ؛ فقال رسول الله ( صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ) : إنَّا قوم حُرُمٌ ، فأطعموه أهل الحِلِّ ) .
ـ فقال : ـ فشهد اثنا رجُلاً مِن أصحاب رسول الله ( صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ) .
ثمَّ قال عليّ : ( أُشهد الله رجُلاً ، شهد رسول الله ( صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ) إنّا قوم حُرُمٌ ، أطعموه أهل الحِلِّ ) .
ـ قال : ـ فشهد دونهم مِن العِدَّة مِن الاثني عشر .
ـ قال : ـ
فثنى عثمان وِركه عن الطعام ، فدخل رحله ، وأكل ذلك الطعام أهل الماء ( 6 ) .
المؤلِّف : ورواه بعد هذا بطريقين آخرين مُختصَراً .
ــــــــــــــــــــ
( 1 ) فيه أربعة أحاديث .
( 2 ) وقال الأُستاذ الكاتب المصري صالح الورداني :
والطريف في الأمر ، أنّ عثمان حين استُخلف واستتبَّ له الأمر ، خرج على الكتاب والسُّنَّة ، وسُنَّة الشيخين ، وكفر به القوم ، حتَّى الذين رشَّحوه واختاروه ...
والسؤال الّذي يطرح نفسه ، هنا هو : هل عمل عمر هذا يُطابق الشورى وروح الإسلام ... ؟
والجواب بالطبع : لا . فقد كان اختيار عمر لمجموعة الشورى ، يقوم على أساس قبلي بحت ، ولم يكُن وضع الإمام علي في هذه المجموعة ، سِوى مُحاولة للتغطية على الهدف الحقيقي ، مِن وراء اختيار هذه المجموعة ، الّتي أشار البعض على عمر أنْ يضع ولده عبد الله فيها . فتح الباري : 7/67 .
لقد سنَّ عمر للخطِّ الأُموي بهذا العمل ، سُنَّة أتاحت له فرصة البروز ، والحصول على الشرعيّة مِن خلال عثمان ... واستثمار هذه السُّنَّة ، فيما بعد في ضرب فِكرة الشورى في الإسلام ، ودعم نظام الوراثة ...
وجعلُ الشورى في سِتَّة أفراد مُتناقضين ، مُتنافرين ـ فضلاً عن كونه أمر مغرضٍ ـ هو يَصطدم بالقرآن الذي يقول : ( وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ... ) ، أيْ بين المؤمنين جميعاً ، وليس بين فِئة مُحدَّدة ... ويصطدم بسُنَّة الرسول ، الذي طبَّق النَّصَّ القرآني ، وعمل به بين الصَّحابة ، وفتح الباب لحُرِّيَّة الرأي الذي أغلقه أبو بكر وعمر ؛ ليفتح الباب على مصراعيه لدكتاتوريَّة الخطِّ الأُموي ...
وإذا كان عمر ، وهو يُنازع في حيرة مِن أمره ، يستخلف أو لا يستخلف ؟ مُردَّداً : إنْ لم أستخلف ، فلم يستخلف الذي هو خَيرٌ مِنِّي ـ أي الرسول ـ وإنْ أستخلف فقد استخلف أبو بكر . البخاري ومسلم .
وقد انتهز فُرصة حيرة عمر هذه ، رجل لم تَكشف لنا الرّوايات مَن يكون ، وقال له : استخلف عبد الله بن عمر ...
فقال عمر : قاتلك الله ، والله ما أردت الله بهذا . أستخلف مَن لم يُحسِن أنْ يُطلِّق امرأته ...
فتح الباري : 7/67 ، وانظر تاريخ الخلفاء.
إِلاّ أنَّ عمر مال إلى الاستخلاف ، في حدود مجموعة ، لنْ تَحيد عن الخطِّ القبلي ، الذي وضع أساسه مع أبي بكر ، وهي في النّهاية سوف تستقرُّ على واحد مِن أنصار هذا الخطِّ ، ولن تتَّجِهْ بحال إلى الحيدة والاتجاه نحو علي ...
وعلى الرغم مِن مَوقف عمر مِن ولده عبد الله ، وكونه صاحب شخصيَّة ضعيفة تَجعل منه عديم القُدرة على اتِّخاذ القرار ، على الرغم مِن ذلك جَعله في أهل المُشاورة ؛ جَبراً لخاطره .
وقال عمر : إذا اجتمع ثلاثة على رأي ، وثلاثة على رأي فحكِّموا عبد الله بن عمر ، فإنْ لم ترضوا بحُكمه ، فقدِّموا مَن معه عبد الرحمان بن عوف ، وإنْ ولي عثمان فرجل فيه لينٌ ، وإنْ ولي عليٌ فستختلف عليه النّاس ، وإنْ ولي سعدٌ ، وإِلاّ فليستعن به الوالي .
المرجع السابق ، والسؤال هنا لماذا لم يُرشِّح عمر أبا ذَر أو عمّار ـ مثلا ـ بدلاً مِن ولده ... ؟!
وما يجب ذكره هنا ، هو أنّ ابن عمر هذا رفض بيعة علي ، بعد عثمان ، وبايع معاوية وولده يزيد ، وقد أطال الله في عمره ، حتَّى لَحِق بالحجَّاج ، وكان يُصلِّى خلفه ، ومعه أنس بن مالك .
أُنظر : تاريخ ابن عمر في كتب التراجم .
وقال الأُستاذ الورداني :
فحين تشاور القوم مال الزبير لعليٍّ ، ومال سعد لعثمان ، ومال طلحة لعبد الرحمان ، ثمَّ انسحب عبد الرحمان ، ورفض ترشيح نفسه ، ومال لعثمان لتُصبح النتيجة ثلاثة إلى واحد .
ثلاثة مع عثمان ، وواحد مع علي . فعبد الرحمان عند ما مال لعثمان ، مال طلحة معه .
وفي رواية أُخرى انتهت النتيجة اثنين ، أي : تعادلت الأصوات ، وهنا عرض عبد الرحمان على الإمام ، أنْ يُبايع على كتاب الله وسُنَّة رسوله ، وسُنَّة الشيخين ، فأبى إلزامه بسُنَّة الشيخين . فطلب مِن عثمان ذلك ، فوافق ؛ فأعلن بيعته .
السيف والسياسة ص84 ـ 85 .
( 3 ) موطِّأ الإمام مالك : 2/825 ، كتاب الحدود ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي . السُّنَن الكبرى للبيهقي : 7/442 ـ 443 .
( 4 ) تفسير الطبري : 2/61ط بولاق مصر .
المُعلِّق : راجعنا تفسير الطبري سورة البقرة آية 33 ، في تفسير : ( وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ ... ) إلخ ، وراجعنا التفسير المذكور ، في آية 15 مِن سورة الأحقاف : ( ... وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً ... ) ، وراجعنا التفسير في سورة لقمان آية : 14 : ( وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ ... ) إلخ لم نعثر على رواية بعجة بن زيد الجهنى ، التي ذكرها المؤلِّف ( طاب ثراه ) والظاهر أنّها أُسقطت مِن الطبعة التي تلتها .
( 5 ) الدُّرُّ المنثور في التفسير بالمأثور : 6/40 .
( 6 ) المُسند : 1/100 . شرح معاني الآثار للطحاوي : 2/168 ، كتاب الحج ، رواه مُختصَراً . كنز العمَّال للمُتَّقى الهندي : 3/53ط حيدر آباد ـ الهند ، قال : أخرجه ابن جرير ، وصحَّحه وأخرجه الطحاوي وأبو يعلى . مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للهيثمي : 3/229 ، قال : رواه أحمد وأبو يعلى بنحوه والبزَّار ، ثمَّ قال : فيه علي بن زيد ، وفيه كلام كثير ، وقد وثِّق .
3 ـ باب ( ما جاء في جهل عثمان بالكتاب والسنّة ) ( 1 ) ( 2 ) .
- الزيارات: 1338