1 ـ روى البخاري في هذا الباب ، رواية طويلة مُفصَّلة ، وقال في جُملتها : فأرسل ـ أيْ عثمان ـ إلى كلِّ أُفق بمَصحف مِمَّا نسخوا ، وأمر بما سواه مِن القرآن في كلِّ صحيفة أو مَصحف أنْ يُحرَق ( 2 ) .
2 ـ روى البيهقي بسنده ، عن أنس بن مالك : أنَّ حذيفة بن اليمان ، قَدِم على عثمان بن عفان في ولايته ـ فسَاَقَ البيهقي الحديث إلى أنْ قال : ـ ففزع لذلك عثمان ، فأرسل إلى حفصة بنت عمر أنْ أرسلي إلينا بالصُّحف التي جُمع فيها القرآن ؛ فأرسلت بها إليه حفصة ، فأمر عثمان زيد بن ثابت ، وسعيد بن العاص ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الرحمان بن الحارث بن هشام ، أنْ ينسخوها في المَصاحف ـ إلى أنْ قال ـ ففعلوا ، حتَّى كُتِبت المَصاحف ، ثمَّ ردَّ عثمان الصحف إلى حفصة .
وأرسل إلى كلِّ جُنْدٍ مِن أجناد المسلمين بمَصحف ، وأمرهم أنْ يُحرقوا كلَّ مَصحف يُخالف المَصحف الذي أرسل به ، وذلك زمان أُحرقت المَصاحف ( 3 ) .
3 ـ روى الطحاوي بسنده ، عن سالم وخارجة : إنَّ أبا بكر كان جمع القرآن في قراطيس ، وكان قد سأل زيد بن ثابت النظر في ذلك ، فأبى عليه ، حتَّى استعان بعمر بن الخطاب ففعل . وكانت تلك الكتب عند أبي بكر حتَّى توفِّي . ثمَّ كانت عند عمر حتَّى توفِّي ، ثمَّ كانت عند حفصة زوج النبي ( صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ) ، فأرسل إليها عثمان ، فأبت أنْ تدفعها إليه ، حتَّى عاهدها ليردَّنها إليها ، فبعثت بها إليه ، فنسخها عثمان في هذه المَصاحف ، ثمَّ ردّها إليها. فلم تزل عندها حتَّى أرسل مروان بن الحكم ، فأخذها فحرَّقها ( 4 ) .
ورواه بعينه ـ سَنداً ومَتناً ـ في الجزء الرابع .
4 ـ روى المُتَّقي الهندي ، عن مصعب بن سعد ، قال : أدركت الناس مُتوافرين ، حين حرَّق عثمان المصاحف ، فأعجبهم ذلك ، ولم يُنكر ذلك منهم أحد .
قال : أخرجه ابن أبي داود ، وابن الأنباري في المَصاحف ( 5 ) .
المؤلِّف : ثمَّ إنّ ههنا حديثاً ، يُناسب ذكره في خاتمة هذا الباب ، وهو ما ذكره المُتَّقي الهندي ، عن النبي ( صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم )
قال : ـ ( 5 ـ ) ـ ( يجيء يوم القيامة : المَصحف والمَسجد والعِترة .
فيقول المَصحف : يا ربّ ، حرَّقوني ومزَّقوني .
ويقول المسجد : يا ربّ ، خرّبوني وعطَّلوني وضيَّعوني .
وتقول العِترة : طردونا وقتلونا وشرَّدونا .
وأجثو برُكبتيَّ للخصومة ، فيقول الله :
ذلك إليَّ وأنا أولى بذلك ) .
قال : أخرجه الديلمي
عن جابر ، يعني : عن النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) .
قال : وأحمد بن حنبل ، والطبراني ، وسعيد بن منصور ، وعن أبي أمامة ، يعني : عن النبي ( صلّى الله عليه [ وآله ] وسلّم ) ( 6 ) .
المؤلِّف : ومِن العجيب جِدَّاً ما ارتكبه عثمان ، مِن الأمر بما سوى مَصحفه ، الذي أرسل به إلى الآفاق مِن المَصاحف الكثيرة أنْ تُحرق ، كما يظهر كثرتها مِن قوله في الرواية الأُولى : وأمر بما سواه مِن القرآن في كلِّ صَحيفة أو مَصحف أنْ يُحرَق ، أو في الرواية الثانية : وذلك زمان أُحرقت المَصاحف ، أو في الرواية الأخيرة : حين حرَّق عثمان المَصاحف .
وأعجب مِن ذلك كلِّه ، ما سمعته في الرواية الأخيرة ، مِن قوله : فأعجبهم ذلك ، ولم يُنكر ذلك منهم أحد ، أوليس الاحتراق هَتكاً للكتاب المُقدَّس الإلهي ؟! أوليس هذا أمراً واضحاً عرفيَّاً ، يعرفه كلُّ مَن له أدنى أدب وإنسانيَّة ؟! فلو كان مقصد عثمان هو إتلاف ما سوى مَصحفه مِن المَصاحف ؛ لئلاّ يحصل الاختلاف بين المسلمين في قرآنهم الكريم ، فما الذي دعاه إلى الأمر بالحَرق ، بلْ كان يحصل مقصده بمحو ما سواه مِن المصاحف ، أو بدفنه ، أو بإلقائه في بحر ، أو ماء جاري ، أو نحو ذلك مِن الإتلافات الغير الموجبة للهَتك ، ولا المُنافية للأدب الإنساني ، ولكن ما عسى أنْ أقول عن قوم أفضلهم بزعمهم : أبو بكر وعمر ، وقد رفعا أصواتهما عند النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، حتَّى نزل النهي : ( ... لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ـ إلى قوله : ـ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ ) ، وقد سمعت تفصيل ذلك كلِّه ، في مطاعن أبي بكر ، في باب مُستقلٍّ .
وقد قال عمر للنبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) عند مَماته ـ حين ما قال : ( ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده ) ـ : إنّه يَهجر ، أو غلبه الوَجع ، حسبُنا كتاب الله.
وقد عرف تفصيل ذلك ، في مطاعن عمر ، في باب مُستقلٍّ أيضاً .
وقد تجسَّر عمر على النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) في موارد أُخر شتَّى غير ذلك . حين جذبه عندما أراد الصلاة على عبد الله بن أُبي .
وحين صاح على النبي ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) عندما تأخَّر ليلة مِن الليالي ، عن الخروج إلى صلاة العشاء .
وحين أخذ عِذق البُسر ، وضرب به الأرض ، حتَّى تناثر البُسر نحو وجه رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) .
وعرفت تفصيل هذه الموارد كلِّها ، في أبواب مُستقلَّة أيضاً .
فإذا كان عمر ، وهو أفضل مِن عثمان بكثير ، لا يرى هذا كلَّه قبيحاً ، خارجاً عن حدود الآداب والإنسانيَّة ، بلْ بعضه خارج عن حدود الإيمان بلا كلام .
فما ظنُّك بعثمان ، الذي هو دون عمر في الفضل بكثير .
بلْ وما ظنُّك بقوم يعتقدون بإمامة عثمان ، وأنَّه خليفة رسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلّم ) ، وهم دون عثمان في الفضل بأكثر مِن ذلك .
ــــــــــــــــــــــ
( 1 ) فيه خمسة أحاديث .
( 2 ) صحيح البخاري : 6/98 ـ 99 ، كتاب فضائل القرآن ، باب جمع القرآن ، ط استانبول . صحيح البخاري : 3/225 ، باب جمع القرآن بحاشية السندي .
( 3 ) السُّنن الكبرى : 2/41 ، وذكر هذا الحديث المُتَّقى الهندي في كنز العمَّال : 1/282ط حيدر آباد ـ الهند باختلاف يسير في اللفظ ، وقال : أخرجه ابن أبي داود ، وابن الأنباري معاً في المَصاحف ، وابن حبّان .
( 4 ) مُشكل الآثار : 3/4 الطبعة الأُولى .
( 5 ) كنز العمَّال : 1/281ط حيدر آباد ـ الهند .
( 6 ) كنز العمَّال : 6/46 .
4 ـ باب ( في أمْرِ عثمان بحَرق المَصاحف ) ( 1 ) .
- الزيارات: 1128